الأحد ٢٨ أيار (مايو) ٢٠٠٦
بقلم أحمد الخميسي

شلنات وبرايز لفلسطين

في عهد الاتحاد السوفيتي شاعت نكات كثيرة ، كان المواطنون البسطاء يسخرون بها من أوضاع حياتهم و أساليب الإنتاج وتوزيع الدخول وهيمنة الدولة وغير ذلك . بعض تلك النكات كان لاذعا إلي درجة أن الدولة السوفيتية زالت، واختفت، بينما واصلت النكات الصغيرة حياتها ، وقهقهاتها المكتومة ، واحتفظت بمغزاها اللامع الحاد ، وما برح بعضها إلي الآن يفتح ذاكرتي بين وقت وآخر ، ويخرج منها، فيتمطى في الشمس والهواء قليلا ، ويتجول أمام عيني بحرية للحظات ، ثم ما يلبث أن يعود إلي مخبئه بحكم العادة القديمة . جاء في واحدة من تلك النكات أن الرئيس الأمريكي قام بزيارة للاتحاد السوفيتي، فحلق معه الرئيس السوفيتي بطائرة فوق القرى والمزارع يعدد له إنجازات الدولة . وأشار الرئيس السوفيتي من داخل الطائرة إلي قرية ، قائلا للأمريكي : أترى هذه القرية ؟ إن سكانها يعيشون منذ عشر سنوات من دون ماء ولا كهرباء ولا طعام ولا دواء ومع ذلك ينفذون الخطة الإنتاجية بأعلى المعدلات ! فعلق الأمريكي قائلا : جربوا معهم القنبلة النووية ! تذكرت النكتة وأنا أتأمل أوضاع الشعب الفلسطيني والحصار المضروب عليه ، واستمرار ذلك الشعب البطل في الحياة والقتال ، بحيث لم يبق للأمريكيين والإسرائيليين سوى شئ واحد فقط أن يجربوا معه القنبلة النووية ، ربما يكف حينئذ عن البقاء والكفاح ، ويكف عن كونه أسطورة ، وعن كونه الشعب الوحيد في التاريخ الحديث الذي واصل صراعه من أجل حقه لأكثر من نصف القرن . ومنذ أكثر من نصف القرن كتب الشاعر العظيم بيرم التونسي يصف ما حدث حينذاك ، وبعد ذلك، وما يحدث اليوم قائلا :

طول ما اليهود جنبنا قول ع السلام لا سلام
يرتاحوا من ضربنا ويـحـودوا ع الشــــــــام
وكل مـجــرم يـهــنــيــهــم عــلــى الإجـــرام
ويقول لهم شــدوا حـيـلـكم وازحـفـوا لـقـدام
وابن العرب لما يشـكـي يبـقـى عيب وحـرام

وتضرب أمريكا وأوروبا أشد أنواع الحصار على شعب بأكمله على مرأى ومسمع من العالم كله ، لمجرد أنه تخير بملء إرادته وفي انتخابات نزيهة منظمة حماس ليس لأنها منظمة دينية ، فالمنظمات الدينية كثيرة ، بل لأنها مقاومة للاحتلال . أما جريمة حماس التي استوجبت التجويع والحصار فهي رفضها الاعتراف بدولة إسرائيل ، ونفض الغبار عن شعار ظل عزيزا حتى وقت قريب على قلب حركة التحرر الوطني في العالم الفقير . ولم يكن رفض الاعتراف بإسرائيل إلي وقت قريب أمرا مستنكرا ، بالعكس ، كان أي تفكير في ذلك يعد خطيئة ، وإقرارا للاستعمار بوجوده في المنطقة . فما الذي جرى؟ بحيث أصبح التذكير بالحقيقة جريمة تستوجب وضع شعب بأكمله بأطفاله ونسائه وشبابه في ظروف مرعبة لا يتوفر فيها دواء ولا خبز ولا وقود ولا رواتب ؟ أليست هذه هي الجريمة ذاتها التي ارتكبتها أمريكا من قبل بحصارها الاقتصادي للعراق وقتلها نصف المليون طفل عراقي ؟ هذا في الوقت الذي تواصل فيه أمريكا مع جوقة منظمات حقوق الإنسان الممولة الحديث عن الديمقراطية والحرية والتصدي للانتهاكات القانونية . وخلال ذلك الحصار العلني يتبين فجأة عجز جامعة الدول العربية ، والدول العربية ، والبنوك ، عن إرسال أية معونات ، حتى التبرعات التي تم جمعها من الشعب المصري . لماذا كنتم تجمعونها إذن؟ وأين ستذهب هذه النقود الآن ؟ ولماذا يتضح أنكم عاجزون إلي هذه الدرجة المخزية بينما تمكنت روسيا بسهولة من إيصال عشرة ملايين دولار للفلسطينيين ؟ . وعلى أية حال ، فقد حركت حماس بموقفها موجة تأييد شعبي واسع في أنحاء كثيرة من العالم وفي المنطقة ، وهذا هو الرأي العام الذي يعتد به . وسوف تتسع دائرة التأييد للشعب الفلسطيني مع استمرار صموده . لم يبق للأمريكيين والإسرائيليين سوى أن يجربوا القنبلة النووية مع الشعب الفلسطيني ، الذي يعرف أن الأكاذيب لا تكتسب حق الحياة لمجرد مرور السنوات عليها ، كما أن الموتى لا يصبحون أحياء بتعريضهم للهواء مدة طويلة !

منذ أكثر من نصف القرن كتب بيرم التونسي قائلا ، كأنه يرى الوضع الآن :

وقالوا يا إسرائيل دبـح الـعــرب جــايــــــــز
حـسـب الـمـزاج ادبـحـي أطـفال وعـجـايـــز
الدنيـا هـايـصـة وسـهـم الـمـعتـدين فـايــــز
وإن كان على اللاجئين أهل المروءة كـتـير
يعـطـوا للاجـئـيــن شـلـنـــات وبــرايـــــز !


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى