الاثنين ١٣ آذار (مارس) ٢٠٠٦
بقلم مهند عدنان صلاحات

صالون نون الأدبي في غزة عقد ندوته حول المرأة في الأدب الفلسطيني

عند الرابعة من عصر يوم الاثنين الموافق 6 مارس التأم جمع صالون نون الأدبي ليناقش المرأة في الأدب الفلسطيني، حيث بدأت الأستاذة فتحية صرصور اللقاء مرحبة بالحضور بكلمة ترحيبية، ومما جاء في الكلمة الترحيبية :

الحضور الأعزاء.... كثيرون هم من يعجبون من كون صالوننا أدبيا نسائيا، لهم الحق في عرض وجهة نظرهم، ولنا الحق في الرد... إننا وإن كنا نحفل بإبداعات المرأة إلا أننا لم نقصر فعالياتنا على النساء فهو فاعل بجهد كلينا، نستضيف الرجال، ونتحدث عن كتاباتهم، نبحث عن المرأة في كتاباتهم، ونبحث عن صورة الرجل في كتابات المرأة، فنحن نسعى معا لإبراز هذا الإبداع وتسليط الضوء عليه لنصل لنهضة أدبية تليق بمثقفي فلسطين عموما.

ضيفنا وضيفكم اليوم هو الأديب الروائي عبد الله تايه، جاءنا يحمل بيده صفحات من سيرة المبروكة للأديب الروائي محمد نصار، جاء كاشفا لنا عن صورة المرأة في هذه الرواية، هل أعطى الأديب المرأة مكانا لائقا يتناسب والدور العظيم الذي تقوم به في مختلف البيئات كل حسب ثقافتها، أم أنه قصر ظهورها على أن تكون في الظل، تابعا لا رأي لها ولا مبادرة؟ هذا ما سيطلعنا عليه الأديب عبد الله تايه.
بعد ذلك بدأ الأستاذ عبد الله تايه بعرض ورقته قائلا:

• ارتبط التعبير الأدبي عن المرأة الفلسطينية بتبيان دورها الإيجابي في كل أدوار الحركة الوطنية الفلسطينية ومحطاتها التاريخية وتقلباتها منذ بدء القضية الفلسطينية حتى الآن وهي التي شاركت الرجل جنبا إلى جنب في محطات اللجوء والمقاومة والظروف الصعبة التي تتالت على الفلسطيني وهو يدافع عن أرضه وحريته لأكثر من مائة عام.

• والمرأة الفلسطينية كما المرأة العربية تعرضت لتكبيل دورها وتقييد حريتها على الرغم من بروز حركات دافعت عن حق المرأة في العمل، والمساواة، والتعليم، تعرضت للإقصاء، فالمجتمع نظر للمرأة كما كل المجتمعات الشرقية نظرة هامشية، دون عناية لأفكارها وتوجهاتها السياسية، فعانت المرأة من الثقافة المجتمعية، وتعرضت للاضطهاد في مجالات عديدة مثل: العمل، تساوي الفرص، التعبير عن الرأي، المشاركة السياسية. وبعد النكبة وضياع الأرض نُظر إليها على أنها غير منتجة فأُلحقت اقتصاديا بالرجل فسلبت حريتها وآراؤها وسجنت وراء سور من العادات والتقاليد.

• وتناول الكُتاب المرأة في كثير من إبداعاتهم في أدوار هامشية وأهملوا إلى حد ما الجانب الاجتماعي والإنساني لها خاصة في كتابات بعد حزيران، وظل التعبير عن المرأة يدور في نماذج المرأة المقاومة وزوجة وابنة وأخت الشهيد والأسير والمقاوم والجريح، إنها نماذج المرأة التي ساهمت بالمشاركة الفاعلة في أشكال المقاومة ضد الاحتلال. وطبيعة الصراع مع المحتل فرضت على الكُتاب تناول هذه النماذج في كتاباتهم دون الاهتمام بغيرها وكان يعد تناول نماذج أخرى للمرأة من النواحي الاجتماعية والنفسية وما إلى ذلك هو خروج عن الجو السياسي العام، رغم أن أثر الاحتلال على الإنسان الفلسطيني لم يكن وقفا على المظاهر الخارجية للاحتلال من قتل وسجن وتعذيب وملاحقة، فقد كان للاحتلال أثر كبير على المتغيرات المجتمعية من الناحية الاقتصادية والنفسية والإنسانية مما أنتج نماذجاً لا حصر لها نتيجة لانعكاس هذا الواقع المؤلم على المرأة وبالتالي على الأسرة الفلسطينية، ولكن لم يتم الالتفات في الكتابة إلى هذه الجوانب الإنسانية والنفسية والاقتصادية بشكل كبير، ولا إلى الموروث من العادات والتقاليد التي عانت منها المرأة، وبذلك كان التعبير الأدبي عن المرأة يسير وفق تصاعد العمل السياسي والمقاوم مع كثير من تجاهل للنماذج الأخرى.

ثم بدأ الاهتمام يعود ثانية للجوانب الأخرى من الحياة وللنماذج الأخرى للمرأة التي تضج بها الحياة في مجتمعنا ككل مجتمع إنساني آخر، ويظهر هذا واضحاً فيما كتب في السنوات العشر الأخيرة.

• ونلاحظ عدم انشغال المرأة الفلسطينية خلال مرحلة التحرر الوطني بطرح قضاياها الخاصة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، إنما اهتمت بالتركيز على القضايا الوطنية فهي أم وأخت وابنة الأسير والشهيد والجريح والملاحق والمطارد والممنوع من السفر والباحث عن لقمة العيش ، لقد غلّبت الاهتمام بالعام على الخاص. واتجهت للتعليم للحصول على وظيفة كمورد للرزق بعد النكبة وبعد حزيران وبعد أوسلو فصارت هي المعلمة ومديرة المدرسة والممرضة والطبيبة وبدأت تأخذ دورها الاجتماعي في مشاركة إيجابية انعكست على تناول الكتاب لهذه النماذج في أعمالهم.

لذا نرى مشاركة أفضل للمرأة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية خاصة بعد انتخابات المجلس التشريعي الأول والثاني.

• إن أدب المرأة الذي كتبته المرأة الفلسطينية بدا شديد الواقعية مواكبا للتطورات السياسية ومن منظور المرأة الشرقية التي تعيش في مجتمع له ظروفه وعاداته فمثلاً سحر خليفة في "لم نعد جواري لكم و"مذكرات إمرأة غير واقعية" اهتمت بالتعبير عن قضايا المرأة وفي "الصبار" و"باب الساحة " كتبت عن الناس تحت الاحتلال.
وليانة بدر كتبت عن الثورة في "شرفة على الفكهاني" و"نجوم أريحا" وتناولت وجود المرأة في مجتمع الثورة.

وبشرى أبو شرار في "أعواد ثقاب" و"من هنا وهناك" تناولت نماذجاً عديدة للمرأة الفلسطينية وارتباطها بالوطن والأرض.
• من المفيد أن نشجع المرأة على أخذ دورها الإبداعي في الكتابة الإبداعية لتعبر عن قضايا المرأة بصدق أعلى، وتركيز، وإلحاح، وتناول لنماذج جديدة من حياتنا التي تزدحم بالقضايا والهموم السياسية والاجتماعية والنفسية والاقتصادية.

• تشارك المرأة في الحياة الثقافية الفلسطينية وقد ترجمت بعض أعمال المبدعات الفلسطينيات إلى لغات أخرى كان اهتمامهن بالتعبير السياسي واضحا وعلى حساب قضايا المرأة الأخرى، مع ذلك لم تجد معظم الأديبات الاهتمام الكافي بأدبهن، رغم بروز أديبات مثل: "سلمى الخضراء الجيوسي، سحر خليفة، ليانة بدر، سميرة عزام، مي زيادة، حنان داود، سميرة أبو غزالة، فدوى طوقان، دعد الكيالي، ديمة السمان، سلافة الحجاوي، بشرى أبو شرار، وداد البرغوثي، مي صايغ وغيرهن.."

وبعد الاطلاع على بعض الموسوعات التي تناولت سير أدباء فلسطين لاحظت ازدياد مشاركة المرأة في الحياة الثقافية الفلسطينية فمثلاً في كتاب المرحوم عرفان أبو حمد لتصنيف الكُتّاب في فلسطين تناول (1565) شخصية أدبية كان منها (56) كاتبة.

وفي موسوعة كُتّاب فلسطين للمرحوم أحمد عمر شاهين تناول (819) شخصية أدبية منهم (56) كاتبة.

وفي دليل الكاتب الفلسطيني الذي أصدره اتحاد الكتاب ورد تعريف لـ(320) شخصية أدبية لأعضائه منهم (44) كاتبة. فتصاعدت نسبة مشاركة الكاتبات من (3,5%) إلى (6,8%) إلى (13,75%).
وللاستزادة أحيل المهتمين إلى بعض المراجع الفلسطينية التي تناولت نماذجاً عديدة للمرأة في كتابات الكُتّاب الفلسطينيين منها "المرأة في الرواية الفلسطينية" للكاتب زكي العيلة و"الشخصية في الرواية الفلسطينية" للكاتب محمد أيوب.

بعد هذا التقديم الذي آمل أن يثير اهتماما لتتبع الدارسين لنماذج المرأة في الأدب الفلسطيني.. فإنني أود التعرض لبعض هذه النماذج في رواية الكاتب محمد نصار "صفحات من سيرة المبروكة" التي صدرت ضمن سلسلة إبداعات فلسطينية بالتعاون مع الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين.

فإنه وخلال سرد روائي سيال لما يزيد عن مائتي صفحة دون تقسيم إلى فصول ولا أرقام تناول الكاتب عدداً من هذه النماذج في قرية المبروكة، ولأن الرواية تتحدث عن فترة تاريخية إبان الانتداب البريطاني فإن أجواءها تعبر عن أجواء القرية الفلسطينية عامة والتي عاشها الناس بتفاصيلها النضالية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية ودور المرأة ومشاركتها في الحياة القروية.
إن محمد نصار لو أراد تناول بعض النماذج النسوية الواردة في روايته مثل (شخصية مزيونة) في فترة السبعينيات وبداية الثمانينيات لكان تعرض للانتقاد وليس النقد.

وأنا حين كتبت روايتي "الذين يبحثون عن الشمس" عام (1979) وهي تتحدث عن العمل الفدائي ضد الاحتلال لم يرق للبعض تناولي لبعض انعكاس الاحتلال على سلوك شخصية من شخصيات الرواية النسوية إذ لم يكن أحد يريد أن يرى إلا نموذج المرأة المقاومة، وحين قلت أن الكتاب عليهم إبراز المظاهر غير المباشرة للاحتلال على الحياة الاجتماعية، لم يلق ذلك اهتماما، وبعد أوسلو، عاد البعض ليقول، لماذا أغفلنا النماذج الإنسانية للمرأة في مجتمعنا؟؟! واقتصرنا على نماذج المقاومة ؟! لذا ها نحن نعود مستجيبين للواقع، المرأة إلى جانب الوجه السياسي والنضالي، لها جوانب اجتماعية ونفسية وثقافية واقتصادية ولها حاجات وأحلام وتوقعات وخصائص واستقلالية.

وتناول الأستاذ عبد الله النماذج النسائية الواردة في رواية سيرة المبروكة للأديب محمد نصار كنموذج فقال: لقد لفت نظري الاهتمام بعدد من هذه الشخصيات منها شخصيات لها علاقة بالموضوع الاجتماعي والموضوع النفسي والاقتصادي، فأرى من نماذجه:

• المرأة الزوجة والأم الحنون في شخصية حليمة زوجة أبي حسين والتي جاءت مثالا للمرأة الحريصة على بيتها، الساعية لتوفير أسباب الراحة فيه رغم شظف العيش وضيق الحال، فكانت هي الأم والأب حين اعتقل زوجها على يد قوات الانتداب البريطاني وكانت الساعد الأيمن لزوجها لحظة خروجه من السجن وذلك من خلال سعيها معه لكسب قوت يومهم بعدما منع من الوصول لأرضه، وكانت صاحبة الرأي الذي يستنير به رغم تمرده الظاهر بحكم العادة والموروث السائد من أن الرجل له الكلمة وهو الذي له الرأي.

• هناك نموذج آخر هو زوجة الشيخ إبراهيم الجديدة، تلك الفتاة الصغيرة التي خضعت لقانون العرف السائد؛ فتزوجت مَنْ هو في حكم سن جدها لتسقط بين أحابيل النساء من ضرائرها اللاتي يفقنها بالتجربة والسن فيتجلى لنا وجه آخر من وجوه المرأة ويتمثل في تسلط المرأة على بنات جنسها دون رحمة أو شفقة، أو حتى قراءة للنتائج المترتبة على ذلك، وفي المقابل نرى كيف تعاطت هذه المرأة مع الهجوم الكاسح رغم ضعفها وصغر سنها بكل ما تملك من وسائل للدفاع عن وجودها فانقلب السحر على الساحر وبتن مَنْ يكدن لها يسترضينها أملا في الحفاظ على وجودهن، في هذا النموذج نرى كيف أن غريزة البقاء تم إيقاظها في هذه المرأة حديثة السن وحديثة التجربة.

• نموذج المرأة المطعونة بشرفها وهي مزيونة وكيف كانت تدافع عن كبريائها بشراسة واستبسال خصوصا أن الطعن جاءها من زوجها الذي وقع ضحية خديعة انطلت عليه فلم يستفسر وانساق وراء التهمة، الأمر الذي استدعى من المرأة وقفة جريئة وقوية لأنها بريئة، وكي لا تكون ضحية لذنب لم ترتكبه – ونح ندرك ما بهذا الموضوع من مظالم اجتماعية، فكم من النساء قتلن وبعدها ثبتت براءتهن خصوصا في المجتمع القبلي – لذا كان سعيها الدائم والدءوب لإثبات براءتها، وحين تطلب الأمر من زوجها أن يلحس البشعة - على عادة المجتمع – لإثبات صدق الاتهام انهار الزوج دون أن يستطيع أن يقوم بهذا العمل في حين أقدمت هي على لحس البشعة دليل براءتها، وحين أدرك الزوج براءتها طلب منها العفو وأن تعود إليه فرفضت الرجوع إليه وهذا يظهر تمسكها بالكرامة وعزة النفس.

• نموذج آخر تمثل في أم أبو فائق: امرأة ترملت في صباها، رفضت الزواج لتربي أبناءها، تعبت وكدت واستطاعت بشق الأنفس أن تجتاز بأولادها مراحل صعبة، وحين أصبحوا في سن الزواج زوجت البنات لمن رأت أنهم أهلا لهن، أما ولدها الوحيد فاختارت له عروسا أرادت أن تباهي بها أهل القرية، وكأن لسان حالها يقول: ها هو اليتيم يتزوج أجمل الفتيات، وربما أرادت أن تثبت أنها أدت رسالتها على أكمل وجه حتى في ظل غياب الأب، لكن الكنة جميلة المظهر لم تكن أهلا لهذا التقدير الذي قدم لها من الأم، وذلك لأنها شريرة بطبيعتها، والشر متجذر بذاتها، فتلمست نقاط الضعف بعمتها وازداد صلفها حتى أصبحت العمة خادمة لها من جبروتها وقوتها إلا أنها تقتل بطريقة بشعة وكأنها قصاص من السماء لاضطهادها عمتها.

• نموذج المرأة الفتاحة وكثيرا ما نجد مثل هذا النموذج في بلادنا، هذه المرأة الفتاحة المتمثلة في وطفة وهي فتاة وقعت ضحية للموروث الاجتماعي حيث حرمت من ميراثها في أراض كثيرة استولى عليها الأخوة وجعلوا يماطلون في تزويجها حتى فاتها قطار الزواج، عندها لم تجد غير أن تعتكف في بيتها وتستقبل النساء الوافدات، فذاع صيتها بأنه امرأة مبروكة تعالج الأطفال وتقرأ البخت لمن يريد أن يطلع على قادم الأيام، وفي هذا النموذج نرى جانبا من الظلم الاجتماعي الذي وقع على المرأة وهو نموذج لازال موجودا لدينا.

• كذلك نرى المرأة الحبيبة في وضحة بنت الشيخ يوسف، هذه الفتاة جميلة، أعجب بها أحد شباب القرية، ورغم أنها ابنة شيخ ورغم حساسة العلاقة التي يحكم بها جو القرية، إلا أنها بادلته حبا بحب، اكتشف ابن عمها العلاقة فعارض لأنه يريدها رغم أنه مرفوض من والدها، أهل القرية متعاطفين مع ابن العم عملا بالمثل القائل (ابن العم ينزل عن الفرس) تزوجت الفتاة بمن أحبت، مع ذلك يلجأ ابن عمها لقتل الزوج في الأيام الأولى للزواج.

• هناك نماذج أخرى كفهيمة وهي امرأة مكافحة، وهناك حماة أبو حسين وهي المرأة الساذجة الطيبة.

هذه النماذج الواردة في الرواية وقد لاحظنا أن التناول لهذه الشخصيات كان تناولا اجتماعيا - - وهو ما افتقدناه كثيرا في كتاباتنا – رغم أنها حقبة نضالية وهي فترة الانتداب البريطاني.
في الختام .. آمل أن أكون قد أضأت بعض جوانب الموضوع (المرأة في الأدب الفلسطيني) الذي يحتاج إلى اهتمام الدارسين والباحثين.
بعدها فتح باب النقاش فكان الصحفي موفق مطر أول المداخلين فقال: إذا كان محمد نصار أبرز في روايته العوامل والظروف والدوافع، أو ربما مكونات هذه الشخصيات النسائية، اعتقد أن الرواية تتجاوز مجرد رواية الأحداث بقد ما أنها عندما تأتي من قلم روائي يجب أن يكون عنده الموقف والرؤية التأريخية لهذه الشخصية والتقريرية أيضا، لكن إضافة لهذا ما موقفه، ربما يطرح هذا من خلال أحداث الرواية ويظهر من خلال أحداث الرواية، ويظهر من خلال أحداث وصراعات الرواية، فسؤالي: هل فعلا قدم لنا في هذه الرواية الأسباب الحقيقية وراء هذه التكوينات الكامنة في هذه الشخصيات مع أننا سمعنا نماذج لشخصيات لحد ما مبسطة لأن تعقيدات الحالة الزمنية التي نعيشها تقدم لنا نماذج أصعب بكثير نظرا لكثير من العوامل الضاغطة.

سؤال آخر: برأيكم هل كان التركيز على شخصية المرأة المقاومة هو هروب من الروائي ليستتر وراء هذا التوصيف لهذه المرأة ليخفي موقفه الشخصي وهو بالطبع في موقع ريادي في المجتمع؟

أما الدكتور خليل حسونة فقال بمداخلته إن جمالية الرواية تبرز في أنها أكملت روايات السبعاوي الذي طرح ما يتعلق بالمرأة في المرحلة التركية، رواية نصار التي تعالج قضية المرأة في عهد الانتداب تشكل إضافة بائنة ولها حضورها وأهميتها، ولك أود أن أبين أن هذه الرواية ارتبطت بتحليل مبطن سسيولوجي اجتماعي لشخصية المرأة وللشروط الاقتصادية والاجتماعية التي ارتبطت بفترة زمنية معينة افتقرنا إليها بسبب الثورة الفلسطينية وامتداداتها وإيحاءاتها، فكنا نحن الكتاب همنا سياسي بالدرجة الأولى وهذه ظاهرة صحية نظرا لوجود الثورة، لكن آن الأوان - ونحن على أبواب الوطن – أن نعالج الهم اليومي؛ هم الإنسان العادي، الهم الاجتماعي والاقتصادي، علاقة الرجل بالمرأة وحرية المرأة وتسليع الوعي، هذه القضايا طرحها السبعاوي ومحمد نصار وعون أبو صفية في رواياتهم، فكانت قضية مهمة.

كنت أتمنى من الأستاذ عبد الله أن يغوص بعمق التحليل بأن يقول لنا لماذا ذهبت الشيخة للمبروك، أنا كقارئ بسيط أقول إن هذا مرتبط بسيكولوجية المرأة الداخلية في رغبتها اتجاه الرجل الآخر، هذا هو المهم في الرواية بالمفهوم التحليلي أو النقدي، لماذا المبروك يجتهد أن تذهب لطرف البلدة؟ الرؤية عالجت طبيعة القرية ونحن الآن في بناء اجتماعي سسيولوجي متغير، أصبحت القرية والمدينة خلطة اجتماعية من المدنية والقراوة والبداوة.

للدكتور إسماعيل بلبل مداخلة قال فيها: لقد شرّح الأستاذ عبدالله الرواية مما جعلني أفهمها وإن لم أقرأها لذلك أعلق فأقول إننا تعودنا أن نرى المرأة الفلسطينية في صورة مجاهدة لكن محمد نصار نظر إليها من جانب آخر، نحن نقول أنه ينقصنا النظر إليها من وجهة نفسية واجتماعية واقتصادية، نظر إليها من وجهة اجتماعية، وعندما نظر إليها من هذه الوجوه وضع يده على أمراض ومشكلات لازلنا نعاني منها كمجتمع فلسطيني، منها مشكلة العنوسة في شخصية وطفة، ومشكلة الحرمان من الميراث وما يترتب عليه من افتتاح مراكز مكافحة العنف ضد المرأة والأسرة وغيرها، مشكلة أخرى عالجها هي مشكلة الزواج المبكر، وزواج الأقارب، عملا بالمثل الذي ذكر، علما بأن الرسول يقول "اقتربوا ولا تضووا"، وعالجت العلاقة بين الحماة والكَنّة، والمرأة المضحية التي صبرت على أولادها ولم تتزوج، ظاهرة الفتاحات، نحن رغم أننا في القرن الواحد والعشرين إلا أننا نجد المثقفين يلجأون للفتاحات، وإن كنت أرفض التسمية لأن الفتاح العليم هو الله فلا يصح أن نقول لهم فتاحات بل كذابين وكذابات، قضية أخرى خطيرة طرحتها الرواية وهي مزارات الأولياء، هذه رواية خطيرة جدا – أعرف مزارات الشجاعية وتأكدت من أنهم ليسوا أولياء، ثم في القصة ما يبين شجاعة المرأة وهذا يذكرني بشجاعة عائشة رضي الله عنها وقد لحست البشعة لتبرئ نفسها بعد حادثة الإفك، والتي كانت براءتها براءة لنساء المسلمين جميعا، لذلك المرأة إن أرادت أن تفعل شيئا فهي قادرة عليه لذا ما علينا إلا أن نربي بناتنا على الفضيلة، ونزرع فيهن الثقة والصدق والأمانة أنا أرى أن الرواية عالجت أمور كثيرة نبهتنا إلى أنه رغم مرور السنون لازالت الحال على ما هو عليه، حقا كل الشكر للكاتب وللمحلل ولصالون نون والأخت فتحية صرصور.
أما الناقد ناهض زقوت فينبهنا إلى أن هذه هي الرواية الخامسة لنصار وفي كل رواية كان يخرج عن السائد والمألوف في الإبداع بالنظرة لشخصية المرأة الفلسطينية السائدة في السبعينيات بقضية الالتزام المشار إليها بالهم السياسي، ففي رواية أحلام شرّح نفسية المرأة وكانت مختلفة تماما عن الواقع الذي تعيش فيه، وفي رواية صرخات عالج شخصية الرجل السجين الذي يبكي ويحزن للواقع الاجتماعي الذي وصلت له زوجته، رغم أن الجميع يصور السجين بأنه الرجل السوبر مان.

وأضاف أن قضية الالتزام في الأدب أساءت للأدب، ليسم الأدب الفلسطيني بأنه فقط أدب مقاومة ومن يكتب قصيدة غزل يهاجم، الواقع الاجتماعي مزيج من الإيجابي والسلبي، كما قال بناء على إحصاء أجريته فإن لدينا 160 كاتبة وأديبة فلسطينية في غزة والضفة والشتات، فالإبداع متواصل من المرأة الفلسطينية.
الأديب غريب عسقلاني قال أنا أشفق على الرواية وعلى كاتبها، يرى أن الرواية نوقشت اجتماعيا بعيدا عن دور الفن في حمل هذه القضايا، نحن بصدد عمل رواية وهذا يعني أننا بصدد معمار فني في الأساس، السؤال عندما يتناول روائي هذه الظواهر كيف يعيد إنتاجها فنيا ويلتقطها من الواقع الحقيقي والمعاش لتصبح واقعا فنيا يعاد رده للمتلقي وإيهام المتلقي بأن هذا الواقع الفني هو الواقع الفعلي، ومن هنا تتركز صدقية العمل وينجح الكاتب في تمرير أفكاره، هذه القضية هو ما يمكن الرد بها على سؤال الأخ موفق وهو كيف يتسلل الكاتب من خلال الفن لتصدير رؤيته في القضايا التي يعاني منها المجتمع إذا استطاع هذا الكاتب أن بغض النظر عن وجهة نظره السلبي أو الإيجابي من وجهة نظر أي منا أن يعيد إنتاج هذه العلاقات الإنسانية روائيا بشكل فني مقنع، يستطيع أن يتسلل إلى وجدان القارئ وينتزع منه اعترافا بجدلية العلاقة المتطورة والنامية في الرواية لتصبح فعلا مؤثرا على المستوى النفسي وعلى وعي القارئ أيضا، كنت أتمنى ألا تبتسر النساء من سياقها الاجتماعي في بناء الرواية لأن المرأة في كثير من أفعالها وردود أفعالها في العملية الحياتية اليومية إنما هي صدى للمجتمع الذي يمثل آخر الذكر عامل التفاعل والهجوم في بعض الحالات أو عامل التسلط والمؤازرة في حالات أخرى مما يشكل سلوكيات المرأة. فالرجل لا يتسلط على المرأة وإنما هناك ظرفا اجتماعيا وتشكيلة اجتماعية ضاغطة تضطهد المرأة على قدم المساواة مع اضطادها للرجل.وبالتالي تشوه العلاقة الاجتماعية بالأصل مما ينجم عنها واقعا مقلوبا أو معكوسا :نت أتمنى أن يكون للخلفية السياسية أو الاجتماعية والاقتصادية لعهد الانتداب ما يبرر تكريس هذه الظواهر وما يبرر تعويق نمو وتطور وعي المجتمع بما يبرر أن تردع هذه الشخصيات السلبية وأن تأخذ مداها لتصبح كيانات ثابتة ضاربة الجذور في المجتمع والتي تحتاج معركة أخرى بعيد عن المعركة السياسية لبلورة آراء جديد اتجاهها بحيث نعمل على إزالتها بالتدريج مما يدفع دفعا إيجابيا للتطور في الوعي بكافة المجالات الأخرى.
أما الأستاذ صالح عبد العال فأشار إلى أن شخصية المرأة المطعونة تتطابق مع شخصية هند بنت عتبة التي اتهمها أبو سفيان وبعد أن ثبتت براءتها رفضت العودة له.

الأستاذ رزق المزعنن قال: لقد قرأت هذه الرواية وهي جنين وفكرة في ذهن محمد نصار، لقد أبدع محمد نصار في السرد حيث كانت كل فقرة تتوالد من أختها، وحتى الموضوع يتوالد من الآخر، كثير من الإشارات التي أعرف أنها مقصودة، وضع المرأة في الرواية يشي بالفترة الزمنية وهي نهاية الحكم العثماني وبداية الانتداب البريطاني وهي المرحلة الموغلة في تشكيل الهوية الوطنية الفلسطينية، فنرى المبروكة هي أي قرية فلسطينية، والإشارات التي التقطها مزيج من البداوة كلحس البشعة، والمدنية عندما يحتكموا يذهبوا للسوق، وطفة لم يعنسوها إلا لأنهم لايريدوا أن يورثوها وهذا لا زال قائم عندنا، في تقديري هذا العمل يحتاج لرواية أخرى تتمه حتى يصل بنا للعام 1948م، وليس للمبروكة فقط بل لما حولها أيضا.

بعدها أجمل الأستاذ عبد الله الرد بقوله جميل أن تأخذ الرواية كل هذا النقاش مع أنها كانت جزء من الموضوع الأكبر وهو المرأة في الأدب الفلسطيني، والرواية نموذج، أنا لم أقرأ الرسالة تحليلا ولست ناقدا، أنا قدمتها كنماذج للمرأة في الرواية استكمالا للتقديم الذي تحدثت فيه عن الكتابة الإبداعية في المرحلة السياسية السابقة التي كان يلجأ فيها الكتَّاب للنماذج المقاومة ويعزفون عن التطرق للمرأة كنموذج اجتماعي لأن المحددات السياسية كانت تنظر أن الكاتب يجب أن يعبر عن القضية السياسية أولا وأخيرا.
وأضاف أن للكاتب مفهومه وفكره وثقافته، أنا أؤكد على حرية الكاتب والمفكر لابد أن يقول ما يراه هو مناسب وعلى المتلقي أن يستجيب ويرتقي بثقافته ليصل إلى ما يريد الكاتب، فالعملية الإبداعية عملية تعبير عن واقع رغبة في تغيير هذا الواقع إلى الأفضل.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى