الخميس ٢١ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم شيماء ياسر

صباحك نادي

“يا صباح الخير يا اللي معانا.. يا اللي معانا.. الكروان غنى وصحانا وصحانا......”

أغنية الصباح، تنطلق عاليا من مذياع”عم صبحي”، المتهالك، في ذلك الشارع الضيق القابع، بل المتواري، خلف احد أشهر”المولات”المطلة على نهر النيل، ليتوحد صوته مع أصوات باقي الأجهزة المفتوحة في اغلب تلك البيوت في ذلك الشارع وفي هذا الصباح”النادي”بعد ليلة شتوية قارسة البرودة، عصفت بلسعاتها الباردة القلوب التي لا تجد من وسائل الدفء إلا مواقد جاز قديمة، وتركت سيول الأمطار الغزيرة بصمتها الرطبة على الأسطح الضيقة وما عليها من ممتلكات أصحابها”الفقيرة”.

“صباحك نادي يا زينب.. ياله حطي حاجه على راسك وانزلي هاتى الفطار من عند عمك صبحي..”تنظر إليها زينب في استسلام يومي.
“أنت يا ابني.. أنا هادني اصحي فيك لغاية امتى.. قوم فز عشان تلحق مدرستك.. والله ما أنت نافع”.

تسحب زينب كل ثانية الطرحة السوداء التي ألقتها على رأسها، تندفع إلى الوراء فتسحبها إلى الأمام لتعود ثانية إلى الخلف. تتعثر في ذلك”الشبشب”المقطوع فتكاد تنكفئ على وجهها، تلم أطراف تلك العباءة السوداء متفادية هواء الشتوية البارد خاصة في هذا الصباح”النادي”.

"صباحك نادي يا زينب”

جملة تسمعها خلال مشوارها اليومي إلى عم صبحي عدة مرات من المارين والجيران فلا تملك إلا أن ترسل ابتسامتها الدافئة ونظرتها الحزينة لآذانهم.

تتماسك حتى تصل إلى عم صبحي
“أهلا يا زينب يا بنتي.. والله انتى بنت حلال.. أنا لسه مطلع طرحة الطعمية السخنة اهى.. خدي يا بنتي..”صباحك نادي”.
تعودت أن تسمع نفس الكلام وبنفس الترتيب والسرعة فيوفر عليها عبء الرد بتلك النظرة الممتنة لأنه بالفعل انتقل إلى غيرها بكلامه الطيب.

تذهب عيناها يمينا ويسارا بحثا عن اى منفذ تتسلل منه وتنحشر فيه وسط التجمهر اليومي أمام فرن”الملوك”، لا تملك سوى يداها، بل هي يد واحد، فالأخرى قابضة بإحكام على ورقة الطعمية وكيس الفول، والأخرى تمتد لتفسح لها الطريق وسط صراخ الناس المتعالي، تنعشها رائحة”العيش”البلدي الفواحة. وأخيرا تصل إلى مبتغاها، فتندفع إليها خمسة أرغفة، تدفئ ما تستطيع من يديها المتجمدتان في سخونة”لقمة العيش”.

تهرول إلى البيت ذي الطابقين وقد وقعت الطرحة من كتفيها ليلتقطها أخوها الأصغر في اللحظة الأخيرة بمجرد وصولها إلى سطح البيت الممتد أمام غرفة معيشتهم الوحيدة.

“ياله يا زينب قومي يا بنتي رتبي المطرح.. أختك وجوزها جايين ع الضهر”

تبتلع زينب آخر لقمة في يدها وتهم بصحن الفول وورقة الطعمية إلى تلك الزاوية الضيقة في الحجرة.

تتوقف قليلا، تحدق في تلك الورقة البيضاء، أوالتي كانت كذلك، بفعل زيت الطعمية، ورقة كراسة قديمة كتلك التي كانت يوما لها قبل أن يحدث ما حدث. ظلت ممسكة بالورقة وكأنما أصابتها قسوة برودة اليوم بتجمد مؤقت.

“فيه إيه يا أم زينب. يا ساتر يا رب.. إيه اللي حصل يا ختى.. مالها زينب كفا الله الشر”

زينب في وسط الحجرة، ممسكة بالورقة البيضاء بكلتا يديها، تدور وتدور وتدور في هستريا من البكاء الضاحك أوالضحك المبكى، المكتوم.

يحتشد الجيران عند سطح البيت، ينفذ من بينهم شخص ممسك بحقيبة سوداء يخترق الجمع في سرعة.

“الحقنا يا ابني الهي يسترك”

“خير يا خالة اطمنى إن شاء الله.. إيه اللي حصل”

تروى له ما حدث منذ الصباح”النادي”.

“خير يا أمه.. إيه اللي حصل لزينب”

“اسكت.. وطي حسك.. الدكتور موريس اداها حقنة تنيمها”

بهدوء حذر، تسحب أم زينب ورقة الطعمية من بين يديها. لحظات أخذت تتأملها”يا عيني عليكى يا بنتي وعلى اللي صابك.. حتى الشكية اتحرمتى منها.. منه لله اللي كان السبب”

“خد شوف الورقة دى فيها إيه.. من ساعة ما مسكتها وصابها اللي صابها وماحدش عرف ياخدها منها”

س1 : اكتب في احد الموضوعات الآتية :

أ – العشوائيات وأثرها على الحياة الاجتماعية والنفسية لساكنيها في ضوء تلك القضية التي أثارت الرأي العام والتي قام فيها احد الأزواج”سعيد الكومى”من سكان هذه المناطق بعدما أصابته حالة هستيرية فقد فيها وعيه بقطع لسان زوجته”زينب صابر”وعندما سئل عن السبب قال

“كل يوم تقولي صباحك نادي صباحك نادي.. هوفين الصباح النادي ده.. مش بيجى ليه”وتم إيداعه مستشفى الأمراض العقلية بالعباسية.

ب – قصة قصيرة عن معنى ذلك البيت الشعري لإيليا أبوماضي
“كن جميلا ترى الوجود جميلا”.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى