الأربعاء ١٦ أيار (مايو) ٢٠٠٧
بقلم صلاح سرميني

طفلةُ السماء

بين رواية الكاتبة السورية سمر يزبك وفيلم المخرج السعوديّ علي الأمير

بتاريخ 12/4/2007نشرت صحيفة(القدس العربيّ) لكاتب هذه السطور قراءةً نقديةً بعنوان (طفلة السماء لمخرجه السعوديّ علي الأمير، صياغةٌ سينمائيةٌ متميّزة خذلها سيناريو مُتهالك)، وفي تاريخ 3/5/2007 قرأتُ خبراً في نفس الصحيفة كتبه (أنور بدر) تحت عنوان (طفلة السماء تظهر في السعودية، والكاتبة لم تدرِ أنها شاركت في كتابة الفيلم)، وفي الأيام التالية، وجدتُ كمّاً من المقالات، والتصريحات، والبيانات المُهاجمة، والمُتهمة للمخرج السعوديّ، والمُطالبة بإعادة الحقوق الأدبية، والمعنوية، والمادية للكاتبة السورية.

حتى ذلك الوقت، كنت أحفظُ لقطات الفيلم، وحواراته عن ظهر قلب، ولكنني لم أكن قد قرأت الرواية بعد، ورغبةً مني بإنصاف الطرفيّن( المُتضرّر أولاً)، والكشف عن بعض المُلابسات المحيطة، فقد بدأتُ الاهتمام بهذه الواقعة، ومتابعتها عن قربّ مع طرفيّ النزاع، المخرج السعوديّ (علي الأمير)، والكاتبة السورية (سمر يزبك).

بعد قراءة الاتهامات المُوجهة للمخرج، فإنّ أكثر الحيثيات التي أثارت فضولي، ملصقٌ (قديمٌ) للفيلم (لم يُعتمد، ولم يُستخدم أبداً كمادة إعلانية) عثرت عليه الكاتبة في الموقع الشخصي للمخرج، وفيه تنويهٌ واضح عن مُشاركتها في السيناريو، مع أنني لم أجد اسمها قبل ذلك، لا في عناوين الفيلم، ولا في أيّ خبر، أو تصريح، أو حوار، أو مقال سابق نُشر في أيّ صحيفة، أو موقع، منذ الانتهاء من إنجاز الفيلم (شهر سبتمبر 2006)، وحتى اليوم ( قبل أن ترسله الكاتبة مع بياناتها، واحتجاجاتها للوسائل الإعلامية المُختلفة)، مما أثار في ذهني شكوكاً مُحتملة، زادَ منها حصولي على مراسلات مُتبادلة بين الكاتبة، والمخرج، يؤكد فيها بأن الرواية قد ألهمته (جانباً إبداعياً آخر).
والحقيقة بأنني وجهتُ اقتراحاً للطرفيّن بالهدوء، والتأنّي حتى قراءتي للرواية، وإبداء وجهة نظري بنقاط التشابه، والاختلاف بينهما.
في تلك الأثناء، كانت تصريحات، وبيانات الكاتبة، ومعها صورة المُلصق (القديم) تنتشر في الصحف الورقية، والمواقع الإلكترونية، أما المخرج، فقد (تعمّد) الصمت منتظراً حسم الخلاف بالمُقارنة ما بين الفيلم، والرواية .
انتظرتُ أياماً كي تصلني من أحدهما نسخةً ورقية، أو إلكترونية من الرواية، ولكنني كنت أسرع منهما، عندما عثرتُ على النسخة الوحيدة المُتبقية في المكتبة المُواجهة لمعهد العالم العربي بباريس.
قرأتها في نفس اليوم، وسجلتُ أحداثها، وشاهدتُ الفيلم للمرة الـ... ، وقبل إبداء الرأيّ في هذه الواقعة، وغيرها(وسوف يكون ذلك في تقرير لاحق)، دعونا نقرأ ملخصاً تقنياً ( إشارات إلى أهمّ أحداث الرواية، وشخصياتها)، وعرضاً تفصيلياً للفيلم (أقرب إلى الديكوباج/السيناريو التقني الجاهز للتصوير)، مع تفريغ كامل لحواراته.
وبعدها...
أترك القارئ، وكل من يهمه الأمر(بما فيهم المخرج، والكاتبة) تحديد أوجه التقارب، والاختلاف بين الرواية، والفيلم .

طفلة السماء، الرواية
للكاتبة السورية سمر يزبك

الفصل الأول : (نور) شابةٌ في العشرينيّات من عمرها، تهرب من بيتها ليلاً، تلاحقها صور، وأصوات أمها، وجدتها، وتتداعى في ذهنها ذكريات الماضي.
كانت تسكن في قرية صغيرة قريبة من مدينة اللاذقية، وبعد وفاة أمها، تزوجت من ابن عمها بقرار من والدها، وبدون أن ترفض، وكأنّ الأمر لا يعنيها، عندما كانت في الثامنة عشرة من عمرها تقريباً أحبت (سالم) هروباً من سطوة أبيها، (ورغبةً مجنونة بالتحدي)، وكانت تلتقي معه وراء بساتين الليمون المُحيطة بالقرية، وعاشت أولى خيباتها العاطفية مع (رجل خائف من ظله).
تعود إلى البيت، وتجد والدها في انتظارها(...منذ تلك اللحظة التي انقضّ فيها أبي على جسدي، هوى به، امسكني من شعري، وصار يلوح بي مثل مزقة في إعصار، تلك هي المرة الأولى التي يضربني فيها، لم يكن ضرباً، بل محاولة قتل..) .
تأخذها العائلة إلى المستشفى للكشف عن عذريتها،...
تتذكر جدتها، وعمها الكبير، وسوف نعرف بأنها من أمّ مسيحية(أرمنية تركية)، وأبّ مسلمٌ من الطائفة العلوية.
مع الأيام، أصبح الأبّ أكثر تسامحاً مع (نور)، وهي لم تتوقف عن إثارة الآخرين بتصرفاتها، أصبحت تغرق أكثر بين كتبها، وترفض الخروج من البيت، وبدأت تتوطد علاقتها الروحية مع طاغور، وأشعاره، وتعيش مرحلةً من الإحباط، والتوهم، والشرود، والهذيان،....
تعود إلى الدراسة من جديد، يحرق الأب وزوجته كتبها، وهي تحاول إحراق نفسها مع الكتب.
يعتقد الجميع بأنها مريضة، حتى هي (بدأتُ أعتقدُ أني مجنونة فعلاً، وأُعجبتُ بجنوني).
خلال طقوس ذبح العجل تضحيةً في مقام الشيخ بوعلي أحمد، تتذكر (نور) كيف كانت في بداية مراهقتها تتلصصُ على الاجتماعات السرية المُخصصة للرجال في الأعياد الخاصّة بالطائفة العلوية.
تعود إلى دراستها في البيت.
الفصل الثاني : تتذكر (نور) كيف استيقظت في إحدى الليالي لتشرب كأس ماء، فوجدت أبيها يحاول خنق أمها، وتكشف ذكرياتها عنها .
تلاحقها ذكريات المدرسة، المعلمة، رفيقاتها، وطفولتها المُدللة بفضل منصب أبيها في الدولة.
ولم تنسى بعد جدتها، وحكاياتها، والسوق القديم في المدينة، والميناء.
فجأةً، تعرف (نور) بأن والدها في السجن، وليس مسافراً في رحلة عمل، كما زعمت العائلة، ويبدو بأنه تورط في مشكلة اقتصادية مع الحكومة.
تحجز الدولة على البيت، وتنتقل العائلة إلى بيت الجدّ في الضيعة، يخرج الأبّ من السجن، تموت الأم بشكل مفاجئ، تتذكر(نور) بأنها قبل أيام شاهدت الأب يضرب أمها بعنف مبالغ، فقد رفضت بأن يضاجعها، لأنها(أقسمت في صلواتها، ومنذ أن عرفت بخياناته لها أن لا تدعه يلوث جسدها..).
تحكي (نور) عن تعلقها بخالها.
بعد وفاة الأم يتزوج الأب من (سميرة)، تتأزم العلاقة بين (نور) وزوجة الأب، وتتقرب أكثر من أخيها علي.
يموت الأب، تحسّ (نور) بالذنب تجاهه(اقتنعت ساعتها أنني السبب وراء موته، لقد قتلته، هو قتل أمي).
تتداعى إلى مخيلتها ذكرياتها عن حبيبها سالم(الذي تركني، وترك أهله، وحزبه، وغرق في الظلام، موغلاً في تفتيت الروح، وانشطاراتها،...).
بعد موت الأب، تسلم العم، وابنه مهام تربية (نور)، وتصحيح سلوكها (ذات يوم فتح باب غرفتي ودخل هو وأبوه في حالة هياج، كانا صامتين، اقترب محمد مني، وأمسك شعري، صفعني على وجهي، فتهاويت على الأرض،.......بدأ يضربني، ثم اشترك أبوه معه).
في مخزن التبغ المهجور يحاول (محمد) ابن عمها اغتصابها، وهي تدافع عن نفسها بشراسة، ومع ذلك، في الأيام التالية عبرت (نور) عن رغبتها بالزواج منه.
الفصل الثالث : تصل (نور) إلى دمشق، تبحث عن عنوان (عادل الصوفي) صديق (سالم) الذي تحاول أن تتناساه، وتبدأ حياتها مع عادل الصوفي (المطلوب من قبل السلطات، والمُعارض للحكومة)
تعيش (نور) أياماً من الخوف، والقلق، والرعب، والهواجس خوفاً من ملاحقة أولاد عمها لها، واكتشاف مكانها، وقتلها، وبسكنها مع (عادل) في غرفته تتفجر أحاسيسها بجسدها، ورغباته.
تبدأ العمل في أحد مصانع البسكويت الصغيرة.
يكتشف أخوها (علي) مكانها.
الفصل الرابع : يعرف الأعمام بهروب (نور)، ويقرروا بأن أخيها (علي) هو المسؤول عن لململة الفضيحة .
تستعيد (نور) ذكرياتها عن أخيها (علي)، و
لا تنفك الهواجس، والكوابيس المتكررة عن ملاحقتها.
تتعايش (نور) مع رغباتها المكبوتة، وتلجأ (كما عادل الصوفي) إلى تنفيسها بسرية، وتطلق العنان لهواجسها الجنسية.
تحكي لها جارتها (أميرة) عن زيجاتها الثلاث، وهروبها مع رجل أحبته، وتركها بعد شهر وحيدة.
يمرض (عادل)، وتنفذ (نور) بدلاً عنه مهمة اللقاء مع أحد أصدقائه المُلاحقين.
أصبح (عادل) يثق بها، وراحت تقوم بأداء العديد من المهمات التي أخذ يوكلها إليها بين الحين والآخر، ولم تكن ( لتتجاوز إيصال المؤن، والرسائل).
القبلة الأولى بين (نور) و(عادل) بعد أن فشلت مهمتها الأولى.
يتكاشف (عادل)، و(نور) أسرار ممارساتهما السرية، واشتهاء الواحد للآخر، ويتصارحان بحبهما المتبادل، ومن ثمّ القبلة الثانية.
جارتها (أميرة) تحكي لها عن أبيها، وأخواتها، وخاصة (تلك اللعبة السرية، والمسلية) التي كانت تمارسها مع أختها الكبرى، وتحاول استدراج (نور) في علاقة مثلية.
تكشف (أميرة) عن أسرارها، هي ليست (قوادة) كما تنعتها(نور)، ولكنها تجيب (أنا أعمل، أقرّب بين الناس، وأمنحهم ما يحتاجون إليه، أمنح الفتيات المال، والرجال الجنس،...).
تتقدم (نور) لامتحانات الثانوية العامة، وتنجح.
العراق تجتاح الكويت.
يتمّ اللقاء الجسدي الأول بين (نور) و(عادل)، الذي بدأ يتغير(عادل الذي عرفته على الدوام.. رحل ولن يعود ثانية)، هو غارقٌ في أخبار الحرب، وقصف بغداد.
يرحل (عادل) من الغرفة، ويترك رسالة وداع، ومبلغاً من المال، لقد ذهب لمُلاقاة أمه ( وبالكاد سلّم عليها، ودخل الحمام، ثم قطع شرايين يديه).
أخيراً، تنهي (سمر يزبك) روايتها على لسان (نور) : (ازداد صراخي، واتسعت حدقتا عينيّ حتى الانفجار، توقف قلبي عن الخفقان، تيبست ضلوعي، وآخر ما رأيته قبل الغيبوبة، كفّ ذلك الرجل القوي، ذي النياشين، وهي تهوي على وجهي).
تنويه : جميع العبارات المُدرجة بين قوسيّن منسوخة حرفياً من الرواية .

طفلة السماء، الفيلم
للمخرج السعوديّ علي حسن الأمير

شاشةٌ سوداء، صوت امرأة (من خارج الكادر) : حرام اللي بيصير في الأطفال فعلاً، حرام العنف بهذه الطريقة، وبهذا الأسلوب، نحنا مجتمع إسلامي، إذا كان الغير مسلمين بيتعاملوا بالرفق، شلون نحنا في المجتمع الإسلامي، وين الحكومات، ليش ما تتدخل، وين حقوق الإنسان في العالم العربي، صح ولا لأ أخ علي ؟
صوت المخرج (من خارج الكادر) : صحيح
صوت امرأة (من خارج الكادر) : وللأسف، التعامل معاها بيكون بمنتهى البساطة، وكأنها موضوع عادي، ايش يعني موت طفل، وإيش يعني في موت امرأة بسبب عنف واحد سكران....
تظهر عناوين الفيلم الأولية مع موسيقى طبول مثل الرعد، وآهات نسائية غنائية، ومؤثرات هطول أمطار.
صوت امرأة (من خارج الكادر) : كانت فتاة عانت من انو والدها كان مسلسلها لمدة ثلاث شهور، سلاسل، في غرفة، يُرمى لها الأكل كالقطة، والكلب، قالت انو هو كان بيضربها، ويقلها أنا لو قتلتك مالك ديّة...
موسيقى، مؤثرات، وصراخٌ حادّ لامرأة تُضرب.
تظهر الصورة الأولى من الفيلم، بالأبيض والأسود، الكاميرا موضوعة في مستوى الأرضية، تتقدم ببطء نحو باب مغلق، موسيقى اوركسترالية جنائزية.
صوت امرأة (من خارج الكادر) : في يوم من الأيام استمعت بكاء طفل، يمكن عمرو خمس سنين، ففتحتلوا الشباك، واتفاجئ أنو الأب ماسك ولدو الصغير، ورابط ايدينو بالشباك، أنا أبكي، ما أعرف، الطفل يبكي، وهو شنو يقول لولدو الصغير، يقولو عشان مرة تانيه تبطل تتلفت في الصلاة.
الموسيقى، والآهات النسائية المُغناة من جديد.
صوت امرأة (من خارج الكادر) : الإسلام لا يدعو إلى العنف........ أنا شفت حالات فتيات..
يقاطعها تعليق امرأة ثانية (من خارج الكادر) : تشويه.
صوت امرأة (من خارج الكادر) : ..... السجاير محروقة في جسمهم كلهم، هل هذه تربية.
صوت المخرج (من خارج الكادر) : لأ
صوت امرأة (من خارج الكادر) : هادا انتقام.
تظهر لقطة بالأبيض والأسود، فتاةٌ صغيرةٌ ملقاةٌ على الأرض، شاخصة العينين، وقد سالت الدماء من رأسها، الكاميرا في مستوى الأرضية، تبتعد عنها.
عنوان فرعيّ على الشاشة : في اليوم السابق.
عودةٌ إلى اليوم السابق، (ديما) طفلةٌ صغيرةٌ في التاسعة من عمرها، تلهو في غرفتها بإحدى الألعاب الإلكترونية، لقطات كبيرة جداً لأصابعها الصغيرة تضغط على أزرار جهاز التحكم، وأخرى لعينيّها الزائغتين تلاحقان حركة الشخصيات أمامها على شاشة الكمبيوتر، وثالثة لشفتيّها ترتسمان فوقهما طيف ابتسامة.
يدقّ جرس الباب مرات عديدة، ولكن (ديما) لا تسمعها، لأنها تضع في أذنيها سماعتين، وتصغي إلى أغنية لـ(عمرو دياب).
تتراءى ظلال شخص ما يضرب بعنف الباب الزجاجي، إنها ليست طرقات عادية، هي أشبه برعد خاطف، ومتكرر.
أخيراً، ترفع الخادمة سماعة التلفون الداخلي للمنزل، وتنادي بالإنكليزية: ديما، إنه أباك.
مازالت (ديما) مشغولة باللعب، لقطاتٌ كبيرةٌ لأصابعها تضغط على أزرار جهاز التحكم، ذقنها، أنفها، ترفع السماعات من أذنيها.
لقطةٌ متوسطةٌ للطفلة (ديما)، هي في شمال الكادر، تنظر إلى يمينه، وفي العمق يظهر الأب بجلابيته البيضاء، لا نرى منه إلاّ الجزء الأيسر من قامته، ولم (ولن) نتعرف على وجهه فيما بعد، يتقدم نحو يمين الكادر، في يده اليمنى زجاجة خمر، ومضات مونتاجية سوداء يتناوب ظهورها مع تقدم الأب نحو اليمين، موسيقى جنائزية.
الأب بغضب : انت، وآخرتها معاكي، ليش ما قمتي تفكيلي الباب يا حيوانة ؟
تلتفت (ديما) نحو أبيها، تنظر إليه بدون خوف : بابا ما سمعتك، خلاص، طاحت الدنيا.
الأب : وتردّي كمان (كلمة غير مفهومة) شكلك،مين معاكي في البيت ها، فين مخبياه، طلعيه يلا
ديما : بابا أنا صغيرة ع هادي الحاجات.
الأب : صغيرة، الكلام هادا ما يمشي عليا أنا، أنا ما ينضحك عليا أنا، قدامي، وفي الليل (أو البيت)، ومن وراياّ تساوي البلاوي يا فاجرة.
ديما : بابا شوف نفسك، إنت سكران.
تنهض، وتأخذ منه زجاجة الخمر.
الأب : وقفي عندك.
يستعيد الزجاجة : تاني مرة ما تاخدي أيّ شئ من يدي، هاتي، ينهرها بعنف
ديما : آه، وجع، عورتني، عشان مصلحتك.
الأب : عشان مصلحتي آه، روحي شمي أولا ريحتك المعفنة، يا زبالة
تشيح بوجهها، وتتمتم بكلمات غير مفهومة ...
الأب : إيش بتقولي ؟
ديما : أقول شمّ ريحتك إنت أول.
تنفخ متأففة، وتتوجه نحو غرفتها لتُعاود اللعب، يتقدم نحوها، يشدها من يدها، يجرها، تعلو الموسيقى الجنائزية، والآهات النسائية، والصراخ، تختلط تلك اللقطات مع صور اللعبة الإلكترونية على شاشة الكمبيوتر.
يجرّ الأب ابنته فوق أرضية البيت، تختلط كلماته، ولعناته مع صراخها، وتوسلاتها، والموسيقى، يجرّها نحو الحمام.
تبقى الكاميرا خارج الحمام، ويتولى شريط الصوت إيصال ما يحدث في الداخل، لا يشاهد المتفرج عنف ذلك المشهد، فقط حركات الباب المفتوح قليلاً بفعل الاصطدام المتكرر للأب، والابنة به.
تدخل الكاميرا أخيراً إلى الحمام، يخرج الأب، ويترك (ديما) تستند على حافة التواليت.
ومنذ تلك اللحظة (أيّ في الدقيقة السادسة تقريباً من مدة الفيلم ال21 )، نسمع مونولوجاً هو بمثابة مذكرات تكتبها الطفلة.
ـ ليست هذه المرة الأولى التي يضربني فيها، كان نار كفه وهي تهوي على وجهي أبرزها
آهات نسائية مُغناة، مؤثرات تساقط قطرات الماء في حوض الحمام.
ـ إنه الخوف الذي دمّر روحي،... خياله كان كفيلاً بخلق الرعب في نفسي، لكن، مع الأسف الشديد أشفقُ عليه، لأنه يكون في وقتها سكيراً، حتى أنه عندما يفيق من سكره، ويجدني متورمة، فيسألني : مع من تشاجرت.
لقطة للطفلة (ديما) متكورة، وحزينة.
صوت الأب( من خارج الكادر) : إيش في وجهك مورم كدة، مين ضربك،(ديما تبتسم بحزن) قلت شي أنا يضحك؟
(ديما) في غرفتها تتصفح مذكراتها.
صوت ديما (من خارج الكادر) : اعذريني يا أمي، لم أستطع إعادتك مرةً أخرى إلى الحياة، سأغضب من أجلك، فالعالم كله بمن يعيشون فيه لا يساوي قطرةً من دمك الطاهر، فأنت أغلى من كل شيئ، فقد ظنوا بأنهم قد غسلوا عاراً لهم لمجرد الشك في أنك على علاقة ما تجعلك عرضةً لسكاكينهم.
تعود الطفلة بذكرياتها إلى الماضي، لقطاتٌ بالأبيض والأسود.
صوت الأب، وهو يضرب زوجته : لا تكذبي......عندما رجعت إلى البيت لم تكوني موجودة...فين تروحي.
تراقب الطفلة ما يحدث في الحمام من خلال ضلفة الباب المُنفرجة قليلاً .
صوت ديما (من خارج الكادر) : تعجز الكلمات، وتتهاوى مقدرة الحروف، فنحن في زمن ساد فيه النفاق، نعيش في زمن الردّة، لقد انهار مجتمعنا مع الأسف الشديد.
يخرج الأب، تجري (ديما) نحو والدتها، تبقى الكاميرا خارج الغرفة.
صوت ديما (من خارج الكادر) : ماما، قومي، ماما،....ماما خلاص راح...
نفهم بأن الأم قد ماتت، (ينتهي الفلاش باك)، تضع الطفلة (ديما) دفتر مذكراتها تحت الوسادة، وتنام.
في اليوم التالي، تأتي صديقتها(سارة) لزيارتها، تتغير الموسيقى، وتبتعد عن أجوائها الجنائزية، وتصبح أكثر انطلاقاً، وفرحاً.
صوت ديما (من خارج الكادر) : كنتُ في أمسّ الحاجة إلى صديقة، لكنني كنتُ أحارب تلك الرغبة بضراوة، فما عدت أثق بالناس، صديقتي علمتني أن هناك حبّ غير مشروط، أنظر إليها، وأتعجب، وأسأل نفسي، هل يوجد هذا الحبّ، حب يتواجد معي في اكتئابي، هذا هو الحبّ الذي وجدته، ضيف خفيف مثل صديقتي، تعلمتُ منها أن الحياة، ومصائبها تترك الآثار الجسيمة في شخصياتنا، لكنّ تلك التشوهات لن تقتل حقيقتنا.
تلهو الصديقتان على مقربة من الشاطئ، وفي جلسة فضفضة بينهما.
سارة : إلى متى إنتي ح تستحملي العيشة اللي انتي عايشة فيها ؟ ما طفشتي ؟
ديما : قوليلي، طيب ايش أقدر أسوي، ايش أقدر أغير في حياتي ؟
سارة : ايوه، تقدري تسويّ شي، تقدري تهربي،..
ديما : (كلمة غير مفهومة) شكل المجتمع.
سارة : انت ما انت رواية، وما انت كتابة على أوراق ،انت حقيقة.
ديما : خلاص، أنا مّليت، والله مليت.
سارة : بتعرفي ليش، لأنك في مجتمع ما يبغوكي إنت تختاري، إنت إيش عملتي عشان يسووا فيكي كدة ؟
بالقرب من الشاطئ، تحتضن (سارة) صديقتها (ديما) بحنان، وهي تبوح :
صوت ديما (من خارج الكادر) : هل أنا منهارةٌ لهذا الحدّ، تباً له من ذئب، فأخلاق الذئاب لا تتغير إلاّ إلى الأسوأ.
تعود إلى بيتها، تتركها (سارة) وحيدة أمام المنزل، عاصفة، رعد، وأمطار.
صوت ديما (من خارج الكادر) : كنت أستغرب الخوف أمام كائن واحد يختصر العالم بملامح وجهه المخيفة.
تدخل المنزل.
صوت ديما (من خارج الكادر) : أبواب المنازل المُغلقة تُخبّئ خلفها الكثير من الأسرار، والفضائح، فضائح لهذا المجتمع، فضائح لا حدّ لها،..
لقطةٌ كبيرة لقمر مكتمل.
في غرفتها.
صوت ديما (من خارج الكادر) : أمي، أنت أحد أسباب مجيئي إلى هذه الدنيا، فما الذي يمكن أن أفعله، هل أنتحر، لو أنني أعرف ما معنى الانتحار لانتهى عمري منذ زمن بعيد،..
أبّ يعتدي على ابنته في منزلها، ما الفرق بينه وبين مُغتصب الفتاة العراقية، يفرقهما اتساع الكرة الأرضية، ويجمع بينهما أخلاق الذئاب.
يصل الأب إلى المنزل، تتصنع الطفلة بأنها نائمة، يفتح باب غرفتها، يتقدم نحو سريرها، يُوجه فوهة مسدسه نحوها.
الكاميرا خارج الغرفة، إضاءة زرقاء خاطفة، تصاحبها الموسيقى، والآهات.
يخرج الأب من الغرفة، يتوجه نحو أريكة في غرفة المعيشة، ظلام نسبيّ لا يُمكن المتفرج من رؤية وجهه، يُوجه فوهة المسدس نحو رأسه.
ـ صوت ديما (من خارج الكادر) : لقد قتلوني، وأنا على قيد الحياة مع الأسف الشديد .
الطفلة مرةُ أخرى تكتب مذكراتها مبتسمةً، حالمةً، يقظة،.. بينما موسيقى بيانو تصحبها آهات، ولقطة أخرى لها تنظر إلى الكاميرا بتحدّ، والمونولوج مستمر،..
ـ صوت ديما (من خارج الكادر) : إن كنا سنفقد الأمان في منازلنا، فهل يمكننا أن نعثر عليه في أيّ مكان آخر ؟
لقطة أخيرة، (ديما) وسط غرفة المعيشة، تتمايل بجسدها الصغير على أنغام أغنية جميلة.
تنويه : من المفيد الانتباه إلى ملاحظة هامة كتبها المخرج في نهاية السيناريو المكتوب، وهي :
* الأسماء المُقترحة : طفلة السماء، طيور الجنة، أحلام صغيرة .
في التقرير اللاحق، سوف أكتب عن أوجه التقارب، والاختلاف ما بين الفيلم، والرواية.

* البطاقة الفنية، والتقنية كما ظهرت في العناوين الختامية للفيلم :
إنتاج : المجموعة السعودية للأفلام المُستقلة
إخراج، وإنتاج : علي الأمير
سيناريو : علي الأمير، محمد شلبي
تصوير : علي الأمير، عمار الأمير
صوت : حسن الأمير
الطفلة : سلمى نبيل ـ الصديقة : سارة محمد
مختارات موسيقية ل : ناتالي ميرشان، وآن دودلايّ

بين رواية الكاتبة السورية سمر يزبك وفيلم المخرج السعوديّ علي الأمير

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى