الثلاثاء ٢٥ نيسان (أبريل) ٢٠٠٦
رسائل لا يتحمّلها البريد
بقلم حياة الرايس

طقوس الرسائل القديمة

تلقيت رسالتك اليوم وقد وصلت متاخرة بيومين
وصلتني و انا ارتشف القهوة بتوتر و اتلكّأ في الخروج حتى يمرّ ساعي البريد و ينقر على زجاج النافذة التى أنتظره منها كل صباح .....

ما زلت ارفض أن تبعث لي رسائل عن طريق الفاكس او ابريد الالكتروني رغم طول الانتظار ، رسائل البريد استقبلها بطقوس خاصة لا اريدها ان تنقرض في عصر البرقيات و التلكسات و الفاكسات و الومضات ....

أريد ان استلم رسائلك و انا في غرفتي ...في فراشي ...بذلك الكسل في العينين ....و الخدر اللذيذ في جسدي ...كأنما على الفطرة الاولى و احب ان تفاجئني رسائلك صباحا و تباغتني في نومي و تقتحم احلامي....و اترك بابا للانتظار مواربا بين حين و حين سينقر عليه المطر محمّلا بالحنين ....

أريد ان أستلم رسالتك كما افتح نافذتي اوّل مااصحو ...لاستفتح بها نهاري و اتفاءل بها و احملها تعويذة لبداية يومي قبل ان البس ثوب النهار و قبل ان يبدا زيف النهار ...لاصبح إمراة اخرى ربما ليس لها علاقة بمسائل القلب و رسائل الغرام
اريد ان اتلقى رسالتك و انا ارتشف قهوة الصباح لتسري في جسدي كماتسري نسائم الصباح المعطرة برائحة القهوة و لتختلط برائحة انفاسك فاستنشق كلماتك و حركاتك و همساتك ....

بين قلق و توتر و إنتظار و يأس ....ينتشلني جرس درّاجة ساعى البريد الذى مازال هو ايضا محافظا على طقوسه ....

يرن الجرس ...يرن الفرح... يخفت الفرح ...ماذا لو انها رسالة اخرى ؟فاتورة الماء مثلا او فاتورة الكهرباء
يكذب ساعى البريد كلّ الدنيا ...يناولنى الرسالة بيده مع صباح الخير استلمها اشكره بذلك التواطئ الصامت الذى لا يعرفه الا سعاة البريد و الذي يفرقون بواسطته بين رسالت تاتي من بلاد الاحبة و بين رسالة تاتي من المصالح العامة مثلا ....
خطوات ساعى البريد ...نقره على النافذة ...رنين جرسه ...نظرته المتواطئه ...صباح الخير المتفائلة ...

كل ذلك الاحتفاء باستقبال الرسائل التى لا اريد ان يلفظها الفاكس كما يلفظ ايّ خبر عاجل او مباغت عن الندوات و الاجتماعات و التفاهات ....
احب ان استلم الرسالة و اعود بها الى غرفتى و اغلق بابها على نفسي فكانما أفك سرا من اسرار الكون ...احب تلك اللهفة و الرجفة و إرتعاش الاصابع و هي تحيط بالرسالة من كل اضلعها :من اين سافتحها ؟و اخيرا لا ينفع الا التمزيق لان لحظة الانتظار لحظة شرسة و نهمة تريد ان تلتهم اسرار الرسالة التهاما
أحب ان امسك بيدي الورقة التى كانت بيدك و اترك لعينى لذة ملامسة الاحرف التى اودعتها بصماتك و انفاسك و رائحتك ... و انت تعرف اننى اكره الرسائل المكتوبة بالحاسوب لا اريد ان تعوض الحروف الباردة المحايدة المصففة و المكرورة تعرجات خطك التي هي امتداد ليدك و جسدك و انفاسك ...

ثم في الآخر احب ان أطويها ـ رسالتك ـ و اضعها في حقيبة يدي و اخرج .... تعويذة أقاوم بها يوما غير آمن الشرور و المجهول .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى