الاثنين ١ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم غزالة الزهراء

طقوس الكتابة

عنوان سحري في منتهى الروعة والبهاء راقص تلافيف خياله فأنعشه انتعاشا أبديا، ومن ثم تناسلت أفكار أخرى تشع تألقا بحاجة ماسة إلى تهذيب، وتنقيح.
انكب على تدوينها من غير ترتيب مخافة أن تنفلت من قبضته ببلاهة صفرا دائريا، شاحبا يومئ بالخيبة، والتلاشي، والجفاف.
 
هذه هي طبيعته التي دأب عليها منذ أن أغرم بسحر الكتابة، وتوهجها.
يدون جملا فواحة متناثرة كرحيق الزهر، رائحة أفكاره كرائحة الورد في أكمامه وهو يلثم بحرقة وعشق لامتناهيين جبين النسيم الندي، الغض.

قالت زوجته بتهكم واضح: أنت دوما في صراع مستمر مع قلمك وأوراقك.

كلامها سم نفاذ في الأوردة، وطعنات خنجر تزهق الروح. 

قذفها بنظرات حادة ملؤها اللؤم والعتاب، رغب من صميمه لو ينهال عليها ضربا مبرحا لا رأفة فيه، أو يخنقها بهاتين اليدين الخشنتين عساه يشفي فيها غليله، لكنه خمن قليلا، وتراجع عما يدور بخلده، وطرد تلك الفكرة الشيطانية الماردة التي ناوشته، سينصب فكره فقط على تنسيق قصته، وترتيبها أحسن ترتيب. 

رنين الهاتف اللعين يتعالى كفحيح الأفاعي، يشوش أفكاره أيما تشويش، ويبدد طقوس الصمت المزدانة بالخيال، والجمال، صديقه «رشاد» دائم الاتصال به، كاتب مثله، ولكنه مختلف عنه تماما، يختار المقهى عن قناعة كمنطلق لأفكاره وتخيلاته. 

دس أوراقه وقلمه في غرفته، وخرج دون أن يعلق على كلامها بحرف.

المقهى تجمعهما برحابة صدر، أصوات متلاطمة تتفرقع هنا وهناك، أحاديث متبادلة، ضحكات مجلجلة، نكت مسلية، مثيرة، زوابع الدخان تتصاعد بكثرة حتى لكأنما تحجب الرؤية تماما، هؤلاء لا يقلعون عن امتصاص سجائرهم، بل تمادوا في نفث هذه السموم غير عابئين بما ينعكس عليهم من ضرر وهلاك.

بادره«رشاد» بسؤاله: أراك قلقا، مغتما، ماذا هناك؟

نطق كأنه يلفظ آخر أنفاسه: زوجتي.

زوجتك!؟ أحصل مكروه؟

لا، أبدا.

إذن ما بها؟

........

نحن صديقان حميمان، قل ما بها يا رجل؟

تنهد بصعوبة وقال: إنها تغيظني بألفاظها، و.........

أزوجتك تكون بهذه الدرجة من الأنانية، واللاعقلانية؟

ثم تابع يقول وهو يغوص في هالة كبيرة من الأمل: زوجتي تحترم ما أكتبه، وتقرأ لي، إنها بمثابة الحبيبة المخلصة التي تدفعني باستمرار على المضي قدما إلى الأمام، ولقد فكرت في أن أكتب عنها قصة جميلة بعنوان «عطر الأقحوان».

معك حق، أكتب عنها ما تشاء لأنها تستحق منك ذلك.

وهب واقفا من مقعده على أمل أن يتمم كتابة قصته التي هي في انتظاره. 
 


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى