الخميس ١٨ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم محمد محمد علي جنيدي

طموحي وجروحي

كان المكان قد ازدحم بالحضور وشهود النَّفي والإثبات – ولكنَّه – سمح لي بسرد قصَّتي وملابسات الحادث معي قائلاً: اروِ لنا قصَّتك فشعرتُ وكأنَّه أقرب إنسانٍ لي، ثمَّ حادثتُه قائلاً: كُنتُ وجاري أحمد صديقين مِنْ أسرتين فقيرتين تنتميان إلى محافظةٍ مِنْ قرية المنصورة - ولكن - هوَّة الاختلاف بيننا كانت كبيرة سواء في الفكر أو الطُّموح أو الحكم على الأشياء، ومع ذلك كُلِّه كانت صدقتنا قويَّة فيها الكثير مِنْ طرائف المرح والمغامرة وقصص الحُبِّ العذري.

قلت لصاحبي أحمد ذات يومٍ بعد عامٍ من التَّخرُّج: ألا تُبارِك لي صديقي، قال: علام؟!
فأخبرتُه بأنَّني سوف أتزوَّج من اثنتين في آنٍ واحد، ضحك أحمد قائلاً أو تستطيع ذلك وأنت لا تملك شيئاً مثلي؟! قلتُ مُلَخِّصاً له الأمر: (عروستي الأولى) تعمل مُدرِّسة ببلد عربي والثَّانية فهي تأشيرة لي بالعمل معها يا صديقي، فقاطعني مُتَفَلْسِفاً كعادته قائلاً: وأكيد (العروسة الثَّانية) هي الأهم عندك – على كلِّ حال – زواج المصلحة خصيم السَّعادة للأبد، فعاجلتُه بقولي: كُلُّ إنسانٍ يرى سعادته بطريقته، فقال أحمد مُبتسماً مُنهياً حديثه معي: السَّعادة يا صاحبي شعور يَمُنُّ به الله على أصحاب القلوب الرَّاضية.. وطالما نويتَ فالتَّجربة خير ناصح وخير حكم.

سافرتُ إلى البلد العربي مع (عروستي) ومَرَّت الأشهر وأنجبنا طفلاً وهبتُه كُلَّ عواطفي – بعد ذلك – تعرَّفتُ على مُدرِّسة من المُعارين الجُدد وقد كانت بحقٍّ صارخة الجمال، رمزاً للرَّشاقة والأنوثة، حاولتُ التَّقرُّب منها بكلِّ الطُّرق حتَّى أوقعتُها في حُبِّي، ومن هنا بدأتُ اختلاق المشاكل مع زوجتي إرضاءً لفاتنتي التَّي اشترطت التَّخلُّص مِمَّنْ معي تماماً فهي كما تَدِّعي (كالفريك لا تحب الشريك) وبالفعل طلَّقتُ أمَّ ابني وتزوجتُها والحقيقة أنَّني اكتشفتُ بعد أسبوع من زواجي منها بشدَّة غيرتها إلى حَدِّ إلقاء الأكواب

الزُّجاجِيَّة وتمزيق الملابس، وبكلِّ أسف لم أستطع تطليقها لأنَّها كانت تنتمي لأسرة ذات نفوذ.

هكذا استمرَّتْ تعاستي معها حتَّى وصلتْ لِقِمَّتِها بخبرٍ مفاده وفاة ابني حينما تركته مُطَلَّقتي مع أمِّها للزَّواج من آخر وبالطَّبع تَحَوَّلتْ حياتي بعدها إلى جحيم فقررتُ العودة إلى قريتي بصحبة زوجتي وابنتي الوحيدة – نسمة – وبمرور الوقت تندملُ الجراح، وتطوف الأعوام وأنا مُنْكَب على جمع المال من تجارة السِّماد والحُبوب، حتَّى ذاع صيتي وعلا نجمي - وللحقيقة - تَزَوَّجتُ سِرّاً زواجاً عرفياً مرَّتين، كما أنَّني رشَّحتُ نفسي لمنصب العمدة أيضاً - مرَّتين - حتَّى نلتُه فنصحني أحد الخبثاء بشراء أراضي صغار الفلاحين قائلاً: إذا أردتَ

أنْ يدوم حكمك فعليك أنْ يسود مُلكك، فاستطعتُ بهذه المقولة السَّيطرة على معظم الأنشطة التُّجارية بالقرية، وكما تاجرتُ في المشروع تاجرتُ في الممنوع - ولكنَّني - وبحكم اتِّساع تجارتي وتَمَلُّكِي لمعظم دور وأراضي القرية ولتوابع قراراتي وأحكامي بين النَّاس والَّتي لم تُرضهم عند كُلِّ أمر - لهذه الأسباب - تضاءلتْ مشاعر الرِّضا نحوي وفي المقابل تنامتْ مشاعر الغضب والسَّخط على شخصي حتَّى أصبحتُ أشعر بفقداني للحُرِّيَّة، فأنفقتُ أموالاً باهظة لحراستي وقمتُ بفرض العُزلةِ على نفسي - مخافة المتربِّصين - حتَّى وقعتْ الطَّامَّة الكبرى.

حدث ذلك عندما أقبلتْ ابنتي الجامعيَّة على الانتحار فانخلع لها قلبي, وعندما علمتُ بالسَّبب، ذهبتُ إلى مَنْ فعل فعلته بابنتي، ولكنَّه أخلف معي كُلَّ وعوده بالزَّواج منها، فتَوَجَّهتُ إلى أبيه، فنَهَرَني وتوعَّدَني، فما كان منِّي سوى أنْ أذهب إلى شقة (الوقاحة والفرفشة) - حيث يُعربد الوغد - وعندما فتح الباب لي أحد أصدقائه مُتَوَتِّراً وشعرتُ أنْ شيئاً مُريباً يحدث، انطلقتُ صوب الصَّوت بغرفة النَّوم، فرأيتُ ما رأيت وجُنَّ جُنوني وطافتْ بخواطري مشاهد ابنتي معه والَّتي لا أعرف ترتيبها ضمن ضحاياه، فأطلقتُ عليه النَّار حتَّى

أفرغتُ مُسدَّسي فيه تماماً، هذه هي قصَّتي وتلك جرائمي يا سيادة القاضي.
فقال القاضي: الحُكم بعد المداولة، فقلت له باكياً وقبل أن ينصرف من مقعده وقد أصابتني مشاعر الحسرة: أرجوك سيدي.. انزل بي أشدَّ العقوبة.

ثم عضدتُ أناملي وأنا أقول نادماً وبصوتٍ مسموع.. ليتني استفدتُ من تجاربي يا صاحبي.. فقد كانت كما قلتَ لي يوماً خير ناصح وخير حكم!.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى