السبت ٢٠ شباط (فبراير) ٢٠١٠
بقلم أمان أحمد السيد

ظل إله في مملكة الموت

دقّت الأرض بعصاها..السجادة تحتها تقوقعت، وظهرها ازداد انحناء.. وبما تبقى من صوتها انفلتت مزمجرة:

 أعرف أنك لم تعد ترغبني..إنك لا تقربني لأنني لم أعد أعجبك..
قامته ارتفعت أكثر،ورغم انحناءة خفيفة..وسامة ٌ فيها لا تخفى عن العيون..هي شامخة ٌ كفكرة لا يمكنُ لأيّ سواد أن يطمسها..
 خافي الله يا امرأة.. غدوتُ عجوزاً. .إنه العمرُ..
 لا ..لا..لقد تحولتَ عني إلى تلك المذيعةِ الملعونة ِالتي لا تفارقها..إنها من عمر أحفادك يا رجل!..

انثنى عنها.. ليست في نظره إلا امرأةً عجوزاً تخرّفُ.. في هذه الأيام تحوّل عن ضربها،ولطالما لانفعالاته كانتْ مذبّة، وبئراً فيها يسقط سخطه،وقهره من زمن ٍ جارعليه حين له قدّرأن تكون ..

كم بثوراته اصطلتْ، وليس لها حين يخرج ُمن البيت إلاّ جدرانٌ ومرايا ، وفنجانُ قهوةٍ ثان ٍتضيّفهُ لامرأة ٍوهميةٍ تشكو إليها، فرهبتُهُ قصّرتْ عنها زياراتِ الأحبةِ،حتى الجارات،ومن تلكمُ الموجودات ِ شكّلت عالمها الذي أسلاها عنه إلى حين عودته إلى البيت،فيتوقدَ معه ما كان!..

عادتْ في البلاط تفجّرانفعالها، والسجادة ُتنكمشُ أكثر، فأكثر.. الأرض لأجلها وحدها توسع ُصدرَها..
وإلى مذياعه،وكتبه،وما تبقى من ذاكرته تحّول"هو"عنها محاولاً تجاهلها..

ذاكرته مازالتْ تنبضُ،ومن التبعثر حفظتها قراءاتُه الكثيرة ُ، وفكرُه،وتواصله ُمع أقرانه من الأدباء، والعلماء،أمّا ذاكرتُها فحدودُها عندهُ تنتهي ..

يجالسُ أمامها المذياع َوكلّما احتضنه،ورفعَ من صوته تواترَغيظها..وهي إلى عصاها،وفي مقعد قبالته تستكين ُ..
رائحة ُفلِّ سكنت ْجسدها منذ دهور لا تغادرها..وشيخوخة ٌ مهترئة ٌعليها تستلقي،أما صوت ُالمذيعة الشابةُ فبإحساسها الخاصّ تميزه ..

تعودُ لتزمجرَ بين فينة، وأخرى:

 إنك تخطط ُللهرب معها..من أجلك ستتركُ زوجها،وأولادها ! ..

صوت ُالمذياع يلهث صعوداً،ويدُه على كتاب ٍبجانبه تقبضُ تارة،وأخرى تهدأ..

وادٍ سحيقٌ بينهما..هما القطبان المتنافران،والعالمان البعيدان،وبرغم أنف الطباع، والحياة تعايشا..

عالمُها كان أشدَّ ثراء،ولكنْ أيعترف ُحتى بينه وبين نفسه أنّ من البشر من لنا يغدون جسوراً،ومن خلالهم إلى الشمس نرتقي..هم ْيصطلون ونحن ندفأ ؟!...
 اسكتي يا امرأة..
وبكفيه يصفق، وهي بينهما الجارية ُ التي تـُؤمر وتـُنهى، وكحصان ٍسبق ٍتـُلبي! .

عاد فمها يزبد،ويفور كتنورعتيق.. فكرةٌ واحدة ٌهي المسيطرة عليها.. الأنثى المهجورة ُفي زمنها،وكيانها، وكلّ ُما قدمته ليس إلا واجباً،وفرضاً، وديناً مستحقاً لذكورة هي هبة سماوية لأمثالها..ألا يكفيها أنها تأكل وتشرب، وإلى رجل عظيم مثلِه تنتمي؟!..

الأفكار في نفسه تدوّم.. بينما هي ترغي،وتزبد، وتفجّر المركوم في داخلها من سنوات.. لكنّ شيئًا جديدًا لم تكن لتلحظه في تلك الأثناء.. يده التي كانت تصبّ انفعالاته عليها طوال حياتهما معًا التقطتْ لها عصاها التي انكفأتْ إلى جانبها، وبيده الأخرى على شعرها الأجعد المشاكس راح يربت ُ،وشفتاه تتمتمان بحنان:
 اهدئي يا امرأة .. اهدئي.. استكيني ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى