الأربعاء ٢٠ آب (أغسطس) ٢٠٠٨
بقلم أسامة عمي أسامة

عبرات على الفضيلة

أيتها اليابسة الدموع من مدامع أهلها، إني اناجيك نجوى ساخط متمرد، استفسرك عن جهدك العظيم في احتمال هذه الكثرة من الرذيلة، وتلك السعة من الجريمة، وهذا الكم من الخطيئةّ. استفهمك عن سر صمودك العجيب أمام هذه القسوة من الآثام، وذلك الشر من الأنام. أريدك يا أمي- الأولى - أن تسمعي سؤالي ولا داعي لجوابي. ألم تعيفي مما قدمت أيدي بنيك الطويلة ومما خلفته على أرضك الوسيعة؟ ألم تسخطي بعد على غالبيتهم الضليلة؟ ألم تستعطفيهم وأنت الأم المجابة سؤلها أن يستبدلوا ما في دخائل نفوسهم من ضغائن وأحقاد، حبا ووفاء، وأن يعوضوا شر أباطيلهم ونار موجدتهم عدلا ساميا وحسنا ساريا، وأن يكفوا عن اتيان مكامن الجهل والغبن وأن ينقبوا بدلا عنها في نفوسهم الأصلية الأصيلة عن مواضع المعرفة والفضيلة؟

أيتها الكبير الحنون إني أشكرك على هذا الحنان الذي وسع كل شيئ، فلولاه لسلطت علينا أدنى هزة تهزنا هزا فلا نكون بعدها فوق ترابك أبدا، ولفتحت كوة من بيتك المدور تمتصنا مصا لا عودة لنا بعده، أو تنطبقين علي وعلى أخواني فنكون بعد ذلك نسيا منسيا. ثم أني لاعزيك عظيم عزاء في مصيبتك في ابنائك. لقد فرقت بينهم في نفوسهم، فمنحت هذا قلبا يذكى صفاءا صافيا ويشع بريقا براقا من هول ما في جوفه من عظمة الخير وثقل الفضيلة، واعطيت الآخر-أخاه- فؤادا أقل صفاءا وبريقا. وتلك حكمة منك، فقد هيئت لهم فوق صلبك العتيق ظروفا تتفاوت فيما بينهم، فامتحنت ذو القلب الجميل امتحانا أشد عسرا من ذو الفؤاد الأقل جمالا. لكنني والله لمذهول مستغرب من قلوب ليس فيها أدنى درجة من الفضيلة ولا أقل حظ من الغنيمة، وما سر استغرابي ذاك إلا أنني لا أعلم عنك قلة العدل ولا صفة الظلم، فأنت لم تضعي مثقال ذرة من خردل من شر أو رذيلة في جوف أحدهم. إذن فمن أين لهم بالقسوة على النفوس والضعف في المبادئ والشر في الأخلاق،؟ تلكم الرذائل التي عهدناها فيهم حتى كدنا نظن أنها أساس الحياة الذي لا يستقيم أمر بدونها.

من يكون هذا الفتاك بالنفوس حتى يشربك رشفة مرة من كأس القهر المترعة فيرمي في قلوب افلاذ كبدك ما يخلط عليهم في عقولهم ويضيع لهم نفوسهم فيغلطهم في فهم حياتهم وما المنهج الصائب فيها وما الفرق بين فضيلة ورذيلة ونهبة وعطية وهجعة ووثبة ونقمة وغيرة وفرحة وترحة.؟

إلا ما اقبحه واقساه من عدو لك أيتها الأم الصابرة المحتملة!. وما شره من عقوق وشذوذ من ابناء وبنين.!

عجبا من ابناء يوالون ويهدون ولاءهم لعدو امهم طمعا في متاع محدود منتهي وخيانة لمنحة لا محدودة سارية، *فيسيدون العدو على قلوبهم الممنوحة صافية، ويسعدونه طوعا ودوما، ويقهرون امهم غيضا وحسرة عليهم. عجبا لهم، افلا يعلمون أن عدو مانحهم الذات هو عدو لهم، وان نفوسهم جزء لا يتجزأ من نفس واحدة تجمع الاخ بالاخ والخل بالخل والرفيق بالرفيق، ويل لهم، كيف يعلمون ذلك وهم لا يبغون الفهم ولا يحسنون سمعا ولا قولا؟

أنهم يا أما - عصفت بها شرور ابنائها وزعزعت اركانها غلوهم فيها- يتهافتون ويتناطحون على ارزاق بعضهم البعض، فيطمع احدهم ما في جيب قريبه أو قرينه أو ما في عقل قرينه أو جليسه أو ما في قلب خله وظله حتى ليود أن تزول نعمة الفلس من الجيب والرشاد من العقل والحب والحس من القلب ثم تنتقل اليه لينعم بها نعيما جميلا. وانه ليتكلف من اجل بلوغ ماربه ذاك شر المخاطر واقسى المكاره. ولو انه يعلم تمام العلم ويرى عين اليقين ما سأدونه في ذلك لربما كره نفسه أن تسلك طريقا وعرا صعبا كذاك.

فليعلم هذا ومثيله أن نفسي هي نفسه ونفسه هي نفس اخيه في الروح وكل البشر، فان يكن لاخيه فلس فان له بالمثل لا ينقص منه شيئ، وان لم يكن له شيئا فلا شيئ له هو أيضا، لان النفس من صنعت الفلس وليس العكس. فاذا، ما يكسب لو أن له شيئا ولأخيه لا شيئ؟

سيقول السفيه منهم، فانه على ما تقول يا داع الناس، ما علي لو انني بغضت اخي وكرهت أن يكون شيئ من نصيبه ولا شيئ من نصيبي، فذلك لن ينقصني شيئ بل انك تقول ما له هو لي. اذا فانه رغم بغضي له اشاركه في نفس الفلس.

أقول لهذا السفيه إنما هذا حديث لم اتمه بعد ولو اني اتممته لقلت أن شرط هذا التوازن الحب والاخلاص فيه وعدم البغض و الغلو فيه.

يا أيتها الأم الصبور.

ذلك القليل مما استحال في نفوسهم من مستقيم الامور إلى معوجها، ومن صلب الخير إلى الشر الرخو. لقد تشوهت النفوس فانقلبت جل الامور على عقبيها، وتبدلت المناهج وتعددت في سلك سبل المصالح الشخصية والاهداف الانانية، واستحالت قطرات الحب والصفاء والوفاء إلى رماح الدم ونترات السموم الزعاف. كسرت سيوف الرذيلة غمد السلام واخترقت حجب الفضيلة فطعنتها في الصميم. وحتى الحين لا تزال تلك الفضيلة مطعونة تترنح بيننا فتلوذ بافئدة القليل منا واولئك القليل في تناقص وندرة مطردة. وهي تنتظر يا اخوانا في الروح بلسما نصنعه من قلوب لا تزال اصلية صافية فنعالجها به - يا اخوانا في الروح - لعلها تغفر لنا زلتنا في حقها.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى