الجمعة ٢١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم صالحة رحوتي

عذرا رسول الله

ويكثر اللغط آتيا من كل الأصقاع من المسلمين المرة تلو المرة حين يهان سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وما تلبث تلك الأصوات أن تلين حتى تغفو وتستكين، ويُتفرغ لصياح من نوع آخر ما يتخلي عنه حتى حين ذاك اللغط...سباب وشتم وتقريع للغير...وتناوش بين الأشقاء في الدين وفي الأرومة أو حتى تناحر وتصارع واقتتال...

مسلسل إهانات لديننا من الغرب، حلقات متواترة وتوهن منا القوى، ونحن الواهنون الضعفاء أصلا ما فعلنا سوى أن اصطرخنا منددين شاجبين حتى بحت منا الحناجر المرات الأُوَل، ثم ما عادت حتى الأصوات ترغب في الارتفاع كما السابق الآن، إذ هي شذرات همهمة ومرشحة للخفوت مع مرور الوقت وتطبيع الإهانة بتناسل الحلقات...

ويبدو أنهم درسونا وفهموا خبايانا واستبطنوا دواخلنا كما العادة، و فهموا أن حتى تلكم الأصوات ما هي إلا المزيفة النبرات، ولا تعكس حبا للمُهان ولا غضبة له، بل هي المزيفة المشحونة بالنفاق، أو حتى في أحسن الحالات بالازدواجية وبسوء الفهم وبالضبابية حد النخاع.

أدركوا حقيقة إيماننا بدين الحق فتطاولوا مستهترين بذلك الضجيج وتلك الجعجعة المنبثقَيْن عنا، تمادوا وأصروا...فتنادينا متصايحين، رمنا التصدي للتمادي منهم...و كذا أوجدنا لهم المهزلة والمسخرة يتلهون بها كلما بدا لهم الجو كئيب، وأرادوا النحو إلى التفكه والترويح عن النفس...

هي الحقيقة ساطعة ـ كما فهموا ـ أن العواطف كاذبة في الأغلب الساحق تلك التي تُطلق منا الحناجر غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، و لذا فهي المنتجة لنقع كاذب عرفوا كنهه، فما يفتأ أن يندثر وصدى المهانة ما زال لم يَنقَضِِ بعد ولم تختف آثاره.

يجاهرون بازدراء الرسول الأكرم متجاهلين رد الفعل السخيفة منا، و ما يفعلون إلا وهم المستيقنون بأنهم ما ينتقصون إلا من قدر رجل يستحق الازدراء ـ وحاشاه ـ لأنه في نظرهم ذاك الذي بعث إلى بدو همج فما غَيَّر من حالهم شيئا، كانوا كذلك في سابق عهدهم وما يزالون، تخلف وتفاهة وسوء في الحال وفي المآل...

وأعتقد أنه لا بد من التوقف عند هذه النقطة بالذات والتفكر حولها، إذ أو كنا نحن سنحترم هذا النبي الخاتم صلوات الله وسلامه عليه لو كنا غير المسلمين، وكنا نرى وحتى نعايش ما ينبثق من المسلمين من سلوكيات وما يرتكبونه من مهاترات وانحرافات؟؟؟

تمطرهم وسائل الإعلام بصور التردي منا بادية، وبالكلمات عنا مجلجلة معبرة عن كل مشين من الأفعال والأقوال...

فهل هنالك ما يدفعهم إلى احترامنا ويدعوهم إلى نبذ احتقارنا، وكذا كل الرموز الدالة علينا والمتعلقة بنا؟

يعاينون أحوالنا في بلداننا حين زيارتها، ويطلعون على أحوال من استوطن بلادهم من بني جلدتنا، فما يرون إلا قمة البعد عن الحضارة وعن أبعادها،
فما من تصرفات تُرضي وما من مظاهر عيش تقر بها العين.

حتى النظافة التي هي أكثر ما حث عليها النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم سواء في الجسد أو في اللباس أو في البيوت أو في الطرقات ـ إذ جعل إماطة الأذى صدقة ومن شعب الإيمان ـ ما لنا من حظ فيها، إذ نكتفي في هذا المجال بإبداء الإعجاب حين نرى فضاءاتهم النظيفة ومدنهم الجميلة الرائعة.

وفي موسم الحج ذلك المؤتمر الإسلامي الذي يجتمع فيه فلول المسلمين من كل فج عميق، تتبدى الحاجة مدقعة إلى مجرد استيعاب مفهوم النظافة بله تجاوز ذلك إلى تطبيق مبادئها.

هو الجهل عميق بالوشائج تربط بين الوضوء والغسل ونظافة الثوب وطهارة المكان في الصلاة، و بين نظافة البيئة وإلزامية الاحتفاظ بالقمامة ورميها في الأماكن المخصصة لها، فحتى في أطهر البقاع مساحات المسجد الحرام وتلك للمسجد النبوي تُرى أكوام الزبالة وفضلات الطعام ملقاة متناثرة هنا وهناك.

ولقد فكرت مليا وعميقا مرات وأنا في منى، وتحيط بي تلال القاذورات والزخم من الروائح الكريهة حول شعور المعتنقين حديثا للإسلام من الأوروبيين الذين يأتون لأداء فريضة الحج، و تساءلت إن كان لا يعتورهم الإحساس بأنهم أساؤوا الاختيار للدين المتبع حين حشروا أنفسهم بين أولائك القوم البدائيين المتسخين المتخلفين.

إذ لا بد لهم من معرفة عميقة للفرق بين الإسلام كدين ومنهج حياة وبين من يسمون أنفسهم المسلمين حتى يَثْبُتوا، و حتى لا يدعوهم ما يرونه في "أتباع" محمد صلى الله عليه وسلم من ترد وانحطاط إلى إعادة النظر حول توجههم الديني والعقدي الجديد.

فلقد ابتعدنا في كل الميادين عن المحجة البيضاء رسمهما لنا الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم، ذاك الذي هو أكرم من أن نتصدى نحن الحثالة المنحرفون عن الصراط المستقيم للدفاع الغوغائي عنه.

فلقد نصره الله وأيده، و اعلتى به محبوه وناصروه حقيقة آنذاك في زمن سابق، وارتقوا بإتباعه في سماء الرفعة، فما كان يستطيع أحد ممن عاصروهم من سائر الأمم أن يدوسوا لهم كرامة ولا أن يطأطئوا لهم جباها.

لكن ونحن... أو نصرناه؟ وهل كرمناه ومجدناه ؟

أم هي الجعجعة حول حب له ولا دليل ولا برهان؟

احتقرناه وتعالينا على الإقتداء به، نبذنا ما جاءنا به من مكارم الأخلاق ومن نبل المعاملات، ورمنا الاعتداد بأنفسنا وبأهواءنا فهوينا في قعر التردي آسن سحيق...

ثم ونتجرأ ونواجه الغرب لنحدثهم عن مناقبه صلى الله عليه وسلم، وعن صفاته وعن سمو شخصه ونحن المندحرون أخلاقا والغارقون في أتون الضياع وحمأة التيه وغور الضلال...

تقاتل وتصارع وتخلف وعهر وفساد...و انحرافات شتى اشتسرت منها النيران فأتت على الأخضر واليابس حوالينا، ونتبجح بأننا ننتسب إلى الملة التي بشر بشرائعها ذلك الرحمة للعالمين صلى الله عليه وسلم، أ فلا نُثبت حين نفعل هذا بأنه المستحق ـ حاشاه ـ للاحتقار وللامتهان؟؟؟

إذ المُتِّبع على شاكلة المُتبَع منطقا، والمُقتدِي على هيئة المُقتدَى به عقلا...

ولذا فحين السب والشتم والتحقير لنا ولنبينا مم الشكوى؟و لماذا الضجة؟
أما لنا أبعاد الحثالة ونوحي بتدني ووضاعة المرسل إلينا حاشاه؟

وأما علينا وسم الإمعات، ونبدي عدم نجاعة وحتى تفاهة ما لدينا من شرائع جاءت بها رسالة سيد الأنبياء؟؟؟

ثم والغربيون رأوا للهيمنة لهم وللسمو طالهم أنهم من يملكون أن يُسطروا بنود قوانين التعامل بيننا وبينهم، يرون أنفسهم المتحضرين ولهم أن يستخفوا بالمتخلفين الماجنين المتهتكين المتردين كمثلنا، من لا يعرفون لهم وجهة ولا رسم هوية ينتحلونها تعينهم على النأي بأنفسهم من الذوبان أذلاء تابعين منذلقين...

هم الأحرار ـ كما قرروا ـ في أن يفعلوا ويقولوا ما يريدون، لهم الغلبة استحقوها بالاعتداد بهويتهم وبالعمل الدؤوب من أجل الرقي بمجتمعاتهم، و بالتالي لهم الحق في أن يملوا ويأمروا ويتصرفوا كيفما يشاءون، وعلينا أن نسمع وأن نطيع ونستكين.

إذ وهم سادة العالم المستكبرون أو هنالك من يملك أن يمنعهم؟؟؟؟

ثم أو صدقنا أن هنالك من إنسانية ومن أممية ومن توجهات إيديولوجية شتى يمكن أن تقف بينهم وبين الاستعلاء علينا ومن احتقارنا؟

وأو طمعنا في تفعيل تطبيق شرائع دولية يمكن أن يُحتكم إليها وتنصفنا حين يساء من طرفهم إلينا ؟؟؟

سذج نحن وبسطاء الفكر، إذ هي شريعة الغاب ما يطبقه الغالب تجاه المخالف في الفكر والعقيدة المغلوب...

فلا بد من الإقرار إذا بأننا نحن الذين تسببنا في الإساءة إلى رسول الله حين وضعنا أنفسنا في مؤخرة الركب تائهين، أسأنا إليه أكثر منهم، إذ جعلنا منه من يستحق اللمز واللهمز في ذاته وفي سيرته، فما هو بالنسبة للمسيئين إلا رسول من يستحقون الإساءة للدرجة السفلى وضعوا أنفسهم فيها بين الأمم.
ثم لا بد لنا أن نعلم ونستيقن من أن الخطابة حول مناقبه صلى الله عليه وسلم ومزايا الدين الذي بشر به أوان الغضب ـ بفعل صفعات الإساءة تُتلقى ـ لا تجعلنا نبدو إلا كالببغوات ننطق بما لا نفهم، إذ السؤال المنطقي الذي لا بد ويطرحه تبعا لذلك الغربيون هو لماذا لا نتناول من ذلك الترياق الشافي الذي وُرِّثناه ولو جرعات بسيطة تنئينا حتى عن قمة التخلف وأوج الهوان.
نحدثهم عن كون الرسول هو الرحمة للعالمين، ثم ولا نُرى نرحم حتى إخواننا في الدين ونقتلهم من أجل اختلاف في الفكر وفي المذهب، و نكلمهم حول التسامح ونرجم بعضنا بعضا بسبب الحدود الجغرافية واختلاف الرأي إن بالكلام الجارح أو حتى بالسلاح.

فكيف نُصدَّق؟ وكيف لهم أن يقتنعوا أنه الرحمة صلى الله عليه وسلم؟
فبالنسبة إليهم ونحن المدعين للانتساب إلى دين بشر به لا يمكن له ـ حاشاه ـ أن يكون إلا سفاك دماء أو مؤجج فتن...

فالأولى إذا من ممارسة الصياح كل مرة أن نعود إلى الجادة، وأن نكف عن الإعراض عن الإقتداء بسيد الخلق وعن إتباع منهجه، وأن نستقرئ أسباب التخلف في واقعنا، وأن نصوب مسارنا وفق منهج الحق بالسير على ما كان عليه ذلك الذي نغضب حين الإساءة إليه، و أن نتصالح مع هديه صلى الله عليه وسلم.

فمهما فعلنا بصدق ستتحسن أحوالنا، وحتى ولو حاول بعض الغرب حينذاك الإساءة إلينا بفعل التدافع العقدي، فلن نعدم منهم من يعترف لنا بعدم استحقاق المهانة، إذ العقل والمنطق لا بد وسيسمان الآراء منهم، و سيدفعان بهم إلى إصدار الحكم النزيه علينا وعلى رسولنا الأكرم، إذ لا يمكن لخير أمة أخرجت للناس إلا أن تثير الانتباه، وتستدعي الإعجاب، بل وحتى تُرغِّب في الإقتداء والإتباع، وذلك كما كان الأمر آنذاك حين وقر حب الرسول بحق في نفوس المسلمين، ثم وتُرجم من طرفهم إلى أعمال وأفعال رفعتهم عاليا، و تبوأوا بها المكانة المميزة بين الأمم.


مشاركة منتدى

  • في البداية،أريد أن أشكر جزيل الشكر لكل من ساهم في إنجاح هذا الموقع الهادف إلى نشر العلم و المعرفة في صفوف المغاربة.
    أما بعد،فقد اطلعت على هذا الموقع صدفة إذ أثارني عنوانه "و ما زال قلم صالحة يكتب" إضافة إلى بحوثاتي الامنتهية في المواقع الأدبية على الأنترنيت و المنبثقة من عشقي للكتابة .
    فخلال تفحصي لمحتوى هذا الموقع أعجبت كثيرا بكتابات الطبيبة الأديبة صالحة الرحوتي رحمها الله و الشيء الذي دفعني إلى قراءة سيرتها الذاتية إذ ازداد إعجابي بهذه الكاتبة القديرة رغم أنني لم أتعرف عليها من قبل، ولذلك أدعو الله جل جلاله أن يسكنها فسيح جناته.
    أما بالنسبة للمقال"عذرا يا رسول الله" فقد صدقت المرحومة صالحة حينما بينت أن المسلم الحقيقي هو من يتخد الرسول صلى الله عليه وسلم مثلا أعلى في حياته،وذلك بالإلتزام بتصرفاته عليه الصلاة والسلام وبالضوابط الأخلاقية التي تنظم و توجه سلوك الفرد في علاقته بنفسه و بربه و بغيره من بني جنسه و محيطه و بيئته.
    كما برزت رحمها الله أثناء كتابتها أن السبب الرئيسي في انبعاث الإهانات من الغرب في حق رسولنا الكريم و فهمهم الخاطئ للدين الإسلامي هو خلو المبادئ و الصفات الحميدة التي يتحلى بها سيد البشر في الأمم العربية و الإسلامية عامة و في السلوكات الفردية خاصة.
    فبدل أن نقدم صورة حسنة حول ديننا الحنيف لهؤلاء ،تبدأ الأفراد و المجتمعات في سب و شتم بعضهم البعض و في إقامة حروب دولية بعيدة كل البعد عن الموعظة الحسنة و التسامح و العفو و التعاون الذي تميز به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم . فكيف للغرب أن يؤمنوا بالرسول ونحن لا نقتدي به كل الإقتداء؟!
    .. 

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى