الأربعاء ٢٥ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٦
بقلم ناصر الحجيلان

عرسان اليوم في شهر العسل

من الأمور اللافتة التي يمكن أن يراها من يزور المدن السياحية في بلادنا هذه الأيام كثرة الشباب الذين يقضون شهر العسل هناك؛ فتجدهم في الأسواق وفي المنتزهات وفي أماكن الترفيه والألعاب. ومن السهولة تمييزهم عن بقية الناس حتى لا تكاد تخطئهم العين لأنهم يحرصون على السير إلى جوار زوجاتهم بشكل متلاصق وتراهم باستمرار يمسكون بأيدي بعض. كما يلاحظ أن كل شخص منهما يحاول إبراز مواهبه وقدراته للطرف الآخر سواء في التنكيت بصوت عال يسمعه من يكون في المنطقة التي يسيرون فيها أو الضحك لأي كلمة يقولها الشريك لإضفاء جو من اللطافة والرشاقة على الجلسة. ولأن هؤلاء العرسان كريمون وأسخياء فإنهم يرفعون أصواتهم لكي يشاركهم بقية الناس «الفلّة» و«الفرفشة» لاعتقاد هؤلاء العرسان الشباب أنهم يعيشون قمة التألق في حين يعيش غيرهم حياة مسحوقة بائسة.

ولو كنت في مقهى عام أو في جلسة صغيرة في سوق فليس مستبعدًا أن ترى عريسين يجلسان لاحتساء قهوة «ماكياتو»، أو ترى الزوج الأنيق يرتشف قهوة الشوكلاتة «موكا» ووجهه مشمئز بسبب عدم مناسبة القهوة لمزاجه؛ لكنه مضطر أن يطلب هذا الصنف من القهوة لكي يظهر أمام عروسته بأنه «موديرن» أو «فلتة» أو واحد «أتيكيت» يشبه ما تراه في الأفلام الرومانسية الغربية وكأنه يتلبّس شخصية «براد بت» أو «ماكاناهي» أو «جورج كولوني». ولكن السيد العريس يبدأ بتصرّفات توحي بالتناقض مع الرومانسية المرتبطة بالقهوة ذات المذاق الغربي؛ فتراه يحرك يديه بعنف ويلوي شفتيه مع أحاديثه حتى لا تكاد تتلاحق أنفاسه ويبدو أنه يتكلم عن مضارباته في الحارة أو طرق التفحيط التي يتقنها أو مشاغباته في المدرسة أو غير ذلك من
«السِبَاحين» والخرافات التي غالبًا ما يختلقها ويضفي عليها صورة بطولية خارقة لشخصيته العظيمة.

وأكاد أجزم بأن العريس يريد أن يظهر لزوجته أنه ليس مجرد رجل ذكي فحسب، بل لابد أن يثبت أنه يملك صفتين متناقضتين في الوقت نفسه: فهو وديع وأنيق وحنون حينما يتعلق الأمر بطلب نوع معين من القهوة والإمساك بيد حبيبته؛ ولكنه كذلك وحش كاسر لا يقف أحد في طريقه حينما يتعلق الأمر بالأفعال التي تبدأ من طريقة شفط كوب القهوة كاملا بنفَسين متتابعين وكأنه يستخدم ماصورة للشفط؛ مرورًا بطريقة الكلام التي يتناثر فيها رذاذ ريقه بمسافة تصل إلى جيرانه في الطاولة المقابلة؛ وانتهاء بنظرات عينيه الراكضتين في مختلف الأنحاء، حيث يرميهما في كل صوب ليس عبثًا ولا تسلية كما يتخيل من لا يعرفه؛ بل ليحمي المنطقة التي تتواجد فيها عروسه من جهة، ولكي يعرف عمليًا مدى جمال زوجته بمقارنتها بغيرها من الفتيات، من جهة أخرى!

أمّا الزوجة التي بلغت بها الفرفشة مبلغها مع هذا العريس، فهي ربما تتخيل نفسها بالفعل وكأنها «جينيفر آنستن» أو «أنجلي جولي» جالسة بجوار السيد «براد بت». ولهذا فهي تشعر بالنشوة والفرح، وليس مستغربًا أن تسمعها ترفع صوتها بصرخة إنجليزية من مثل «واو» أو «أو-ياه» في ردّات فعلها على كلام زوجها عن المضاربات أو حينما تصغي إلى صوت قهوة الموكا وهي «تدحدر» مع حنجرة زوجها.
ويبدو أن العروس هي الأخرى تريد أن تستعرض عضلاتها اللغوية والصوتية لكونها لا تملك خبرات «هواش» أو«مرافس» أو«تفحيط» كما هو الحال عند زوجها الذي يمتلك هذه المهارات بكل جدارة. ومن هنا فإنها تعتقد أن صوتها وحده يملك تلك المقوّمات الجمالية التي تستطيع جذب الآخرين إليها، ومن أهم هؤلاء زوجها العزيز الذي تغرقه بالهمهمات والضحك المتقطع. علاوة على أن العروس لا يمكن أن تتخلى عن مساعدة زوجها في الجلسة التي يرسل فيها عينيه لاستطلاع المنطقة كلها والتركيز على النساء الذاهبات والآيبات؛ بل تتولى هي كذلك مهمّة أشق من مهمة زوجها وذلك بحراسة الزوج من الرجال بإطلاق النظرات عليهم وتفحّص أجسادهم وتأملهم وكأنهم مخلوقات فضائية تراها لأوّل مرة في حياتها.

وهذان الزوجان الأنيقان يسهمان في خلق جو من التسلية والمرح لمن يرميه حظه أن يكون في المقهى أو يجلس في طاولة قريبة منهما. ومن هنا فإنه من المنطقي استقطاب هذا النوع من العرسان صغار السن ليكونوا ضمن برنامج الترفيه السياحي بوصفهم أهم عنصر يمكنه أن يجلب المتعة للناس المتجهّمين في حياتهم، كما يسهم في تغيير نمط تفكير بعض الناس الجادّين في الحياة أكثر من اللازم. وهذا لا يمنع كذلك أن يفيد منهم المجتمع فيراقب الأبناء الأذكياء ممن يملكون مهارة فائقة في احتراف الاحترام والنظام، لأنهم من نتاج هذين الأبوين الأنيقين للغاية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى