الجمعة ٥ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

(عزيزي فرانكي) حين يتعلق المرء بالوهم

أب دائم الغياب... ولقاء منتظر هو جل ما يحلم به الطفل الأصم فرانكي (جاك ماكيلهون) ابن التسعة أعوام، بطل الفيلم البريطاني "عزيزي فرانكي" انتاج 2004، ليس هناك أي ملامح في ذاكرة فرانكي لأبيه، فقد غادره وهو صغير جدا ولا توجد أي صورة تذكر به، رغم هذا ثمة علاقة عميقة، ولطيفة تجمعه بوالده نشأت من خلال الرسائل التي يبعثها إليه من مختلف الأماكن التي يذهب إليها، بحكم عمله على متن السفينة.

في الواقع والد فرانكي لا يعمل على متن السفينة، وليس هو بالرجل اللطيف الذي من الممكن أن ينشئ علاقة حميمة مع ابنه ولا زوجته، إنما بسبب عنفه أصبح فرانكلين أصم، ودفع ب ليزي (ايملي مورتيمر) وابنها فرانكلين إلى الاختفاء فجأة من حياة الزوج، ولكي لا تَصدُم فرانكي عندما يكبر، راحت الأم ترسم صورة وديعة للأب الغائب، وخلق عالم وهمي عن أب دائم الترحال بحكم عمله على متن سفينة، راحت تكتب لفرانكي الرسائل على أنها من أبيه، وتتلقى الردود التي يرسلها فرانكي إليه.

عودة الأب الغائب

الرسائل التي يبعثها فرانكي إلى والده وحدها القادرة على إخراج فرانكي من صمته، ومن خلالها تتواصل والدته مع عالمه الداخلي، واهتمامته، وهواجسه، فماذا يمكن أن تفعل ليزي الآن وهي تقرأ في إحدى هذه الرسائل، إن فرانكي علم من الجريدة بعودة السفينة التي من المفترض أن والده يعمل على متنها إلى أرض الوطن؟

هذا ما لم يكن في الحسبان وتكاد ليزي أن تنهار، هل تكشف له الحقيقة أم تستمر في لعبة الوهم؟

تتفق ليزي مع رجل مجهول مقابل نقود، كي يلعب دور الأب العائد ليوم واحد فقط انقاذا للموقف، وتطلعه على مجموعة الرسائل كي يتعرف أكثر إلى فرانكي، وليتمكن من مقاربة صورة الأب المرسومة، بعد ذلك قدمته لفرانكي على أنه أبوه، رغم جمود اللقاء بينهما إلى أن ذلك الرجل تمكن خلال ساعات ذلك اليوم المحدودة أن يبني علاقة لطيفة مع فرانكي، دفعته إلى طلب يوم إضافي يمضيه معه، وقبل أن يغادر العائلة أعاد اجره إلى ليزي حيث شعر بأنه جزء من العائلة.

في هذه الاثناء علمت ليزي أن والد فرانكي الحقيقي يحتضر، وطالبها برؤية ابنه قبل أن يموت، فترفض ليزي بشدة، فهي لا تستطيع أن تهدم الصورة الوردية التي رسمتها في مخيلة ولدها عنه، وليس الآن بعد أن قابل ذلك الرجل المجهول وتعلق به.

في المشاهد الأخيرة من الفيلم نتبين أن ليزي أعلمت فرانكي بالحقيقة بعد موت والده الحقيقي، لكن فرانكي يستمر بارسال الرسائل لذلك الرجل المجهول، يخبره أنه أصبح يعلم الحقيقة، وأنه سوف يكون سعيدا لو التقاه مرة آخرى لكن هذه المرة كصديق.

"عزيزي فرانكي" هو الفيلم الروائي الطويل الأول لمخرجته البريطانية (شونا اوربتش)، ويحسب لها العناية بالتفاصيل واهتمامها بتأسيس علاقة الطفل بوالده الغائب من خلال عدد من المشاهد والمفردات، كخارطة العالم التي يعلقها فرانكي على مساحة الحائط ويغرز به علامات تمثل سير سفينة والده حول العالم، كذلك اهتمامه بكل ما يخص عالم الأحياء البحرية؛ كالأسماك، وفرس البحر، كذلك السفن، وكتب عالم البحار، وكل ما يمكن ان يمت إلى والده الغائب والمنتظر بصلة، ومن المشاهد الجميلة تلك التي يتحسس فيها على امتداد درج المنزل صعودا ونزولا، زنار البلاط الذي يحمل أشكال البحر والسفن مع اضاءة جميلة تنقل المشاهد إلى أحلام وعالم فرانكي.

إلا أن من الأشياء التي تعد نقطة ضعف في الفيلم، كيفية تطور الحدث وصولا إلى الحل، فتصل العقدة الذروة في اللحظة التي يعلم فيها فرانكي أن السفينة التي من المفترض أنها تقل والده قادمة، الذروة التي تكاد ليزي أن تنهار أمامها لأن أن كشفت الحقيقة لابنها وأن ازالت الوهم ستسبب مشكلة كبيرة وألم عميق وصدمة بالغة لفرانكي، مما جعلها تستأجر رجلا يلعب دور الوالد، بالإضافة لمجموعة التفاصيل والمشاهد التي ذكرنها سابقا التي تظهر مدى تعلق فرانكي بفكرة الأب، وبقدر هذا التعلق ستكون الصدمة، لذا من غير المنطقي أن يأتي الحل في نهاية الفيلم أن تبلغه بالحقيقة دون أن يكون هناك مبرر قوي وإلا لمَ لم تكشفها من البداية ولم تجهد نفسها في صنع ما صنعت، وتأتي ردة فعل الطفل فرانكو الطبيعية والمتفهمة ازاء ذلك، غير مفهومة أو مبررة، كأن شيئا لم يحدث.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى