الأربعاء ٢٠ كانون الثاني (يناير) ٢٠١٠
بقلم حسن أحمد عمر

عصا موسى وعصا فرعون

استخدام القوة والعنف سواء بالتصريح أو التلميح للحصول على ما نريد هي ثقافة اجتماعية غاية في السوء والاندحار الأخلاقي، وهي موروثة من جيل لجيل، نتمنى التخلص منها لتسود ثقافة المحبة، والتسامح ويحصل كل إنسان على حقه الطبيعي بأدب وشرعية وكرامة.

كثيرون من يفضلون العنف منهجأ، والتخويف مسلكأ لقهر الآخر وفرض رأيهم عليه قوة واقتداراً، ومن أسف أن نجد الموروثات الاجتماعية تؤيد هذا المبدأ المرفوض وتؤكد عليه، فكلما غدوت وعدت قابلتك ثقافة لها العجب تعتمد القوة منهجأ، والتخويف مسلكأ للوصول لما يريدونه، وتحقيق ما يحلمون به، فانظر معى لتلك الأمثلة وتفكر معى فى نشأتها وكيف انتشرت فى مجتمعاتنا وتشربها الناس تشرب الظمآن للماء:

1- ناس تخاف ما تختشيش:

لا يمكن لأحدنا أن ينكر أنه يسمع هذا المثل يومياً عدة مرات فى عدة أماكن، ومفاده أن الناس الذين يتعامل معهم لن يحترموه ولن يؤدوا طلباته، ويحققوا أهدافه إلا إذا خافوا منه بأى وسيلة من وسائل الخوف، كأن يوحى لهم بأنه يملك اقارب ذوى سلطان كبير فى البلد، وبيدهم أن ينفعوا ويضروا فيخشى منه الطرف المقابل، ويخضع لما يريد، أو يخيفه بأنه يستطيع أن يضربه فى مكان ما أو يدفع لمجموعة متشردين للإقتصاص منه إذا لم يحقق المطلوب منه، أو يوحى له أنه تربطه علاقة قرابة أو صداقة مع شخص مؤثر يمكن أن يفصله من عمله، أو يدخله فى سين وجيم لا ينتهى منها، والغريب أن الإنسان الذى يستعمل هذا المنهج يؤمن به جيدأ وهو فى قرارة نفسه متأكد أنه لو لم يستخدم أسلوب فرد العضلات أو قرص الأذن، أو تخويف الطرف الآخر بأى أسلوب يروق له فلن يحصل على مراده من خدمات أو علاوات أو ترقيات أو حتى أشياءاً ليست من حقه، وبعد ذلك يردد هذه الحكاية فى كل مكان ويتبعها بما آمن به (ناس تخاف ما تختشيش).

2- بين له العين الحمرة :

يأتى شخص ما من مكان معين يحكى لصديقه أو زميله قصة معينة مع شخص آخر ويرى أنه كان مظلوماً فيها فيرد عليه صاحبه أو أخوه أو زميله قائلأ (بينت له العين الحمرة ؟) يعنى كشرت عن أنيابك وأنت تتكلم معه؟ أم كلمته بأدب؟ فإذا اتضح أنه كلم المذكور بأدب صاح فيه ناصحه : روح بين له العين الحمرة وعرفه مقامه وهو يخاف منك ويعمل لك ألف حساب وتحصل على مرادك وبدون العين الحمراء ستنداس تحت الأقدام، أنت لا تدرى كيف يفكر هؤلاء دول ناس مايجوش بالأدب والذوق دول ييجوا بالعين الحمرة.

3- عصاية موسى وعصاية فرعون :

وهى سياسة العصا والجزرة وتستخدمها الدول ضد بعضها وكبار السياسيين فى المؤتمرات والمؤامرات، والأنكى أن يستخدمها الناس العاديون فى الشوارع وفى الشركات وفى أماكن العمل فيستخدمون حيلة ذكية بها حوافز وتشويق (الجزرة أو عصا موسى كما يدعون) فيقدمون رشوة مالية أو دعوة على سهرة مية مية، فإذا لم تفلح هذه الطريقة كان البديل هو الإرهاب والتخويف بقطع لقمة العيش أو خطف الأبناء أو الضرب بيد بعض المأجورين أو حتى الإغتيال إذا لزم الأمر وهذا ما يطلقون عليه(عصا فرعون) لما تميز به فرعون من كفر وجبروت وبشاعة وإجرام لم يشهد لهما التاريخ مثالأ.

ومما لا شك فيه أن هناك اشخاص يطبقون العدل فى حياتهم فلا يهتمون بالرشوة ولا يوافقون على السهرة، ولا يخشون التهديد، ولا يعملون حساباً للوعيد حتى لو فقدوا مناصبهم أو حياتهم، يموتون فى سبيل كرامتهم والدفاع عن مبدأهم غيرا عابئين بأى تهديدات او إغراءات.

4- دبحت لها القطة ليلة الدخلة؟؟:

حتى العروس المسكينة ليلة زفافها، تواجه بهذا التخلف فى معظم البيئات العادية حيث يكون لدى زوجها فكرة مسبقة أنه يجب أن يذبح لها القطة ليلة الدخلة حتى تعرف أنه (قاسى ومش سهل) و(واد فتك ودموى) فلا تمتطيه ولاتركبه حمارأ وتدلدل ساقيها على ظهره قائلة (حاه يا حمار) فيمسك لها ليلة الدخلة على أتفه شىء لكى يضربها علقة ساخنة فتعرف أنه الفتى الهمام والفارس المقدام، فتعيش خائفة منه خاضعة له طول العمر، وينجح البعض فى إرهاب المرأة بهذه الطريقة فترة زمنية معينة ولكن فى أغلب الأحيان تنتهى حياتهم الزوجية إما بطلاق، وإما بتقطيعه فى أكياس بلاستيك وتوزيعها على صناديق الزبالة.

ولكن موضوع ذبح القطة ليلة الزفاف لا ينجح فى أغلب الأحوال حيث تمتطى المرأة رجلها ويعيش العمر رهن إشارتها ويلقى تحقيراً وتوبيخاً من الأهل والأقارب كلما غدا أو راح ويسمونه (حمار المرأة) أي أنه لا يستطيع السيطرة عليها ولا يرهبها ولا تخشى منه،أو باختصار يحبها و يحترمها ويقدرها كإنسان ويزن رأيها فى كل أمور حياته، ولكن الكثير من البيئات المتخلفة يعتبرون ذلك عيباً كبيراً فى الرجل إذ لا يزالون ينظرون للمرأة كمخلوق من الدرجة الثانية تابع خاضع للرجل بلا رأى أو فكر.

5- الطيب فى الزمن ده يقولوا عليه ضعيف :

الكثيرون طيبون ومسالمون يحبون الحياة ويحبون السلام ويسعون خلف الإستقرار والطمأنينة، ولكنهم، وبحكم الظروف يتعرضون لمواقف صعبة وقاسية ومحرجة فى الشارع والمواصلات وأقسام الشرطة ومصالح الحكومة ومع جيرانهم وزملائهم في العمل، ولأنهم طيبون فإنهم تغلب عليهم طيبتهم ويتعاملون بالحسنى، فمن الناس من يقدر أدبهم وإخلاصهم وطيبتهم، ومن الناس من يعتقد أنهم ضعفاء، فإذا ذهب الواحد منهم وقص إحدى قصصه فى الطيبة والأدب والتسامح سمع الناصحين اللئام يقولون له : الطيب فى الزمن ده يقولوا عليه ضعيف، فيحاول قدر الإمكان أن يتخلى عن طيبته ويتخذ القسوة سبيلاً حتى لا يقال عنه أنه ضعيف، ولقد عاصرت آلاف الأمثلة الحية لهؤلاء الطيبين الذين تحملوا الكثير بسبب أدبهم وطيبتهم ولكنهم ملوا الظلم والذل خاصة أن معظم المتعاملين معهم من نوعية (ناس تخاف ما تختشيش) كما أسلفنا، فيحدث لهم تحول تدريجي فى مكوناتهم الشخصية وينطبق عليهم المثل القائل (إتق شر الحليم إذا غضب).

6- الكف السابق سابق :

مثل سىء جدأ، وفيه دعوة قبيحة للبدء بالاعتداء وهو ما يخالف كل الشرائع السماوية والقوانين الإنسانية العادلة، ويعتقد مروجو هذا المثل أن من يبدأ بالضرب أو العدوان يكسب المعركة مهما طاله من ضرب من الطرف الآخر، ومهما حاق به من خسائر، وهى نظرة قاصرة وتافهة إذ أنها تلغى وجهة نظر الآخرين فى البادئ بالاعتداء حيث يظل دائما هو الأقل خلقاً والأدنى منزلة ولدينا مثل مهم جدا وصحيح جدا هو (البادئ بالشر أظلم) وطبعاً يستحق هذا البادئ بالشر كل ما يحدث له بعد ذلك ولا يجد من يؤيده أو يسانده أو يقف إلى جواره.

7- خدوهم بالصوت لا يغلبوكم :

مثل تافه أيضاً يدعو أحد الظلمة أو المعتدين لرفع صوته جدا بالتهديد والوعيد ضد من يطلب حقه منه معتقداً بذلك أنه سيخيف المطالب بحقه ويقهره ويرغمه على التنازل عندما يرفع له صوته بشكل حاد ويغير من ملامح وجهه ببضعة حركات بهلوانية توحي للطرف المطالب بحقه أن يسكت ويصمت ويكف وإلا ناله عقاب خطير من هذا الحقير.

إستخدام القوة والعنف سواء بالتصريح أو التلميح للحصول على ما نريد هي ثقافة اجتماعية غاية في السوء والاندحار الأخلاقي وهى موروثة من جيل لجيل، نتمنى التخلص منها لتسود ثقافة المحبة والتسامح ويحصل كل إنسان على حقه الطبيعي بأدب وشرعية وكرامة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى