على منبر الشعر في الموصل
(ولم أتمكن من زيارتها، وعساها أن تتحقق)
بكِ أرض العراق تختالُ فخرا
فأريقي من نغمةِ النيلِ مِصْرا
واسكبي موجَه غناء وشدوا
ينتحي الرافدين دربًا وسَيْرا
واصدحي بالقصيد ينثال صوتا
ألِقًا يملأُ البساتينَ طَيْرا
واعزفي في اللقاء لحنا طروبا
نتلاقى عليه سرَّا وجهرا
إنما الشعر في العروبةِ نبضٌ
من ربا بابلٍ تَفَجَّرَ سِحْرا
واكتسى من نسيجِ عبقرَ حُسْنا
يُذْهلُ المرتجين للبوح سِرّا
لا يزال القريضُ للمتنبِّي
معلنا سبقَه مصَبًّا ومجْرى
وبيانا نرى الحقائقَ منه
في الدياجي سنًا نوافيه فجرا
نتساقى منَ ابن أوسٍ بديعا
في معانٍ تغذو الأحاسيسَ فكرا
وإلى البحتريِّ نعزو خيالا
عربيًّا كم زان بالشعر كِسْرَى
وسلوا عن سينيَّةٍ سبرتْ ريشتُها
لِلْإيوانِ بالشعرِ غَورا
رسمت أنطاكيةً في حشودٍ
تتلاقى في الحرب كرَّا وفَرّا
والفيافي إذا القوافي روتها
أصبحتْ واحاتٍ تَلأْلأُ خُضْرا
سكبَ الرافدانِ دجلةُ منها
والفراتُ القصيدَ، فانثال نَهْرا
وجرى منهما القريضُ فيوضا
تتَمَدَّى منها الفضاءاتُ غُرّا
من يدِ المَوصلِ اكتستْ نغماتي
فرحةً، تبصرُ المودةَ جِسْرا
ضمَّ من لبَّوُا النداءَ، كأن قدْ
شادَ أبناءُ يعربَ الودَّ قَصْرا
وحبتهم (آشورُ) طيفَ ائتلاقٍ
من (حمورابي)، حكمةً تُتَقَرَّى
لم تكن (جلجاميشُ) غيرَ خيال
عبقريٍّ على التفرّدِ قَرّا
جذبت (هوميروسَ) أحداثُها
فاتَّقَدتْ في الإلياذةِ الروحُ شِعْرا
والحضارات حينما تتلاقى
يجدُ الناسُ في التلاقي مَقَرَّا
عربٌ نحن، والقصيد غِناءٌ
من ودادٍ إلى الأناسيِّ طُرَّا
نزرع الحبَّ في القلوب حقولا
مثمراتٍ للكونِ نفْعًا وخَيْرَا
ونمدُّ الإخاء دربا وضيئا
والوفاء الودود نبنيه جِسْرَا
ونرد الظلام إن حاق يوما
بخطانا، فننتضي الصبحَ فَجْرَا
نهجنا العدلُ مورقا في سلامٍ
وإباءٍ يأبى غرورا وكِبْرَا