الأربعاء ٢٢ حزيران (يونيو) ٢٠٢٢
بقلم جميلة شحادة

عند انتهاء السنة الدراسية

خرج طلاب المرحلتين، الإعدادية والثانوية، بالأمس (العشرين من يونيو/حزيران) الى العطلة الصيفية، وبعد عشرة أيام سيخرج اليها تلاميذ المدارس في المرحلة الابتدائية. وبالطبع، استقبل الأهل أبناءهم فور عودتهم من المدرسة بسؤالهم، وقبل كل شيء، عن شهادة التقييمات (نتائجهم التحصيلية). وَيا لسعادة الأهل عندما تكون شهادة ابنهم مرضية لهم، بل، وتزداد سعادتهم عندما ترافق هذه الشهادة، شهادة تقدير مُنحت لابنهم من قبل المدير أو مربي الصف (وهذه هي الموضة الرائجة في السنوات الأخيرة في مدارسنا في المجتمع العربي) لتفوقه في التحصيل الدراسي. عندها، لا يتوانى الأهل عن نشر هذه الشهادات على الملأ، وبكل الوسائل المتاحة لهم، وعلى رأسها الفيس بوك والإنستغرام وغير ذلك من وسائل التواصل.

جميعنا يعلم، ان تفوق الأبناء الدراسي يشغل غالبية أولياء الأمور، الأمر الذي يستدعي لجؤهم إلى اتباع سياسة الضغط على أبنائهم من أجل النجاح والتفوق في دراستهم، متناسين، أو غير مدركين التأثير السلبي الذي قد يتركه هذا الضغط على نفسيات أبنائهم. كما أن معظمنا يعلم، ان فترة انتظار الأهل لنتائج أبنائهم يصاحبها الكثير من القلق والخوف، وهذا أيضا ينعكس سلبا على الجو العام في البيت والأسرة.

وهنا، أسمحوا لي أن أطرح الأسئلة التالية: لماذا كل هذا القلق؟ ولماذا هذا الضغط على أبنائنا ليتفوقوا رقميا في دراستهم؟ لماذا جميع أولياء الأمور يطلبون من أبنائهم أن يكونوا أوائل الطلبة؟ لماذا ينشر الأهل شهادات أبنائهم المتفوقين على الملأ؟ أي قيم يكسبها الأهل لأبنائهم بنشرهم لشهاداتهم؟ بل لماذا على المدرسة أن تمنح للطلاب شهادات تقدير على التحصيل الدراسي فقط؟ ألا يشفع للطالب الراسب بالعلوم أن يكون خلوقا على سبيل المثال؟ ألا يشفع للطالب الراسب في الرياضيات أن يكون متفوقا بكرة القدم مثلا؟ الا بشفع للطالب الراسب بموضوع التاريخ أن يكون موهوبا بالتمثيل أو الموسيقى أو التقليد وغيره وغيره؟ ثم ما هو شعور الطالب الذي لم يحصل على شهادة تقدير؟ وما شعوره وشعور أهله عندما يرى شهادات زملائه تزيّن صفحات الفيس بوك والتوتير والإنستغرام وغيرها؟ ثم لماذا يجب أن يخجل الأهل من نتائج أبنائهم؟ هل لأنهم يعتبرون هذا الفشل ربمّا هو فشلهم أو لأنهم يعتبرون أنفسهم المسؤولين عنه؟ أم لأنهم يروْن بأبنائهم الوسيلة التي يجب أن تحقق لهم ما لم يتمكّنوا هم بتحقيقه بأنفسهم؟ هل يريد الأهل أن ينجح ابنهم لنفسه، أم ليرضيهم هم وليتباهوا بذلك أمام الآخرين؟ وهل الأهل واثقون أصلًا بطرائق تقييم المدرسة لأبنائهم؟ وهل أصلا تقييمات المدرسة أمينة أو صحيحة؟ هذه الأسئلة، وغيرها كثير ما زال في جعبتي، أضعها أمامكم أيها الأهل الأعزاء، ومعكم المعلمون وكل صاحب قرار، ليسألها كل منكم لنفسه، حيث عندما تبدؤون بالسؤال؛ حتمًا ستبدؤون بالبحث، وستجتهدون لإيجاد الأجوبةٍ عن أسئلتكم.

الأهل الأعزاء! تذكّروا، أن جميعنا يحب أن ينجح ويتفوق أبناؤه في الدراسة، ولكن الأهم من التفوق والنجاح في التحصيل الدراسي، هو صحة وسلامة أبنائنا النفسية. فإذا كنا نحبهم وننشد سعادتهم، فلنتقبلهم ونحتويهم مهما كان تحصيلهم الدراسي، على أن نعمل على مساعدتهم لتطوير قدراتهم المختلفة، وأن ندعمهم ليطورا مواهبهم وليحققوا طموحاتهم وما يصبون اليه، لا أن نحمّلهم ما لا طاقة لهم عليه. كذلك، علينا أن نجنبهم المقارنة مع الآخرين، وأن نكسبهم قيمة التنافس مع أنفسهم، لا مع الآخرين. وأن نجاحهم هو لهم وليس للآخرين، وأن عليهم أن ينجحوا ويتميزوا بما يحبون ويرغبون ولأنهم يريدون هم هذا النجاح والتميز، لا لكي يباهون به أمام الآخرين. وكما قال آينشتاين: " يجب أن يكون الهدف من التربية، هو أن نخلق أفرادا متفوقين في الاستقلالية، والتفكير والعمل ويروْن بالعطاء وخدمة الناس، المهمة الرئيسية لحياتهم".

الأهل الأعزاء! مع خروج ابنائكم، بل أبنائنا جميعا، الى العطلة الصيفية، أرجو لكم ولجميع الطلاب والمعلمين والمعلمات وكل العاملين في جهاز التربية والتعليم، أن تكون هذه العطلة، عطلة ماتعة وشائقة وآمنة؛ فالعطلة الصيفية هي إحدى الفترات التي ينتظرها الكثيرون منا طول العام، لأخذ قسطٍ من الحرية والراحة، بعد التعب والإرهاق اللذين عانى منهما الفرد طول العام. فأرجوها فرصة سانحة للراحة ولتجديد الطاقات، ولممارسة الهوايات والمواهب لطلابنا ومعلميهم وأهاليهم، وأناشد الجميع بأن يتبع وسائل الحذر، ليتفادوا مخاطر الشمس، والحوادث البيتية، والغرق، وحوادث الطرق.

تمتعوا طلابنا بعطلتكم، واستغلوها أفضل استغلال، وعودوا بعدها الى مدارسكم بسلام ونشاط. وكل عام والجميع بألف خير.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى