الأحد ٢٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمد الخميسي

عن أي حجاب يدور الحديث في مصر ؟

أدت تصريحات وزير الثقافة المصرية مؤخرا بأن الحجاب " عودة إلي الوراء" إلي تلك المواجهة الحادة بين الوزير ورجال الدين ومعسكر الإخوان المسلمين الذين يشكلون كتلة نيابية ضخمة داخل مجلس الشعب ، وتيارا سياسيا واسعا في الشارع . وبداية لابد من القول بأن الحجاب الحقيقي الذي يعود بمصر إلي الوراء ، هو الفقر ، والجهل ، والبطالة ، وسوء توزيع الدخل القومي ، وانحطاط مستوى التعليم ، وانحدار الخدمات الصحية ، وتدهور مستوى الأبحاث العلمية ، وغياب الحريات السياسية ، وضعف المرتبات المخزي . هذا هو الحجاب الذي يعوق التطور . لقد خاضت الدولة لزمن طويل ، ومن ورائها جيش من المثقفين المغرمين بالتنوير ، المعركة مع السلفيين على المستوى الثقافي وحده ، وحصرتها في إطار صراع الأفكار بين جناحي " التنويريين " و " السلفيين " ، بعيدا عن الجذور الاجتماعية التي ينشأ التطرف والتعصب في ظلها . إن التنوير يرتوي من التنمية الاقتصادية ، والتوزيع العادل للدخول ، والتعليم ، وتبني مشروع قومي للنهضة ، أما أن تجهد نفسك في تنوير الرأس فوق معدة خاوية ، وقدمين بلا حذاء ، فهذا أمر مستحيل .

الغريب أنه بالرغم من مظاهر الاشتباك العنيفة بين الدولة والإخوان فإن هناك جذرا واحدا مشتركا لنظرة الطرفين إلي القضية . فالإخوان يعتقدون أن إصلاح المجتمع أمر أخلاقي ، معنوي ، يتم حين يلتزم الجميع بأخلاق ومظاهر محددة . الدولة أيضا تصور الأمر وكأن إصلاح المجتمع يتم حين يلتزم الجميع بأخلاق ومظاهر أخرى !! وفي الحالتين فإننا نجد أنفسنا في قبضة تصور أخلاقي ثقافي بعيدا عن جذر المشكلة الاجتماعي والاقتصادي والسياسي .
من ناحية أخرى فإن موضوع الحجاب رهن كل مرة بالظروف ، والسياق ، الذي يتم في إطاره طرح القضية . فليس هناك حجاب واحد ، ولكن عشرات الأحجبة ، يكتسب كل منها معنى محددا في سياق معين . هناك الحجاب باعتباره مجرد زي ، وهناك الحجاب باعتباره عائقا للتواصل بين الأقليات المسلمة والآخرين في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا وهولندا ، وفي هذا السياق كان شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي قد أيد حق فرنسا في تبني قانون يمنع الفتيات المسلمات من ارتداء الحجاب في المدارس الفرنسية ، ويمنع ارتداء الرموز الدينية الصريحة كالصلبان الكبيرة وغطاء الرأس اليهودي . هناك حجاب آخر ، الحجاب حين يكون رمزا لقوى دينية سياسية وقعت على عاتقها مهمة التصدي – ولو بأساليب ورؤى مشوهة – للهيمنة الأمريكية الإسرائيلية في فلسطين ولبنان والعراق . وفي الحالة الأخيرة يصبح الحجاب ، رمزا لموضوع آخر وصراع آخر ، خاصة حين يحذر الجنرال أبو زيد قائد القوات الأمريكية في الشرق الأوسط من أن التشدد الإسلامي المتزايد يشبه ظهور الفاشية في أوروبا في القرن الماضي . وحين يعكس الجنرال الأمريكي الآية ، فيجعل من الإسلام السياسي قوة فاشية ، للتغطية على فاشية الهيمنة الأمريكية ، فإن أعداد المدافعين عن الإسلام ، برموزه ، تتضاعف وتكثر ، وحين تسعى أمريكا لإدراج حزب الله ، ومنظمة حماس ، في عداد المنظمات الإرهابية ، فإن أنصار الحزبين يتزايدون في مواجهة العدوان والاحتلال . وحينما تسخر الصحف الدانماركية وغيرها من الرموز الدينية الإسلامية ، وتصورها باعتبارها " إرهابا " يحمل القنابل ، فإن الأمر يتعدى المسألة الدينية إلي مسألة تشويه كل نضال تقوم به القوى الإسلامية السياسية في مواجهة الاستعمار.

وفي كل الأحوال ، فإن اللجوء إلي القوة ، أو الأساليب الإدارية في مواجهة التيار السلفي ، تؤدي فقط لاستفحال ذلك التيار . وهو ما حدث في تونس حين صدر القانون رقم 108 بحظر الحجاب عام 1981 ، وفي حينه وصف الأمين العام للحزب الحاكم في تونس الحجاب بأنه السبب في : " إعاقة عجلة التقدم في البلاد والعودة بها خطوات إلي الوراء " .
وبطبيعة الحال فإن الكثيرين يشعرون بالقلق ، إن لم يكن الفزع ، من المدى الذي بلغته سطوة التيار الديني في الشارع المصري في العقد الأخير ، ومن انتشار الخرافات ، وروح التعصب التي أدت للاعتداء على الكنائس أكثر من مرة ، ومن أحداث إرهابية كثيرة بوسائل وأهداف مختلفة ، إلا أن التصدي لذلك كله مستحيل باختزال المسألة في مجرد التنوير الثقافي ، أو مجرد إشعال مصباح في أرض خربة يعمها الظلام ، ويتواثب في أركانها اللصوص ومهربو المليارات.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى