الأربعاء ٣٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
الأديب الراحل سامي عطفة
بقلم أحمد مظهر سعدو

عودة إلى أدبه وفكره رغم السنين

من الأدباء والنقاد المهمين والذين لم يأخذوا حقهم، لا في الحياة الأدبية العربية، ولا في الحياة السياسية.

إنه الأديب سامي عطفة الذي غادرنا مبكراً منذ ثمانية عشر عاماً ونيف... سامي عطفة الذي ولد في السلمية في محافظة حماه عام 1930 يعتبر من الكتاب والنقاد الذين تركوا بصمة في جدار الزمن الأدبي والثقافي، فهو من كتب القصة القصيرة، والرواية، ومن ثم دراسات أدبية نقدية مسرحية وفكرية ذات طابع خاص... لكن حياته وواقعه المعاش لم ينجداه في الدفع بما كتب إلى المطابع ليكون ما كتبه في متناول الناس قبل رحيله، إلا مجموعته القصصية "النسر" التي صدرت في الستينات من القرن الفائت.

لكن محبيه وذويه شكلوا مؤخراً لجنة أدبية مهمتها جمع وتحقيق ما كتب وأنتج وبالتالي إرسالها لدور النشر ليقرأها الآخر، بل والمتابع... وكان أن رأت النور مؤخراً بعض هذه المؤلفات منها:

كتاب بعنوان "دراسات في الرواية والمسرح" و "مدارات وسجالات فكرية ونقدية" كما تعدنا اللجنة وعلى رأسها صديقه الشاعر علي كنعان بأن تصدر له قريباً رواية لم تكتمل كانت آخر ما خطه بقلمه قبل رحيله، وهي بعنوان "سفر الاختفاء" بالإضافة إلى كتب عن القضية الفلسطينية.

وإذا كان الاهتمام قد تحرك مؤخراً بهذا الكاتب الكبير ذو الأخلاق الحميدة، والشخصية المهذبة، التي تمتلك قدراً كبيراً —كما عرفته شخصياً- من اللباقة والكياسة والاحترام، بالإضافة إلى الثقافة الموسوعية التي لم يمتلكها الكثيرين سواه....

فإن من الواجب علينا نحن من عرفناه مبكراً، واستقينا منه روافد معرفية ثقافية جد ثرية، أن نطلع القراء الشباب على نواتج أدبه ومعرفته، ليأخذ بعضاً من حقه، وليظل في الذكرى الموصولة إلى أجيال آتية..فقد استطاع الراحل سامي عطفة من خلال مساهماته النقدية والأدبية والفكرية أن يكون ذا حضور إيجابي، يساهم في تنشيط لغة الحوار وكذلك في الدفاع عن القيم والمفاهيم النقدية والأدبية والفكرية التي رأى أنها جديرة بذلك.

إن كتابات سامي عطفة تمتلك قيمة تاريخية تنبع من كونها تعبر عن تلك المرحلة التاريخية التي أفلت وعاشها عطفة بكل جوارحه.

لقد كتب سامي عطفة في نقد الرواية والقصة والمسرح وفي القضايا السجالية، حول مفهوم الالتزام والعلاقة مع التراث ومع الثقافات الغربية، فكان جزءاً مهماً من المشهد الثقافي العربي السوري، ففي إحدى دراساته حول وضع التراث في ضوء الرواية النقدية، يعبر سامي عطفة عن حيرته إزاء التناقض الحاد بين صورتين من العلاقة بالتراث، فيقول:

"في الدراسات التي تتناول التراث الحضاري العربي الإسلامي، والتي وضعها أشخاص من الدارسين العرب والأجانب، يحار القارئ العربي أمام تعدد المناهج الدراسية والتحقيق واضطرابها، وتأثر معظمها بأهواء الدارسين ومواقفهم الفكرية المسبقة من التراث، فمن جهة أولى نجد أن المواقف العرقية والمذهبية والسياسية المسبقة والعدائية، جعلت بعض الدارسين من الأجانب ومن بعض العرب يعمدون إلى التقليل من قيمة إنجازات الحضارة العربية الإسلامية وتجاهلها، أو إغراقها بظلال قوية من الشكوك، وبعض هذه المواقف يصل إلى حد إنكار الإنجازات العربية، واتهام العرب باللاعقلانية والبداوة والبعد عن المدنية، ومن جهة ثانية نجد بعض الدارسين من العرب والمسلمين... تصل أفكارهم في شططها حد الزعم بأن الحضارة الغربية المعاصرة لم تقدم اكتشافاً باهراً إلا وكان العرب قد سبقوها إليه".

ويرى سامي عطفة "أن افتقار الإنسان إلى الرؤية الموضوعية الصحيحة لماضيه وتراثه، يجعله عرضة إلى البلبلة والضياع، بل إلى الاغتراب عن ذاته وفقدان هويته القومية".

وفي إطار بحثه في التجربة المعيوشة يرى الأستاذ سامي عطفة "أن المعطيات الموضوعية التي تتشكل بحكم علاقة الفنان مع عالمه، فإنها تشتمل على المعطيات الاجتماعية الناتجة من موقف الفنان من طبقته وبيئته الاجتماعية وعلاقته بالآخرين، كما تشتمل أيضاً على المعطيات الثقافية والتربوية والسياسية التي تختلف بحسب نوع الثقافة والتربية اللتين حصل عليهما، وبحسب توجهه السياسي وموقفه من قضايا مجتمعه وعالمه".

من هنا فإنه يمكن القول أن سامي عطفة الأديب والناقد السوري الذي عرف عنه رويته وهدوءه في كل شيء، وهو الكاتب الحاذق والشخصية الوازنة في الأدب كما وصف مؤخراً... يحق له علينا أن نغوص مجدداً في مؤلفاته ودراساته وقصصه وروايته فنقف لنساجله فكرياً كما كان يحب، ويحترم، لنظل نذكر أدباءنا الذين رحلوا ولم يأخذوا بعضاً من حقهم... فقد رحل سامي عطفة وهو في قمة عطائه.... لكنه باقٍ بيننا بأدبه ودراساته وكتبه ومقالاته...لأن الكبار لا يخرجون من حيز الواقع المعرفي....


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى