الجمعة ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٧
بقلم شفيق حبيب

عيسى لوباني روائيّ ٌ ذو قامة ٍ أدبيّةٍ سامقه

لم أقرأ منذ سنوات رواية ً محلية ً بهذا الزخم والتكثيف الذي حملته رواية " شمس وقمر " للصديق الراحل الأديب عيسى لوباني والتي وصلتني إهداءً من كريمته بهذا التقديم :

إلى صديق والدي الأديب شفيق حبيب ، وفاءً وإحياءً لذكرى والدي الأديب عيسى لوباني .. أقدّم هذه الرواية بكل تقدير ومودّه
كانون الأول 2007
ميّــــاده

شكري الصادق للابنة البارّة الوفيّة ، وحبذا لو حذا حذوَها أولو الأمر لجميع أدبائنا المحليين المغيَّبين عنا .

تدور معظم أحداث الرواية في فرايبرغ بألمانيا حيث يلتقي بطلها بالدكتور أسعد خيرالله وهو أستاذ جامعي ، وبنادل ٍ ذي جذور فلسطينية هاجرت عائلته من حيفا إلى إربد ...

تناولت الرواية بأسلوب حواريّ مُبهـِر ، لا يجيده سوى كاتب كعيسى لوباني ، انقادت له اللغة فأمسك بناصيتها فارسا حاذقا متمرسا ، كيف لا وهو الشاعر والكاتب الذي قرأنا له وسمعنا به أواسط الخمسينيات من القرن الغابر ، من زملاء الدراسة بالناصره عندما أصدر ديوانا شعريا واحدا تنكـّرَ له فيما بعد عندما فاتحتـُهُ بشأنه بعد سنوات ، خلال زيارتي لمكتبته التي كانت ملتقى الأدباء ، شأن دكان السوفنير الذي كان يملكه الشاعر طه محمد علي في شارع الكزانوفا .

في هذه الرواية حواراتٌ سياسية ٌ تنمّ عن وعي ٍ جادّ ٍ لمؤلف الروايه وحوارات ٌ فنية ٌ موسيقية ، عن أساطين الموسيقى الغربية وبعض الرسامين الخالدين وشذرات أدبية تشهد على تمكـّـُن كاتب الرواية أدبيا ً ، وهناك كثير من الجنس الذي يلجأ إليه الغرباء في دول الغرب وقلما تخلو منه أية رواية حديثة مؤلفها رجل أو امرأة ، وبطلات هذه الرواية في فرايبرغ ، شقيقتان تركيتان عاهرتان وطبيبة من نفس الطراز وسواهن ... وقد جاءت توصيفات هذا الجنس بأسلوب راق ٍ جذاب إن دلّ على شيء فإنما يدل على كاتب يُحسن استعمال لغته الأدبية وأدواتها ، ذي أسلوب لا يعرف الإبتذال والعبارات السوقيّة التي ينتهجها بعضهم لإثارة الغرائز البهيميّة ....

لا أريد أن أدخل في صلب الرواية بل أتركها للقارىء ليطوف في أرجائها مستمتعا بالحوارات السياسية التي دارت بين الدكتور اللبناني ومؤلف الرواية حول الوضع العربي العام وخاصة الحروب اللبنانية المتعاقبة حيث كان اللبنانيون والفلسطينيون ضحية المؤامرات المرسومة مسبقا وما زالت ، ناهيك عن الحوارات الفلسفية الوجودية ..

لم أقرأ رواية محلية تزخر بأسماء الشخوص والأمكنة كالتي زخرت بها رواية " شمس وَ قمر " دون أن يشعر القارىء بأي ملل ، فلكلّ اسم ٍ إيحاءاتـُه وإسقاطاتـُه ودلالاتـُه ودورُه المقنِعُ الصريح ، وهذه باقة من هذه الأسماء :

شمس - قمر – روجينا – بولين – مونيكا – مصباح – جوليا بطرس – يوسف الخال – أبو سلمى – محمود درويش – معين بسيسو – بشار بن برد – أبو نواس – أبو العلاء المعري – طاغور- الخيّام – شهريار – ليلى مراد – سيد درويش – إيمان البحر درويش – كيرجارد – ويلسون – سارتر – جيمس جويس – فيزجيرالد – بودلير - أراغون – بوشكين – ناظم حكمت – جوزيلي أرادم – بيرديفين – فوجاك – برامز – بيكيت ومسرحيته : بانتظار جودو – إنجلس – ماركس – برسترويكا غوربتشوف – كفاحي لهتلر – مذكرات تشرتشل – إنتحار ماياكوفسكي وَ همنجواي – ليرمنتوف – هايدن – بتهوفن – ميونيخ – لندن – إستنبول – بغداد الرشيد – حيفا – يافا – بيروت – الفاكهاني - الروشه – صبرا وشاتيلا – تل الزعتر - البارجه : ميسوري – بعلبك – شارون ... وغير هذا عشرات الأسماء الفاعلة في الرواية ....

ألرواية جديرة بالقراءة من حيث لغتـُها العربية ُ الراقية والتي لا يجيدها الكثيرون من المتطفلين على الأدب المحلي وذلك في غياب الرقيب اللغوي الحصيف ومن حيث محتواها المتنوع الذي لم يطرقه كاتبٌ آخرُ من قبل....

هناك أخطاءٌ مطبعية ( وليست لغوية ) كثيرة .. كان الأجدر " بقسم الثقافة العربية " أن يوكل مراجعة بروفات المطبعة إلى أديب متمكن لغويا ً ، لأن رواية ً كهذه ، لم يسبق وأن نـَشـَرَها هذا القسم المعروف بمنشوراته المتدنـّية لغويا ومحتوى ..!!

رحم الله عيسى لوباني .. صاحب الكلمة المبدئية بدون مواربة .. وما زلت أذكر لقاءاتنا في " إتيليه " القاهرة يوم دخل بعكازه الذي يذكّرني بعصا جبران خليل جبران وذلك في الفاتح من آذار عام 1996 فقدمته لمجموعة الأدباء الذين تواجدوا هناك وخاصة الأدباء الفلسطينيين المقيمين آنذاك في القاهرة ومنهم الراحل الكريم صاحب قاموس " الكتـّاب والشعراء الفلسطينيون " المرحوم أحمد عمر شاهين الذي لم يمهله الموت للعودة إلى أرض الوطن فالتحق بالملأ الأعلى بالقاهره ...

مشتاقون إليك يا أبا لؤي ومشتاقون إلى ميشيل حداد وفوزي عبدالله
وإميل حبيبي وشكيب جهشان وجورج نجيب خليل وعصام العباسي وأحمد طاهر يونس ونواف عبد حسن .. فالأصدقاء الذين غادرونا كـُثرٌ .. إنهم يعيشون في مؤلـَّفاتهم وبها وفي ذاكرتنا دائما ... رحمهم الله جميعاً.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى