الأربعاء ٣٠ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم
عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ
إلى أختي هويدا
زهرة الروح التي قطفت قبل أوانها
ولما تزل تفوح بالعبير
عَلَى مِثْلِهَا تَبْكِي السَّمَاءُ وَتَجْزَعُ | |
وَتَبْكِي عَلَيْهَا الأَرْضُ حُزْنًا وتُفْجَعُ | |
وَتَرْنُو وَرَاءَ النَّعْشِ ثَكْلَى شَوَارِعٌ | |
تَئِنُّ عَلَى الصَّفَّيْنِ وَجْدًا وَتَدْمَعُ | |
وَيَبْكِي جِدَارٌ مِنْ وَرَاءِ جِدَارِهَا | |
وَيَهْذِي رَصِيفٌ فِي الطَّرِيقِ وَيَهْرَعُ | |
وَيَغْفُو عَلَى الأَحْزَانِ خَلْفَكِ مَسْجِدٌ | |
يَظَلُّ وَيُمْسِي فِي الضَّرَاعَةِ يَشْفَعُ | |
يُحَلِّقُ عُصْفُورٌ أَمَامَ حَمَامَةٍ | |
وَخَلْفَهُمَا سِرْبٌ يَحُطُّ وَيُقْلِعُ | |
يَرُوحُ وَيَغْدُو جَانِحًا فَوْقَ قَبْرِهَا | |
وَللهِ سِرْبٌ فِي السَّحَابَةِ مُسْرِعُ | |
يَطِيرُ بَعِيدًا ثُمَّ يَهْبِطُ قُرْبَهُ | |
عَلَى دَوْحَةِ الأَشْوَاقِ يَدْعُو وَيَهْجَعُ | |
يَحِنُّ إِلَيْهَا الدَّوْحُ وَهْيَ بَعِيدَةٌ | |
وَتَهْلَكُ أَرْوَاحٌ عَلَيْهَا وَتَصْدَعُ | |
فَلا الصَّبْرُ يُخْفِي مِنْ عَذَابَاتِ أَهْلِهَا | |
وَلا هُوَ يُبْدِي سُلْوَةً حِينَ تَفْزَعُ | |
وَلِلصَّبْرِ غَايَاتٌ وَلِلْمَوْتِ رَاحَةٌ | |
وَلَيْسَ إِلَى الْغَايَاتِ بَعْدَكِ مَطْمَعُ | |
فَنِعْمَ مَمَاتٌ بَعْدَ طُولِ مَشَقَّةٍ | |
وَبِئْسَ حَيَاةٌ بَعْدَ مَوْتِكِ تُمْتِعُ | |
وَهَيْهَاتَ أَنْ نَحْيَا وَوَجْهُكِ غَائِبٌ | |
وَنُورُكِ لا يَمْحُو الظَّلامَ وَيَقْشَعُ | |
فَلا طَابَتِ الدُّنْيَا وَحُلْوُ مَذَاقِهَا | |
وَعُودِيَ صَبَّارٌ وَكَأْسِيَ مُتْرَعُ | |
تَسَاقَطُ مِنَّا أَنْفُسٌ فَوْقَ أَنْفُسٍ | |
وَتَهْوِي رُؤُوسٌ تَحْتَهَا وَهْيَ تَخْضَعُ | |
فَكَمْ مِنْ صَغِيرٍ بَاتَ فِي اللَّيْلِ صَارِخًا | |
وَكَمْ مِنْ كَبِيرٍ يَسْتَعِيذُ وَيَرْكَعُ | |
فَلِلَّهِ هَذَا الْمَوْتُ لَيْسَ بِرَاحِمٍ | |
أَبًا بَاكِيًا ضَعْفًا وَأُمًّا تُرَجِّعُ | |
إِذَا كَانَ مَوْتُ الشَّيْخِ قَدْ يُوجِعُ الْفَتَى | |
فَمَوْتُ حَبِيبٍ فِي الثَّلاثِينَ أَوْجَعُ | |
أَتَغْرُبُ شَمْسٌ مِنْ ضُلُوعِي عَزِيزَةٌ | |
وَيُشْرِقُ نُورٌ فِي الْقُبُورِ وَيَطْلُعُ ؟ | |
ثَقِيلٌ عَلَيْنَا الْمَوْتُ حِينَ يَجِيئُنَا | |
وِلِلْمَوْتِ أَنْيَابٌ تَعَضُّ وَأَذْرُعُ | |
يَمُرُّ عَلَيْنَا الْيَوْمُ لَسْنَا نُعِيدُهُ | |
وَإِنَّا ـ وَإِنْ شِئْنَا الْخُلُودَ ـ لَنُصْرَعُ | |
يُطَافُ عَلَيْنَا بِالْكُؤُوسِ مَلِيئَةً | |
فَتَشْرَبُ إِنْ شِئْتَ وَإِنْ شِئْتَ تَمْنَعُ | |
وَيَأْتِي الرَّدَى مُرَّ الْمَذَاقَةِ بَغْتَةً | |
فَنَشْرَبُ كَأْسَ الْمَوْتِ حَتْمًا وَنَجْرَعُ | |
فَقَدْ كَانَتِ الدُّنْيَا تُحِيطُ بِبَهْجَةٍ | |
فَتَضْحَكُ أَرْوَاحٌ وَيَسْعَدُ مَرْبَعُ | |
وَيَبْسُمُ وَرْدُ الرَّوْضِ حِينَ تَفَتُّحٍ | |
فَتَطْرَبُ أَكْوَاخٌ وَيَهْنَأُ مَسْمَعُ | |
وَنَقْطِفُ زَهْرَ الْقُطْنِ وَهْوَ مُنَوِّرٌ | |
فَتَنْعَسُ أَهْدَابٌ وَتَرْتَاحُ أَضْلُعُ | |
وَكُنَّا صِغَارًا لا نُفَارِقُ بَعْضَنَا | |
تُسَابِقُنِي لِلْبَيْتِ لَهْوًا وَتُسْرِعُ | |
وَنَصْعَدُ صَفْصَافًا وَنَقْتَاتُ تُوتَةً | |
عَلَى جِذْعِهَا الْوَانِي تُهَفْهِفُ أَفْرُعُ | |
وَتَضْحَكُ مِلْءَ الثَّغْرِ حِينَ أَشُدُّهَا | |
وَأَحْمِلُهَا عَطْفًا وَلِلسَّقْفِ أَرْفَعُ | |
تَرُدُّ يَدِي مَكْرًا وَتُبْعِدُ شَعْرَهَا | |
وَتُلْوِي بِرَأْسِي جَانِبًا ثُمَّ تَدْفَعُ | |
وَتَمْضِي تَحُثُّ الْخَطْوَ نَحْوِي تَشَوُّقًا | |
وَتَرْجِعُ مِنْ خَلْفِي إِلَى حَيْثُ أَرْجِعُ | |
فَكَانَتْ حَبِيبًا لا يُفَارِقُ مُهْجَتِي | |
وَكُنْتُ أَخَا وُدٍّ يَصُونُ وَيَمْنَعُ | |
فَمَا بَالُهَا صَمَّتْ عَنِ النَّاسِ أُذْنُهَا | |
فَلا نَطَقَتْ حَرْفًا وَلا هِيَ تَسْمَعُ | |
تَبَدَّلَ حُسْنُ الأَرْضِ حُزْنًا وَغَيَّرَتْ | |
سماءٌ فضاءً وَالْحَدَائِقُ بَلْقَعُ | |
تَفَرَّقَ شَمْلُ الأَهْلِ بَعْدَ تَوَحُّدٍ | |
وَكَانَتْ تَضُمُّ الأَبْعَدِينَ وَتَجْمَعُ | |
تُقَرِّبُ مَظْلُومًا وَتُبْعِدُ ظَالِمًا | |
وَتُطْعِمُ مِسْكِينًا تَصُومُ وَيَشْبَعُ | |
وَتَحْنُو عَلَى طِفْلٍ يَتِيمٍ تَضُمُّهُ | |
إِلَى صَدْرِهَا الْحَانِي تَرِقُّ وَتُرْضِعُ | |
وَتَأْوِي الأَيَامَى حِينَ تُغْلِقُ بَابَهَا | |
رِجَالٌ عَلَى ضَيْمٍ تَعِيشُ وَتَقْنَعُ | |
فَيَا لَكِ مِنْ أُخْتٍ يَعِزُّ وُجُودُهَا | |
عَلَى زَمَنٍ فَيهِ الذَّلِيلُ مُمَنَّعُ | |
يَفِرُّ ضَعِيفٌ ، وَالْجَبَانُ مُؤَمَّنٌ | |
وَكَرَّ قَوِيٌّ ، وَالشُّجَاعُ مُرَوَّعُ | |
يَصُونُ الذَّلِيلُ الْمُسْتَرِيحُ لِبَاطِلٍ | |
وَمِنْ تَعَبٍ حَقُّ الْعَزِيزِ مُضَيَّعُ | |
فَأَنْتِ ـ وَإِنْ حَنَّ الْفُؤَادُ ـ وَدِيعَةٌ | |
يَجُودُ بِهَا رَبٌّ يَضُرُّ وَيَنْفَعُ | |
أَرَاحَكِ مِنْ هَمِّ الْحَيَاةِ وَجَوْرِهَا | |
وَفُزْتِ بِرِضْوَانٍ وَوَجْهُكِ أَنْصَعُ | |
يَطُوفُ عَلَيْكِ الصَّابِرُونَ بِجَنَّةٍ | |
وَكَفُّكِ مَخْضُوبُ الْبَنَانِ مُرَصَّعُ | |
فَطُوبَى لِعَبْدٍ فِي مَنَازِلِ رَبِّهِ | |
يُمَازِجُ حُورًا فِي الْجِنَانِ وَيُمْتَعُ | |
وَلَسْنَا ـ وَإِنْ شِئْنَا الْحَيَاةَ ـ خَوَالِدًا | |
وَكُلُّ امْرِئٍ يَوْمَ الْفَرَاقِ يُوَدَّعُ | |
فَلَيْسَ امْرُؤٌ يَسْطِيعُ رَدَّ قَضَائِهِ | |
إِذَا جَاءَ مَنْظُورًا عَلَى الْبَابِ يَقْرَعُ | |
يَدُقُّ عَلَيْهِ الرُّوحَ حِينَ يَرُدُّهَا | |
إِلَيْهِ سَرِيعًا فِي يَدَيْهِ ، فَتُنْزَعُ | |
وَإِنْ طَالَ عُمْرُ الْمَرْءِ أَوْ قَلَّ عُمْرُهُ | |
فَلا بُدَّ أَنْ يَأْتِي رَحِيلٌ وَيُسْرِعُ | |
تَجِيءُ مَنَايَانَا عَلَى حِينِ غِرَّةٍ | |
وَتَضْرِبُ مِنَّا مَنْ تَشَاءُ وَتَصْرَعُ | |
وَتَنْشِبُ فِي الأَرْوَاحِ مِنَّا أَظَافِرًا | |
وَيَدْخُلُ نَابٌ فِي الْعُرُوقِ وَإِصْبَعُ | |
وَتَخْرُجُ رُوحٌ فِي إِبَاءٍ عَزِيزَةٌ | |
تَذَلُّ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ وَتَخْشَعُ | |
وَتَلْتَفُّ سَاقٌ فَوْقَ سَاقٍ وَتَرْتَقِي | |
إِلَى اللهِ نَفْسٌ تَسْتَغِيثُ وَتَضْرَعُ | |
وَيُحْمَلُ جُثْمَانٌ وَيُلْقَى بِحُفْرَةٍ | |
يُوَارَى عَلَيْنَا بِالتُّرَابِ وَنُقْمَعُ | |
وَيَحْثُو عَلَيْنَا فِي بُكَاءٍ صَدِيقُنَا | |
وَيَنْأَى بَعِيدًا ثُمَّ يَسْلُو وَيَرْجِعُ | |
يَضِيقُ عَلَيْنَا الْقَبْرُ حِينَ يَضُمُّنَا | |
وَكُنْا نُغَنِّي فِي الرُّبُوعِ وَنَرْتَعُ | |
فَإِمَّا إِلَى رَوْحٍ وَرَيْحَانِ جَنَّةٍ | |
وَإِمَّا إِلَى نَارٍ نُسَاقُ وَنُسْفَعُ | |
فَلَيْسَ مِنَ الأَهْوَالِ لِلْمَرْءِ مَهْرَبٌ | |
وَلَيْسَ لَنَا إِلا إِلَى اللهِ مَفْزَعُ | |
فَلا تَحْزَنِي يَا أُمِّ إِنْ يَغْلِبِ النَّوَى | |
وَإِنْ غَابَ نَجْمٌ أَوْ تَبَاعَدَ مَطْلَعُ | |
سَتَطْلُعُ شَمْسٌ مِنْ دَيَاجِيرِ قَبْرِهَا | |
وَتُشْرِقُ بِالأَنْوَارِ يَوْمًا وَتَسْطَعُ |