السبت ٢ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم فاطمة لبابنة

غنيت مكة

غنيت مكة،تناهى صوت الموسيقى الى مسامعي،أعادني الى زمن كان للموسيقى والشتاءطعما اخراً مليئا بخيالات الصبية،كان العالم مليءا بالدهشة والتوقعات الغائمة الجميلة حينا ...البعيدة احيانا فمنذ زمن لم استمع الى بعض الفيروزيات التي كبرنا وهي تدندن في مسامعنا معاني الجمال والرفعة،اعطني الناي وغنّ حيث حاكى جبران من خلال صوتها وجداننا الغض ورسم فيه صورا وتأملات تأخذنا وتعيدنا ... وشربت الفجر خمرا في كؤوس من أثير.

حتى الغيرة التي اسمعتنا فيروز عذبة جميلة،ترتسم ابتسامة حين نسمعها ونغرق في تخيل الصورة،والمشاوير التي يفتريها البعض حين يترك لها الصبي الورد في غرفتها لتنكرانها رأته وتنكر انه ترك لها الورد،بسبب علو شباكها،وفي منتهى الاغنية "شو بيفضحوا أسرار ...ومشوار...تعترف

ما الذي كان يفكر به سعيد عقل حين اتاح لهذه الدرةان تتبرج بقلمه،خيال جميل صاغ ما ابتدعه الشاعر،سعيد عقل عبقري بالتقاط اللحظة والانفعال وقدرة استشفاف طفولة بعيدة وكان الشاعر ما زال يحمل منها الكثير ليلتقط مفرداتها.تناولها الرحابنة فصقلوها باللحن العذب الرائع وغنتها فيروز كما لم يغن من قبل ولا من بعد،وتأخذنا تارة الى طريق النحل ،وتارة تعيدنا أولادا على جسر اللوزية،وتارة تأخذنا لمكة وتغنيها دعاء للبقاء

وكنا ننهل مما يرفع من شأن عقولنا ،كتب وموسيقى،زمن الصبا زمن القراءات وزمن تذوق الموسيقى المعجزة،وزمن تكون ذائقة فكرية وجمالية ووجدانية تبحر في متغيرات الكون .

تنبهت لطفلتي بعد أن أعادتني فيروز صبية ذات سبعة عشر ربيعا تنطر كرم العنب وتسير في دروب لبنان الخضراء...بحبك يا لبنان حيث أحببنا لبنان دون ان يرانا

بكثير من الاعتبار لعبقرية الرحابنة وروعة شعرائنا المرهفين،وهذا التناغم الكلي،وحالة التشكل الغيبية ما بين الرحابنة وصوت فيروز ،حفيف الاحساس والتحليق الذي يرفعنا للسماء

وإن نزلنا الى الأرض نزلنا ملائكة وأطفالا

حيث تميزت صورة الاطفال في تلك الاغاني بالكثير من الفدرة على الاحساس بالأشياء والبحث والتساؤل حول كهنوت الأشياء دون اصطناع ،اطفال حقيقيون،وصبية يخطون خطى صغيرة فيها الكثير من الدهاء والخبث الطفوليين والخطايا الصغيرة ...الأقاويل والحكايات التي تشكل في عالمهم عالما آخر غير ما تشكله لنا نحن الكبار حيث كنا ذات طفولة صغارا

هل كان السحر في الكلمات المشتبكة بالطبيعة والثلج واللوز والوديان والجبال وكروم العنب والتين ...النواطير وطيارات الهوا والحب حالة لا تنفصل عن هذه الطبيعة والحب في كل شيء تغنيه .. للحبيب ، للوطن، للام، للولد، للشجر ، وتعبر عنه بالتفاصيل الصغيرة التي تدخل كل واحد منا صورة الاشياء. أم هي عبقرية الصوت الذي يحمل كل المعاني في كل اللحظات المفرحة والموجعة المخجلة والفخورة والمبدعة.

أم هي الموسيقى التي صنعت بكل ما اوتي السحر من روعة؟.

حتى تصل لنا أغاني الرحابنة وتظل تملك من وجداننا الكثير .. اين نحن من معجزة ابداعية بهذا الانسجام ،ايتها النجمة العالقة في السماء كم اغبط الموسيقى عليك وانا ممتنة لكل لحظة تستطيعين فيها اعادتي إلي..في زمن ما،أعوام تختصرينها في لحظات.

أعود لطفلتي التي أتمنى أن تتشكَّل في ذاكرتها وذائقتها أدب وفن جميل يسمو بها عن ترهات وابتذال هذا الزمن الرديء


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى