الأحد ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم إدريس ولد القابلة

فؤاد عالي الهمة رجل الدولة القوي الذي أنقذ العنيكري

يعد فؤاد عالي الهمة عين الملك محمد السادس على ما يجري، لاسيما بخصوص فضاءات تهييئ القرارات الكبرى، وبذلك يعتبر الرجل القوي، ضمن محيط الملك ومهندس الأجهزة الأمنية وصاحب خطة إضعاف الأحزاب.

فهل بهذه الصفة، وانطلاقا من موقعه، يعتبر منقذ الجنرال حميدو العنيكري من السقوط بفعل تداعيات ملف "إسكوبار الشمال"؟

ثم هل هناك فعلا علاقة بين ملف المخدرات والجنرال العنيكري؟ وهل هذه العلاقة هي التي أبعدته من رئاسة المديرية العامة للأمن الوطني؟

وهل يمكن اعتبار الجنرال العنيكري، استفاد حقا من حماية فؤاد عالي الهمة؟ أم أن فرصة انكشاف أمر بارون المخدرات كانت فقط سانحة للتخلص من بعض رموز الماضي التي كثرت الإشارات بخصوصها؟

وقبل هذا وذاك، هناك تساؤل عام يظل قائما، وهو: هل تداعيات ملفات التطرف الإسلامي، وملف المخدرات على وجه الخصوص، تعتبر من المؤشرات الدالة على أن فؤاد عالي الهمة هو رجل المرحلة الحالية والمستقبلية؟

الهمة والعنيكري

هل تورط العنيكري؟ "ليس هناك دخان بدون نار"

لا يخفى على أحد اليوم، أن الشريف بين الويدان جرف برأس الجنرال حميدو العنيكري، وذلك بالرغم من أن مآله كان أخف، وبكثير، من مآل رؤوس سقطت بفعل تورطها الأكيد في براثين شبكات تهريب المخدرات.

اعتمادا على ما كشفه الشريف بين الويدان إلى الآن، واعتبارا لموقع الرؤوس التي أسقطها، ولطبيعة العلاقات التي كانت تربطه بعبد العزيز إيزو، واعتبارا للكيفية التي تم التخلص بها من العنيكري من المديرية العامة للأمن الوطني، من الصعب بمكان استبعاد علاقة الجنرال بتداعيات ملف المخدرات.

علما أن الجنرال العنيكري، هو الذي اقترح إيزو إلى المنصب الحساس لمدير أمن القصور والإقامات الملكية، وسيكون من قبيل المستحيل اقتراح شخص لمثل هذا المنصب دون القيام ببحث دقيق ومعمق بخصوصه. وإذا كان قد تم ذلك فلا يمكن، بأي وجه من الوجوه، عدم اكتشاف علاقاته الوطيدة ببارونات المخدرات، منذ أن التحق بالشمال كضابط ممتاز في بداية درب تألقه في المناصب الأمنية، والذي استعصى فهمه على الكثيرين من زملائه.

كما أنه من قبيل المستحيل كذلك، أن تكون الديسطي ومصالح الأمن الأخرى كالدرك الملكي جاهلة لطبيعة العلاقات التي ربطته ببارونات المخدرات على امتداد عدة سنوات، والتي كانت تزداد توطدا كلما ترقى.

هذا بالرغم من أن أكثر من مصدر أمني أقر بأنه لا يمكن تصور أن الجنرال حميدو العنيكري كان على علم بذلك، وإلا لم يكن للملك أن قد عينه مفتشا للقوات المساعدة، وإنما كان سيعفيه من أي مسؤولية، ولما لا محاسبته ومساءلته كباقي المتورطين.

وتذهب جهات أخرى إلى التأكيد على أن عبد العزيز إيزو يعتبر من رجالات الجنرال العنيكري، واقتراحه لمنصب مدير أمن القصور، فرضته رغبة الجنرال الحثيثة في وضع عيون له على ما يجري ويدور في الدوائر الأمنية المرتبطة بالقصر الملكي، وأن جميع التدريبات التي يخوضها رجال الأمن الخاص للملك تتم في مدارس تكوين الأطر التابعة للإدارة عامة للأمن الوطني باستثناء الملف الجوي الذي تتكلف به فرقة خاصة للدرك الملكي المكونة من طيارين متخصصين في المراقبة الجوية عبر طائرات الهيليكوبتر التي استوردها الدرك من الأمريكيين بعد ما كان يقتصر على طائرات فرنسا.

تجدر الإشارة إلى أنه بعد تأكد تورط عبد العزيز إيزو في ملف تهريب المخدرات، اقترحت "لادجيد" على الملك تكليف الدرك الملكي، بأمن القصور والإقامات الملكية، عوض مديرية الأمن الوطني التي ظلت تضطلع بهذه المهمة منذ فجر التسعينيات.

ومهما يكن من أمر، فإن موقع الجنرال حميدو العنيكري وطبيعة مسؤولياته الأمنية واطلاعه على التقارير الداخلية والخارجية بخصوص شبكات تهريب المخدرات وأعضائها تفرض أن يكون على علم بطبيعة العلاقات التي كانت تربط بعض عناصره ببارونات الشمال، لاسيما وأنه عايش عن قرب مختلف الملفات السابقة بهذا الخصوص، وهو من الدواعي التي تؤدي بالمرء إلى التساؤل حول تورط الجنرال، هل هو قائم أم غير قائم؟ وكما يقال: "ليس هناك دخان بدون نار".

هل أنقذ عالي الهمة حليفه العنيكري؟

إذا كان فرانسوا سودان صحفي "جون أفريك" محقا فيما أقره، بخصوص أجواء إخبار الجنرال حميدو العنيكري بإقالته من رتبة مدير عام الأمن الوطني إلى مفتش "مردا" من طرف حليفه التاريخي، فؤاد عالي الهمة، إلا أنه فاته أن يشير إلى الاجتماعات الماراطونية التي جمعتهما بمجرد انكشاف أمر مدير أمن القصور الملكية، عبد العزيز إيزو، إحدى عيون العنيكري بأمن القصور. وكلاهما (العنيكري وإيزو) كانا يشكلان إحدى اللبنات الأساسية للشبكة التي كانت تزود عالي الهمة بالمعلومات الإستراتيجية عبر "العلبة السوداء"، التي كان يشكلها مكتب فؤاد عالي الهمة "الحاضن الأمني" لجملة من رجاله. وتأكدت الحضانة الأمنية للجنرال حميدو العنيكري من طرف فؤاد عالي الهمة، بعد إبعاد الأول عن دائرة المقربين من الملك، وظل الخيط الرابط بين الجنرال وهذه الدائرة هو فؤاد عالي الهمة.

واعتبارا لطبيعة العلاقة التي كانت تربط بين الجنرال وعبد العزيز إيزو، وهذا الأخير بالشريف بين الويدان، المشبوه بعلاقاته بالمخابرات الإسبانية منذ بروز اسمه في ملف منير الرماش واكتشاف علاقته بالحاج أمل، عبر استمرار روابط هذا الأخير برجال الشريف بإسبانيا، كان من المنطقي جدا أن تكون الضربة التي تلقاها الجنرال قوية، إلا أن علاقته الوطيدة بفؤاد عالي الهمة وحضانته له خففت من وطأتها، وكانت تخريجة إبعاده من رأس الإدارة العامة للأمن الوطني وتعيينه مفتشا للقوات المساعدة، الطريقة المثلى لحفظ ماء وجه قطب فؤاد عالي الهمة، وتجنب انفجار قضية شبهة التورط المباشر للجنرال العنيكري.

وفي هذا الصدد كان إدريس البصري قد صرح لموقع "باقشيش" الالكترونية مؤخرا، قائلا: "إن إبعاد العنيكري من رأس الأمن الوطني أثلج صدري، لأنني كنت دائما أقول، إن هذا الجنرال وفؤاد عالي الهمة، لا يفقهان شيئا في تدبير الملف الأمني... أعرفهما جيدا وقد مارسا تحت إمرتي، وأقرانهما غير قادرين حتى على مراقبة مخفر شرطة".

اعتبارا للشكوك الكبيرة التي حامت حول تورط الجنرال حميدو العنيكري، سواء انطلاقا مما كشف حول عبد العزيز إيزو، أو ما هو في طور الكشف بخصوص تورط رؤوس أمنية وازنة في ملفات اليخلوفي والديب والرماش، كان لزاما على فؤاد عالي الهمة أن يبحث عن تخريجة يسل بها شعرة حليفه من عجين ملف المخدرات.

وبذلك هندس لإبعاده من الصورة وتجنيبه الضربة القاضية، التي لو تمت لألحقت أضرارا بالغة بفؤاد عالي الهمة وقطبه، وبالتالي موقعه على خريطة صنع القرارات.

هل العنيكري من رجالات فؤاد عالي الهمة؟

خبر الجنرال حميدو العنيكري الدواليب الأمنية، بدءا من الدرك الملكي ثم "لادجيد" و"الديسطي" قبل أن يعين مديرا عاما للأمن الوطني في يوليوز 2003. وبعد انكشاف أمر الشريف بين الويدان لم يعد يظهر مع المقربين من الملك كما كان سابقا، إذ كان من المعروف أنه رغم فارق السن بين فؤاد عالي الهمة (جيل الستينيات) والعنيكري الذي تجاوز سنه الستين، فقد حصل انسجام تام بينهما، وهو الانسجام الذي ظهر جليا بعد أحداث 16 ماي الأليمة، حيث أن عالي الهمة لا يمكن أن يوقع على أي تقرير حول هذه الأحداث دون استشارة الجنرال العنيكري، كما أن جميع الزيادات التفقدية التي سبقت زيارة الملك محمد السادس لأماكن الانفجارات، قام بها عالي الهمة وحميدو العنيكري باستثناء القليل الذي حضره الوزير السابق للداخلية المصطفى الساهل الذي نقل إلى مقر الأمم المتحدة بنيويورك.

وإذا كان جيل محمد السادس، وعلى رأسهم فؤاد عالي الهمة ومنير ماجدي وياسين المنصوري، يعتمدون مقاربة الانفتاح شكلا من أشكال التوافق على تقسيم المهام والسلطة تحت إمرة الملك، فإن الجنرال حميدو العنيكري من طينة "الأمنقراطيين" الذين ظلوا يعتمدون على الهاجس الأمني في مقاربتهم لمعالجة كل الأمور، بما في ذلك تدبير صراعه مع خصومه، بخصوص احتلال موقع الصدارة والاستمرار فيه. وحين لم يتمكن الجنرال العنيكري من احتلال موقع مثل الموقع الذي احتله الجنرال حسني بنسليمان أو الموقع الذي كان يحتله إدريس البصري، ولو ظاهريا على الأقل، كان لزاما عليه عقد "تحالف مقدس" مع أحد المقربين من الملك محمد السادس وأحد رجال ثقته، وكان فؤاد عالي الهمة في نظره أقصر السبل وأفضل الحلفاء يمكنه من الحفاظ على موقعه والبحث عن المزيد من تقويته.

وبالمقابل وجد فؤاد عالي الهمة في الجنرال حميدو العنيكري الشخص الذي سيمكنه من تقعيد قنوات لمركزة المعلومة، وهو "السلاح" الذي تمكن منه وأحسن استعماله لتقوية اقترابه من الملك وربح المزيد من ثقته وتغليب اقتراحاته ومشوراته عن اقتراحات ومشورات باقي المقربين. وبذلك نال ما طمح إليه، لدرجة أصبحت اقتراحاته وآراؤه تخترق، بشكل أو بآخر، كل القرارات الكبرى الحاسمة، بما في ذلك المجال الاقتصادي الذي يعد منير ماجدي الممسك الفعلي بخيوطه في الظل، وهنا تكمن بالضبط دائرة الصراع المستتر بين فؤاد عالي الهمة ومنير ماجدي في إطار توافق تام على المقاربة السياسية العامة المعتمدة. ومن هذا المنطلق يمكن رصد بصمات كل من هذين المقربين للملك في دوائر صناعة القرارات الكبرى، وذلك حسب ظرفية الصراع المستتر بينهما وموازين قواه.

وعلى هذا الأساس تتحدد مسافة الاقتراب من الملك والحظوة بثقته، ويبدو الآن أن الكفة بهذا الخصوص تميل لصالح فؤاد عالي الهمة، الذي برز أكثر من أي وقت مضى، بصفته الرجل الأقرب للملك والحائز على الحظ الأكبر من ثقته. لهذا يرى فيه الكثيرون رجل ثقة الملك الأول، و"بصري" العهد الجديد بحلة عصرية حديثة تساير متطلبات العصر وتليق بمقاربة "نيو مخزن" والنخبة "النيو مخزنية".

ومن مؤشرات هذا المسار، اضطلاع فؤاد عالي الهمة، منذ بداية العهد الجديد، بكل الملفات التي ساهمت في تقوية سيرورة الانتقال من العهد الحسني إلى عهد محمد السادس. وفي هذا الإطار برز فؤاد عالي الهمة في تدبير إشكالية إدريس البصري والتخلص منه بسلاسة وكياسة، وبشكل استحسنه المغاربة، وتدبير ملف تداعيات تصريحات الأمير مولاي هشام وخرجاته الإعلامية بالرغم من كل الرجات المؤقتة التي أحدثتها، كما يحسب له نهج تدبير ملف ما سمي بطي صفحة الماضي وتدبير ملف التطرف الإسلامي، وأغلبها لعب فيها الجنرال حميدو العنيكري دورا ملحوظا، إلى حد أن الكثير من المحللين اعتبروه رجل فؤاد عالي الهمة في الظل، بل ذهب البعض منهم إلى الاعتقاد أن هذا ما يفسر التعامل الخاص مع حالة العنيكري بخصوص مسؤوليته أو ارتباطه بجملة من الملفات التي أسقطت رؤوسا وازنة، ولعل تنحيته من فوق رأس المديرية العامة للأمن الوطني وإدخاله إلى "الكراج"، بتكليفه بمفتشية القوات المساعدة، كان بمثابة "تخريجة" لإبعاده عن الأنظار للتقليل من آثار ارتباطه بتداعيات بعض الملفات الساخنة (الشريف بين الويدان، الرماش، اليخلوفي....) التي أسقطت رؤوسا وازنة، ومن شأنها أن تسقط المزيد منها كلما تقدم البحث والتقصي في النوازل.

وتلك في نظر البعض طريقة سلسلة لتنحية الجنرال العنيكري من الصورة، دون هرج، باعتباره رجلا في جعبته الكثير من الأسرار.

ومرد ذلك، أنه أضحى الآن من الصعب دحض العلاقة القائمة بين تنحية الجنرال العنيكري من الأمن الوطني وورطة مدير أمن القصور الملكية وجملة من الرؤوس الأمنية والمخابراتية في ملف بارونات المخدرات.

كما يبدو أنه تم اعتماد هذا السبيل لإبعاد الجنرال العنيكري عن الصورة باعتباره أحد الأشخاص المشار إليهم بالبنان من طرف الحركة الحقوقية التي ظلت تطالب مساءلته.

فيما ذهب بعض المحللين إلى أن انفجار ملف الشريف بين الويدان، كسر مسار الجنرال العنيكري الذي حرق أشواطا في تقوية خلفيته رغبة منه في أن يصبح نسخة حديثة لشخصية البصري في المملكة، وكان على وشك امتلاك البطاقة البيضاء "Carte Blanche" في المجال الأمني لولا تحرك فعاليات المجتمع المدني بخصوص التنديد بالتجاوزات التي ارتبطت بفضاء "تمارة" الذي كاد يصبح "المعتقل السري للعهد الجديد" الذي يذكرنا بمعتقلات سنوات الجمر والرصاص، وهذا ما أقر الملك محمد السادس ببعض جوانبه في حديثه لجريدة "باييس" الإسبانية حينما أشار لبعض ممارسات المصالح الأمنية والمخابراتية.

ومهما يكن من أمر، يعتبر الكثيرون أن الجنرال حميدو العنيكري، شكل الجسر الذي مكن فؤاد عالي الهمة من مركزة المعلومة الإستراتيجية، لاسيما الأمنية منها، ومن يتحكم في معلومات من هذه الطبيعة، يمتلك إمكانية مسك خيوط "الفعل"، بشكل أو بآخر، في صناعة القرارات الحاسمة في مختلف المجالات. وهذا أمر لم يعد في حاجة للبرهنة عليه بالمغرب، إذ تأكد، بما فيه الكفاية وزيادة، في عهد الملك الراحل الحسن الثاني.

وفعلا، إن مسار الجنرال العنيكري الوظيفي مكنه من القيام بهذا الدور بامتياز، فهو كان بمثابة الرجل الأمني الأول بالمملكة والعارف، أكثر من غيره، بخبايا الملفات الخارجية، لقد كان على امتداد سنوات، الرجل الثاني في "لادجيد"، ثم مدير "الديسطي" ثم المدير العام للأمن الوطني، علما أن الجنرال بلبشير، رئيس المخابرات العسكرية، ظل قريبا جدا منه قبل إقالته وتعويضه بالكولونيل معيش.

كما يرى الأغلبية أن فؤاد عالي الهمة استغل الصراع القائم بين الجنرال حسني بنسليمان والجنرال عبد الحق القادري (الرئيس السابق للمخابرات العسكرية) من جهة، والجنرال حميدو العنيكري من جهة أخرى، لجعل هذا الأخير أحد رجالاته وجسره لمركزة المعلومات الأمنية الإستراتيجية والتحكم فيها، وقد تأكد القرب بينهما بعد 11 شتنبر 2001، ثم بعد أحداث 16 مايو 2003 الدامية بالدار البيضاء، وتتحدث عدة مصادر موثوق بها أن الجنرال حميدو العنيكري، والذي غيّر كليا جهاز المخابرات المدنية (لاديسطي)، كان دائما يغضب من الطريقة التي تتم بها تصفية بعض الملفات، فقد كان يغضب دائما حين تقدم لوائح العفو، وخاصة لأولئك الذين ورطتهم (لاديسطي) بعد أحداث 16 ماي الأليمة.

قوة الهمة

حسب المقربين، يسير فؤاد عالي الهمة بخطوات حثيثة نحو تأكيد موقعه كأقوى رجل في المملكة، وكمستشار من طينة خاصة للملك محمد السادس.

قد تكون العلاقة الطيبة المتميزة التي كانت تربطه بالملك (ولي العهد آنذاك) وهما تلميذان بالمعهد المولوي، قد ساعدت فؤاد عالي الهمة على التدرج السريع في أسلاك المهمات الحساسة، كما كان لهذه العلاقة دور جوهري ليصبح عالي الهمة أقرب المساهمين في صنع القرار، هذا بالرغم من الصراع الذي ظل قائما بينه وبين منير ماجدي بخصوص نيل المزيد من ثقة الملك.

إذا كان فؤاد عالي الهمة، بالأمس القريب، اكتفى بالتتبع القريب لمختلف الملفات الحساسة، فهو اليوم عين الملك في مختلف القضايا الكبرى، لاسيما وأنه تمكن من نشر شبكة علائقية في الظل مع مختلف الجهات التي من شأنها التأثير، بشكل أو بآخر في القرارات الحساسة الكبرى.

وبذلك يرى المقربون من القصر الملكي، أن فؤاد عالي الهمة يحتل موقعا بارزا في مدى قربه من الملك، وبالتالي أضحى يحتل أقوى موقع في سراديب القصر بخصوص بلورة الإستراتيجيات العامة، لذا نعته البعض بكونه الدرع الواقي للمملكة في جملة من المحطات التي توصف بالعصيبة (لاسيما بخصوص المجال الحقوقي وتداعياته والملف الأمني عموما، بل حتى الملف الانتخابي وملف اختيار الرجال الذين سيعينون على رأس الولايات والعمالات والمكاتب الوطنية وبعض القناصل والسفراء).

انكشفت قوة عالي الهمة في تعامله مع نهضة المجتمع المغربي والمطالبة بتكريس شعار التغيير على أرض الواقع، فعندما بدا أن المجتمع المدني لم يطاوع النظام في جملة من مخططاته وإجراءاته السياسية، كانت خطة عالي الهمة هي تأسيس نسيج مدني يتبنى ملف الانتهاكات والإصلاحات الدستورية، لكن بطريقة غير محرجة للنظام، وبذلك يكون قد نجح في ضرب عصفورين بحجر واحد: كبح سيرورة المجتمع المدني السائرة نحو تجذير المطالب والمواقف من جهة، ومن جهة أخرى جعل "المجتمع المدني" المتحكم فيه يتقدم كثيرا عن "المجتمع السياسي" وإظهار أن الأحزاب قد هرمت وشاخت.

وحسب عدة مصادر فإن عالي الهمة، كان الشخصية التي حاولت التفاوض مباشرة مع جميع المعارضين الساقين لنظام الملكي الراحل الحسن الثاني، بل أن الهمة كان الشخصية التي أعطت في السر تعليمات لبعض الفنانين لتأسيس جمعيات تنشط في المجتمع المدني، بل أنه (جر) أسماء كثيرة ووضعها على رأس هيئات وطنية كالمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان وهيئة الإنصاف والمصالحة (...)

ومن المحطات التي أكدت قوة رجل الظل هذا، الخطة التي اتبعها للتقليل من تأثير الخرجات الإعلامية الجريئة للأمير مولاي هشام، ابن عم الملك، لاسيما عندما دأب على تقديم النصائح والدعوة إلى تطوير نظام وإدارة الحكم بالمغرب، آنذاك هندس فؤاد عالي الهمة لخلق دينامية مناهضة، ذلك من خلال تفعيل دوائر جمعت فعاليات من مختلف المشارب (سياسيين، مجتمع مدني، ذوو الشهرة، نجوم في مختلف المجالات) اضطلعت، وبقوة، بالدفاع عن المقدسات والمناداة بفرض وجوب الاحترام لشخص الملك.

عالي الهمة يتحكم في المعلومة

تتجلى قوته بفعل تحكمه في المعلومة الإستراتيجية، فقد تمكن فؤاد عالي الهمة من تقعيد آليات لمركز المعلومات الأمنية، وأضحى الآن يتحكم في موقع إستراتيجي يخترق تأثيره كل دواليب وآليات صناعة القرارات الكبرى بالمغرب، وهذا ما يزيد من تقوية قربه للملك وموقعه كرجل ثقته.

لعب الجنرال حميدو العنيكري دورا هاما في تمكين فؤاد عالي الهمة من مركزة المعلومة الأمنية الإستراتيجية، آنذاك كان الجنرال يطمح إلى احتلال موقع أكبر من الذي يحتله، وزاد طموحه هذا بعد أن أصبح يلعب دورا رياديا في نطاق التعاون مع الفرنسيين والأمريكيين والسعوديين في المجال الأمني، وكان ينتظر عقد الجمعية العامة 76 للأنتربول في سنة 2007 بمراكش، ليؤكد هذا الدور، لكن الرياح هبت في اتجاه معاكس ولن يحضر هذا اللقاء بفعل تنحيته عن الإدارة العامة للأمن الوطني.

ومن العوامل التي ساعدت فؤاد عالي الهمة على التحكم في المعلومة الإستراتيجية، أنه تمكن من إحداث قطب، من المقربين للملك وللقصر، يساندونه، ومن هؤلاء ياسين المنصوري، كما أن تعيين مدني على رأس المديرية العامة للأمن الوطني، من شأنه أن يزيد من تحكمه في المواقع الإستراتيجية لصناعة القرارات الحاسمة، وهذا حسب تحكمه في المعلومات الإستراتيجية عبر مركزتها.

كما تمكن عالي الهمة بحكم تواجده المستمر بالمقر الرئيسي للمخابرات المدنية في تمارة من التقرب أكثر من شاب درس بفاس وتمرس بالعمل السري للجماعات الإسلامية، فعينه على رأس أقوى جهاز مخابرات في المغرب وهو عبد اللطيف الحموشي.

محطات تشير للقوة

من المحطات التي تشير لقوة موقع فؤاد عالي الهمة، اضطلاعه بملفات حساسة، وآخرها ملف التعاون الأمني مع إسبانيا في مجال مكافحة المخدرات والهجرة السرية والإرهاب والجريمة المنظمة.

ويعتقد الكثيرون أن دهاء فؤاد عالي الهمة، ساعده في تحقيق نجاحات فائقة في المهمات التي تكلف بانجازها، ومنها تلك المهمة التي هيأت الظروف المناسبة لتعيين إدريس جطو وزيرا أول، وكان فؤاد عالي الهمة قد أوحى لأحزاب الاستقلال والعدالة التنمية والحركة الشعبية والحركة الوطنية الشعبية بإصدار البلاغ الشهير الذي تلاه مباشرة تعيين وزير تقنوقراطي وليس وزيرا تابعا لحزب من الأحزاب. ولهذا يقر العديد من المحللين، أن فؤاد عالي الهمة هو الذي هندس لتعيين إدريس جطو وزيرا أول.

وهناك ملفات حساسة أسس عالي الهمة من خلالها قوته ووطد بها قربه للملك، وهي بالأساس الملف الحقوقي وملف الصحراء والملف الأمني وملف الانتخابات وملف الإسلاميين.
رغم أن فؤاد عالي الهمة ينفي أي تدخل في شؤون الأحزاب السياسية في المغرب، إلا أن آثاره ظلت قائمة ولقاءاته مع زعمائها دائمة.

ويبقى الملف الأمني أهم الملفات التي تعاطى معها فؤاد عالي الهمة في الظل وبصمت، وهو الذي دأب على اعتبار القضية الأمنية إحدى القضايا الحيوية والسياسة الأمنية، ما هي إلا لبنة في صرح البناء وليست البناء كله.

وانطلاقا من هذا المنظور، ظل فؤاد عالي الهمة يروج للفكرة القائلة بأن المصالح الأمنية ليست مكلفة بعد أنفاس المواطنين وإنما مهمتها الأساسية هي ضمان أمن البلاد والعباد ومحاربة التهريب والهجرة السرية والمخدرات والجريمة المنظمة.

وقد أسدى الجنرال حميدو العنيكري الكثير لفؤاد عالي الهمة في المجال الأمني، لاسيما بعد أن تمكن من مسك مفاتيح الخارطة الأمنية والاستخباراتية. ولما كان الجنرال العنيكري – حسب العارفين بخبايا الأمور – الزميل الأمني المفضل لعالي الهمة، فقد تمكن هذا الأخير من مركزة المعلومات الأمنية الإستراتيجية، وبذلك أضحى مكتبه بؤرة فوارة للأسرار، وبين جدرانه بلورت برامج وخطط المواجهات الاستثنائية ونهج التعامل مع الإشكاليات الأمنية الكبرى. بمكتبه نوقشت جملة من القضايا والملفات الحساسة وحسم فيها بخصوص أكبر الإشكالات: الأمن، الإعلام، الصحراء، الإرهاب، حقوق الإنسان، التطرف الإسلامي...

ومن المحطات التي كشفت قوة فؤاد عالي الهمة بجلاء، بعد أن أصبح وزيرا منتدبا لدى وزير الداخلية (وزير الداخلية الفعلي في الظل)، هندسته الدقيقة لاستقطاب بعض رموز الحركة الحقوقية المغربية وإقصاء جملة منهم من لائحة المرشحين لهيئة الإنصاف والمصالحة.

كما أنه، بخصوص المجال الحقوقي بالصحراء، نجح في تطبيق الإستراتيجية التي أدت إلى إغلاق مكتب فرع منتدى الحقيقة والإنصاف بالعيون، بدعوى ارتباطات أعضائه بأطروحات الانفصاليين، ورغم كل الارتسامات المأخوذة من ملف الصحراء من جنرالاته وجنوده وأجهزته، فإن عالي الهمة هو المهندس الحقيقي المالك الفعلي لأسرار هذا الملف الموروث عن الملك الحسن الثاني، فقد أكدت لنا عدة مصادر، أن عالي الهمة كانت له معلومات دقيقة ومفصلة عن كل عضو من أعضاء المجلس الاستشاري للشؤون الصحراء، المعين مؤخرا، بل أنه هو الذي فرض في آخر المطاف اسم خليهن ولد الرشيد، رغم احتجاج عدة قبائل صحراوية.

فمن خلال الدور الذي قام به عالي الهمة، يبدو أنه هندس لنوع من التوافق والموازنة بين مطالب الحركة الحقوقية في أوجها والمتطلبات السياسية الأمنية المعتمدة. وهنا تجدر الإشارة إلى أن فؤاد عالي الهمة كان يرغب في مساءلة الجلادين والكشف عن أسمائهم. وكانت النتيجة التوصل إلى توافقات بين تحقيق خطوات في المجال الحقوقي والسياسي وتشبث بعض رموز الماضي بمواقعهم الحساسة.

وكان لزاما على فؤاد عالي الهمة، لتحقيق هذا المبتغى مع تلميع صورة القصر والنظام، أن يتحالف مع بعض أقطاب الماضي، لاسيما الجنرال حميدو العنيكري، الذي أصبح أحد رجالاته، علما أن هذا الأخير شكل رحى إقامة "الغرفة السوداء" التي تمركز المعلومات الإستراتيجية. وهي التي مكنت عالي الهمة، بفضل، حليفه العنيكري في الظل، أن يصبح شخصا لابد من المرور عليه لتهييئ القرارات الكبرى.

وقد بدأ هذا التحالف عندما كان كاتب دولة بوزارة الداخلية، منذ حكومة عبد الرحمان اليوسفي، آنذاك برز فؤاد عالي الهمة في الظل، كمفاوض أول بخصوص الإشكالات المستعصية. وقد نجح في مهمته، وهذا ما مكنه من تقوية وتقعيد موقعه لتصبح كلمته مسموعة في مختلف دواليب صناعة القرارات الحاسمة، رغم عدم ظهوره في الصورة. واستمر على هذا الدرب بخطوات ثابتة بعد مسكه بخيوط الملفات الحساسة الكبرى، والتعرف على ما يكفيه من خباياها للتأثير في القرارات بخصوصها.

ولم يستثن فؤاد عالي الهمة المجال الاقتصادي من اهتماماته، وقد تبين هذا الاهتمام بمناسبة تداعيات الصراع بخصوص رئاسة الكونفدرالية العامة للمقاولات المغربية. وقد كان من مساندي عزيز أخنوش، في حين ساند حسن الشامي (الرئيس السابق للكونفدرالية) كميل بنجلون. وفي هذا الصدد انكشف قطب فؤاد عالي الهمة في المجال الاقتصادي. حيث ضم هذا القطب، إضافة لعزيز أخنوش، مصطفى باكوري ويوسف العلوي ومحمد بنصالح ومجيد التدلاوي ومصطفى أمحال.

وفي المجال الديبلوماسي، برز الطيب الفاسي الفهري والسفير السجلماسي، أما في مجال الإدارة العمومية، تأكد أن منير الشرايبي ومحمد حصاد وشكيب بنموسى (منذ كان مديرا عاما على رأس شركة "براسري دوماروك")، من أعضاء قطب فؤاد عالي الهمة.

لقد شكل فؤاد عالي الهمة قطبه هذا، لمواجهة قطب محمد منير ماجدي، المكلف بتدبير ثروة العائلة الملكية، والذي كان له قطبه القوي كذلك للتأثير في صناعة القرارات ولتقوية اقترابه من الملك والحظوة بمزيد من ثقته.

والمقربون من عالي الهمة يؤكدون أنه، رغم المزايا التي يتمتع بها فإن له نقط ضعف، تتعلق بالمفاوضات مع الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في الملفات الاقتصادية والأمنية، وهي الملفات التي تهيمن عليها جهة (أل الفاسي الفهري)، مما حدا بالوزير عالي الهمة إلى برمجة رحلات تكوينية اقتصادية وأمنية للعديد من المقربين منه، توجهوا على دفوعات إلى واشنطن ونيويورك ونيوجرزي.

فشل المقاربة الأمنية "العنيكرية" ووجوب مقاربة جديدة

أقر أغلب المحللين السياسيين بالفشل الذريع للمقاومة الأمنية الصرفة التي اعتمدها الجنرال حميدو العنيكري، عندما كان مديرا عاما للأمن الوطني، ولعل التخلي عن شرطة القرب، مباشرة بعد إبعاده من منصبه الأمني، يعتبر أحد المؤشرات القوية على الإقرار بهذا الفشل، والشروع في اعتماد مقاربة أمنية جديدة ستكون لا محالة من هندسة فؤاد عالي الهمة، حسب مصدر مطلع.
وفي هذا يبرز دور المدير العام الجديد للأمن الوطني، شرقي اضريس، وهو أحد المقربين من فؤاد عالي الهمة، منذ التحاقه بوزارة الداخلية وبداية مشواره بها، وازداد قربا منه في عهد الملك محمد السادس.

وأثارت المستجدات (إبعاد العنيكري ورموز أمنية ومخابراتية) من جديد، وبقوة، موقع الجنرال حسني بنسليمان، الذي أضحى يبدو حاليا كأبرز رموز العهد القديم (قيدومها)، بجانب الجنرال عبد العزيز بناني، وهما اللذان ما زالا يحتلان مواقع أمنية حساسة وإستراتيجية.

كما أن تدخل الملك في تفعيل البحث والتقصي، بخصوص ملف بارونات المخدرات وتواطؤ المسؤولين الأمنيين، ساهم في فرض تجاوز الحدود التي كان يقف عندها التنقيب عن الحقيقة لطمسها وإقبار الملفات في المهد. وبدأنا نلاحظ إثارة جملة من قضايا تورط عناصر وازنة في الملفات السابقة بدءا بملف اليخلوفي ومرورا بملفات حميدو الديب ورشيد التمسماني ووصولا إلى ملفي الرماش والشريف بين الويدان والبقية آتية لا محالة، إن أخذ التحقيق مساره العادي وحضرت الرغبة الفعلية في أن يطال القانون الجميع، ومهما كان موقعهم.

وفعلا أخذت مؤشرات في الظهور على السطح تدريجيا، وإذا ذهب التحقيق إلى مداه، فمن الأكيد أنه ستسقط رؤوس وازنة أخرى، أو على أقل تقدير ستسهل الحقائق المكتشفة عملية التخلص من رموز العهد السابق التي ظلت تتحرك في الظل وتضغط بكل قوتها من أجل عدم تجاوز حدود حمراء حددتها مسبقا، تضمن لها عدم التأثر بتداعيات انكشاف جملة من الحقائق بخصوص الفساد المستشري ومسؤوليتهم المباشرة وغير المباشرة فيه.

بفعل هذه المستجدات بدأت معالم الصورة تتضح بخصوص الملف الأمني، إذ تم تعيين المقربين من القصر الملكي في المواقع الأمنية والمخابراتية، وآخر هذه التعيينات تنصيب المدير العام الجديد للأمن الوطني الذي خلف الجنرال العنيكري المبعد من هذه المسؤولية.

إن المدير العام الجديد للأمن الوطني يحظى بثقة الملك، وظل قريبا جدا من فؤاد عالي الهمة كاستعلاماتي. ويعتبر حاليا كل من فؤاد عالي الهمة وياسين المنصوري وشرقي اضريس، تحت إمرة الأمير مولاي رشيد بتكليف من الملك، القطب القائم على تدبير المقاربة الأمنية الجديدة. وهي مقاربة تسعى حاليا، ولو شكليا في البداية، إلى إحداث قطيعة مع المقاربة الأمنية المعتمدة سابقا وهذا على اعتبار أنها عبرت بجلاء عن فشلها، سواء على مستوى آثارها على أرض الواقع، أو على مستوى تورط جملة من مبلوريها والمسؤولين على تطبيقها وتفعيلها، في فضائح كبرى أكدت الدرجة الكبيرة لاستشراء الفساد.

ومن الأهداف المركزية للمقاربة الأمنية الجديدة يمكن ذكر في المقام الأول قطع الطريق على الإسلاميين للوصول إلى مقاليد السلطة والتموقع بقوة في الحكومة مستقبلا. وهذا في وقت يقع فيه المغرب تحت مجهر أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، لكن بالرغم من أن الملفات الأمنية وملف بارونات المخدرات ساهمت في إسقاط جملة من الرؤوس، وأبرزت من جديد تساؤلات قوية بخصوص رموز الماضي، الذين ما زالوا يحتلون مواقع حساسة، فإن التساؤل الأهم هو: متى سينتهي زمن الفساد بالمغرب؟

إن انفجار حقائق ملف بارونات المخدرات والملفات الأمنية (أنصار المهدي، حزب التحرير الإسلامي)، كان بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس، وهذا بشهادة الجميع. ومن بين الشخصيات التي دفعت قسطا يسيرا من الفاتورة الجنرال حميدو العنيكري، ومع ذلك يظل محظوظا بفعل الدور الذي لعبه فؤاد عالي الهمة، منقذه من الهاوية في نظر الكثيرين. فبفضل هذا الأخير كانت الضربة التي تلقاها الجنرال أقل وجعا مقارنة بالضربة القاضية التي كانت من نصيب بعض الرؤوس أو التي ستتلقاها لاحقا رؤوس أخرى، مع تقدم التحقيق التفصيلي في نازلة بارونات المخدرات وتوابعها الماضية واللاحقة. ولا ننسى كذلك أن ملف الشريف بين الويدان، قد أعاد إلى الواجهة إشكالية الفساد المستشري وسط مؤسسة الجيش والأجهزة الأمنية. وهي الإشكالية التي كان رموز الماضي يواجهون التطرق إليها بشدة وبقسوة بالأمس القريب، ويهاجمون بكل ما أوتوا من قوة كل من سولت له نفسه التطرق إليها.

لكن الآن، وبعد انكشاف جملة من الحقائق، أضحى من اللازم إيلاء هذه الإشكالية ما تستحقه من أهمية رغم صعوبة الظرفية، وأضعف الإيمان هو دعوة "الرموز" الذين عمروا طويلا في مواقعهم للمبادرة بتقديم استقالتهم في صمت ودون ضجيج، وهذا خير أكيد لهم وللبلاد وللمغاربة، خصوصا وأن الحقائق تأكدت بما فيه الكفاية وبجلاء.

ماذا قالوا عن فؤاد عالي الهمة؟

شخصية فؤاد عالي الهمة ودوره الحالي وطبيعة علاقته بالملك، كلها قضايا ظلت تشغل بال الكثيرين، أسبوعية "المشعل" اتصلت ببعض الشخصيات واستفسرتهم بهذا الخصوص..

أحمد الصبار رئيس المنتدى المغربي للحقيقة والإنصاف

الصحافة المغربية أحيانا تنتج لنا ما يسمى بالبعبع

أعتقد على أن هناك تقسيم للأدوار بشكل جيد ويحافظ على الإستراتيجية العامة للدولة.
لا يمكن الجزم إن كان عالي الهمة يغلب الجانب السياسي التواصلي على الجانب الأمني المحض، فالجانب الأمني يقتضي سياسة تواصلية من أجل بلوغ الأهداف المتوخاة، وأعتقد أن الارتكاز على هذا الجانب وحده، غالبا ما يؤدي إلى نتائج عكسية، وبالتالي يبدو على أن هناك نوع من التغيير في الأداء مع الاحتفاظ طبعا بجوهر الأمور كما هو.

أعتقد أنه لكل زمن رجالاته ،وبالتالي في كل تجربة هناك وزراء يكون لهم نوع من الثقل، فكما هو معروف الآن في بريطانيا، يمكن القول إن وزير المالية يشكل مركز الثقل وبالتالي هو المرشح الأوفر حظا لخلافة بلير، أعتقد على أن الصحافة المغربية أحيانا تنتج لنا ما يسمى بالبعبع، وأعتقد على أن هناك تقسيم للأدوار بشكل جيد وبشكل يحافظ على الإستراتيجية العامة للدولة.

بالنسب لإزاحة حميدو العنيكري من الإدارة العامة للأمن الوطني هناك خبايا غير متاحة للعموم، وربما غير متاحة حتى لبعض المقربين لمراكز القرار، يبدو أن السبب الظاهري المعروف هو ملف بين الويدان وتورط عدد من رجال السلطة ورجال في مواقع مهمة سواء في الأمن أو في القوات المساعدة، لكن نعلم جميعا، وكما علمتنا التجربة، على أن حملات من هذا النوع، غالبا ما لا تخلو من تصفية حسابات.

محمد خليدي الأمين العام لحزب النهضة والفضيلة

لا يمكن لعالي الهمة أن يكون بصريا جديدا، لأنه هو الذي عمل على عزله

إني أكن كل الاحترام والتقدير للسيد عالي الهمة، لكونه يعمل دائما في إطار الوضوح والشفافية، من أجل حماية واستقرار البلاد، كما يملك ثقة صاحب الجلالة.

لقد نجح عالي الهمة، في فتح حوار مع كل الأطراف السياسية، منها الحوار الذي فتحه مع الوسط ومع الحزب الاشتراكي الموحد ثم حواره مع حزب العدالة والتنمية.

إنه يد الملك اليمنى، الذي يعمل في الظل من أجل استقرار البلاد.

أما فيما يخص كون عالي الهمة هو بصري العهد الجديد، بطريقة حداثية، فإنه قول غير صحيح لكون عالي الهمة هو الذي عمل على عزل إدريس البصري، وبالتالي لا يمكن لعالي الهمة أن يتقمص شخصية كان يرفضها.

أكثر من هذا، فإن أسلوب عمل عالي الهمة، يختلف تماما عن أسلوب عمل إدريس البصري، لكون الهمة يؤمن بالحوار وسياسة التوافق، كما أن إستراتيجية عمله تعتمد على المزج بين الحس التواصلي والحس الأمني، وإن كان يغلب أكثر الحس التواصلي، خصوصا بعد أحداث 16 ماي، التي جعلته يفتح الحوار مع الحركة الإسلامية من أجل تصحيح الخطاب الإسلامي.

وعلى أي، فسواء تعلق الأمر بعالي الهمة أو إدريس البصري أو أي شخص آخر، فإن الذي يجعل البلاد تسير في الطريق الصحيح هو تقعيد العمل المؤسساتي.

مولاي إسماعيل العلوي الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية

اسألوا الملك إن كان الهمة يده اليمنى

في الحقيقة، ليست لي علاقة وطيدة بالسيد عالي الهمة، فكل ما يربطني بهذه الشخصية هو بعض الاتصالات السياسية.

لكن على ما يبدو، إنه رجل طيب، مهذب، متزن وبشوش، وهذا ما أستطيع قوله في حق رجل لم أحتك به، بما فيه الكفاية، حتى أعطي رأيا عميقا في حقه.

أما فيما يخص من يعتبره يد الملك اليمنى، فأنا عاجز عن الإجابة على هذا السؤال، وإن كنت أعتبر أن مثل هذا السؤال يجب أن يطرح على الملك وعلى عالي الهمة، لأن هما اللذان لهما الحق في الإجابة عليه.

كما أني لا أتفق مع من يعتبر عالي الهمة، بصري العهد الجديد، بطريقة حداثية، لأنه لا يمكن أن يتكرر نفس السيناريو، ففي المرة السابقة كانت مأساة، تحولت فيما بعد إلى تراجيدية.
أما حاليا فلا أعتقد أن الأمور تسير بنفس الشكل.

عبد الله أزماني الأمين العام للاتحاد المغربي للديمقراطي

الهمة قام بدور رائد في قيادة وزارة الداخلية بعد البصرى

+ علاقتي بعالي الهمة علاقة تقدير واحترام متبادل، لكني لم أشتغل معه من قبل، حتى أستطيع أن أقيم شخصيته،غير أني أعرف أنه رجل مقتدر وملتزم وملكي حتى النخاع، أتبث خلال الفترة التي تتسلم خلالها المسؤولية، على أنه رجل مضطلع ويدري ما الذي يفعل.

عمله يأتي في تسلسل وترابط مع التصورات والبرامج القريبة والبعيدة لصاحب الجلالة، وقد أحرز درجة عالية من الالتزام بهذه التعليمات والتوجهات، حيث أن عمله يرتكز على ثلاثة محاور: الأمن، التنمية والديمقراطية، فهو يحاول الربط بين هذه المحاور وفق المرحلة والظروف، كما أنه يحاول أن يدير الأمور وفق تصورات صاحب الجلالة، بالنظر إلى أنه على معرفة شخصية بجلالة الملك، ومستوعب للمشروع الديمقراطي للملك محمد السادس.

أن نقول إن عالي الهمة رجل المرحلة وإنه يمثل دور البصري بالنسبة للعهد الجديد، أظن أن هذه عملية سيرورة، أن يكون عالي الهمة أو غيره هذا عمل إرادي ،بمعني أنه ليس متروكا للظروف والصدفة، و أنه بحسب مواهب وقدرات الشخص، عمله، طموحاته وكذا فعاليته في تنفيذ التعليمات ووضع التصورات، أظن حتى نكون موضوعيين، يجب أن نناقش الشخص من خلال إنجازاته. وأظن أن عالي الهمة يقوم بدوره، وقام بدور رائد بقيادة وزارة الداخلية بعد إدريس البصري، و أنه أحرز تقدما ونجاحا نسبيا ومرحليا.

حوار مع الصحفي خالد الجامعي

عالي الهمة "مشاوري خدام عند سيدو"

يعتقد الصحفي خالد الجامعي، أن بروز رجال فوق العادة بالمغرب، يرجع بالأساس للمغاربة الذين يقبلون بظهور مثل هؤلاء ويتعاملون معهم على أساس أنهم هم الدولة، ويمنحونهم دور و"شرعية" لا يقر بهما لا الدستور ولا القانون، وهذا ما وقع مع البصري، حيث انخرطت الأغلبية -عن وعي وعن غير وعي- في تقويته على النظام المؤسساتي.

وكشف في حديث مع أسبوعية "المشعل" عن قراءة خاصة لشخصية فؤاد عالي الهمة، وحلل دوره في خريطة صناعة القرار السياسي بالبلاد

 كيف تقرؤون شخصية فؤاد عالي الهمة؟

+ لست مختصا في دراسة الشخصيات كوني لست طبيبا نفسانيا.

 من موقعكم كسياسي، كيف تشخصون تحركات عالي الهمة؟

+ قراءتي لشخصية عالي الهمة هي متعددة الجوانب، لكن الحكم عليها لا يبقى مطلقا، أولا عالي الهمة يتمتع بأخلاق عالية وهادئ بطبعه، بشوش في وجه الناس من خلال علاقاته الإنسانية بمن حوله، على امتداد علاقتي به، لم يخطئ الحساب في حقي يوما أو صدر منه أي فعل غير سوي أو معاملة غير لائقة. ويمكن القول مجملا إنه يتوفر على (طابلية المخزن)، وهذه حقيقة يكتسبها من خلال سلوكه الحسن وتصرفاته العادية في التعامل مع الآخر، وقد سبق أن قصدته في العديد من المرات لحل مشاكل المواطنين ولم يتهاون مرة في مساعدتي في هذه الأمور أو قال "لا"، الحق يقال.

 هل حقيقة أن فؤاد عالي الهمة هو اليد اليمنى للملك ؟

+ الملك لا يملك يدا واحدة يمكن حصرها في عالي الهمة أو غيره، للملك حساباته الخاصة في التعامل مع كل الذين يدورون في دائرته، من ذلك يصعب التكهن في مثل هذه الحالات.

 هل يمكن القول إن الهمة أصبح هو بصري العهد الجديد؟

+ بالفعل هو بصري العهد الجديد، ودون منازع، وهذا الأمر يرجع للمغاربة الذين يقبلون بمثل هذه العناصر ويتعاملون معها على أساس أنها هي الدولة، وهذه الإشكالية مطروحة أمامنا الآن، لأنه عندما أجلس مع عالي الهمة أناقشه في أمور السياسة، فإني أعترف به وأعطيه شرعية لا يمنحها له لا الدستور ولا القانون ولا أية جهة، فيتم هذا النقاش في إطار ما يسمى بـ (الفعل المخزني) ويبقى بعيدا كل البعد عن النقاش في إطار دولة القانون ودولة المؤسسات ويندرج في إطار الدولة المخزنية، وهذا هو المشكل الذي يتم بفعله تقوية شخصيات وإعطائها أكثر من حجمها، فتصبح من قبيل "البصري" أو "أوفقير" وما إلى ذلك. لذلك أقول إنه إذا قبلت أن أناقش "الهمة" في مشاكل غير أمنية، تدخل في اختصاص الوزارة التي يشرف عليها بموجب القانون المغربي، كأن أناقش معه مثلا مشاكل الاقتصاد أو أي أمور أخرى تهم سياسة البلاد، فإني أكون قد باركت "النظام المخزني" وانخرطت في تقويته على "النظام المؤسساتي". وأكون بهذا الفعل قد سلكت المنهج غير الديمقراطي، ومارست كذلك فعلا يتنافي ومبدأ فصل السلطة، إضافة إلى أني أقوي بهذا الفصل أيضا "عالي الهمة" وأمنحه صفة لم يمنحها له الملك نفسه، لأن الملك لم يسلمه ظهيرا ملكيا يمنح له هذه الصلاحيات التي نتعامل معه نحن على أساسها، وهذا أمر غريب جدا أن نتعامل مع الرجل بصفة لا يملكها لا من طرف الملك ولا من الدستور ولا من أية جهة فقط، نحن من جعل منه عملاقا، كمن صنع تمثالا وصار يعبده.

 أصدرت "جون أفريك" معلومات تفيد أن عالي الهمة هو من سلم شخصيا أوراق إعفاء العنيكري من إدارة الأمن الوطني، هل يعني هذا أن الهمة أصبح الرجل الحديدي في المغرب؟

+ كان على "جون أفريك" أن تفيدنا أولا، حول من جاء بالعنيكري وقدمه للملك؟ ومن هي الجهة التي مكنته من كل المسؤوليات التي تعاقب عليها في عهد محمد السادس؟ أليس فؤاد عالي الهمة من قدمه أول مرة للملك!! من ذلك يتضح على أن "جون أفريك" نشرت إفادة موجهة من طرف جهات من داخل المغرب، خاصة وأننا نعرف العلاقات التي تربط "جون أفريك" بالدولة المخزنية بالمغرب، وتجلى هذا واضحا من خلال مشكل الأمير مولاي هشام، والهجمة الإعلامية الشرسة التي شنتها "جون أفريك" عليه، مقابل أتاوات مالية مهمة.. إلخ... ولا شك أن العنيكري ظل دائما "أدجيدان" ولا يمكن أن يتجاوز هذا الوضع، وأعود للقول مرة أخرى إن المغاربة هم الذين أعطوه هالة أكثر من حجمه وجعلوا منه بطلا من ورق، لأن الفكر المخزني لازال يسيطر على العقلية المغربية، لذلك تجد معشر المغاربة يترجمون فعليا مثل (الله ينصر من أصبح) بالأمس كان العنيكري الساعد الأيسر للملك واليوم أصبح (شاف ديال لمرود) أو (شباكوني كبير) أو (شاف ديال بوزريوطة) وغيرها من نعوت التحقير أو الاستخفاف، وشخصيا لا أعتقد في يوم من الأيام أن العنيكري كان قد شكل خطرا على أية جهة، فلو كان ضابطا في المؤسسة العسكرية يتحكم في فيالق من الجيش يمكن أن يشكل شيئا من الخطر، لكن الرجل الذي كان على رأس الأمن الوطني، هل يتسنى له تشكيل خطورة بالبوليس، أو أن يقوم بانقلاب بواسطة رجال الشرطة، لم يحدث هذا في تاريخ البشرية!! إذن من يكون العنيكري هذا لتقام الدنيا ولا تقعد لأجله؟ فقط كما أشرت سابقا إننا نحن معشر المغاربة، نبالغ في الأشياء ونصنع منها (بوعوات).
المشكل بالنسبة لي لا يهم أن يكون اسمه العنيكري أو فؤاد عالي الهمة، لأنه يجب تحديد الأشياء.
عالي الهمة هو فقط مسمى (المدلول) المهم هو (الدال) وهذا الأخير هو "المخزن"، هذا (المدلول) كان اسمه في فترة من فترات الزمن المغربي – أبا احماد – ثم أصبح اسمه – أوفقير – ثم – الدليمي – والبصري، ثم الميداوي وجطو، ثم الساهل واليوم اسمه فؤاد عالي الهمة، وغدا قد يصبح اسمه (الجيلالي بوقطعة) من ذلك لا تبقى الأهمية (للمدلول) وإنما في "النظام المخزني"، وهنا تجدر الإشارة إلى أن العنيكري كان يريد أن يصبح رجل (المخزن) لكنه لم يسمح له بذلك.

 هل صحيح أن فؤاد عالي الهمة هو كاتب خطب الملك؟

+ لا أعتقد، لأنه بتحليل لغوي بسيط للخطب الملكية، يتضح أنه يحمل عدة مستويات، بمعنى أن كاتبه ليس واحدا إنما هم جماعة، فكل فقرة من الخطاب تعبر عن مصدر كاتبها، وهذا هو الفرق مع الملك الحسن الثاني، الذي كان يملك قدرة هائلة على التأليف بين أفكار جميع مستشاريه وصياغتها بأسلوبه الخاص، فيتعذر عليك معرفة الإملاءات التي توصل بها ممن يدورون في فلكه، أما الخطب الملكية الحالية في نظري هي أشبه بلوحة متعددة الألوان بتعدد المتدخلين فيها، كما لا أعتقد أن فؤاد عالي الهمة مختص في مثل هذه الأمور، لأنه لو كان يملك هذه الفصاحة لسمعناه في البرلمان يصول ويجول ولقرأنا له استجوابات صحفية، فقط هو استجواب صحفي يتيم نشرته يومية (الأحداث المغربية) عندما تحلله تجده ضعيفا للغاية، من هنا أقول إن عالي الهمة لا علاقة له بما يكتب للملك من خطب، ولا أعتقد أن هذه الرغبة تراوده.

 هل الملك يستشير عالي الهمة أكثر مما يفعل مع مستشاريه؟

+ الملك تجمعه بعالي الهمة صداقة كانت أيام الدراسة بالمدرسة المولوية وغيرها، كما كانت العلاقة بين هارون الرشيد وجعفر البرمكي، إلا أن هذه الأمور لا يجب الوثوق بها ثقة عمياء، خاصة وأن دواليب الحكم لها حساباتها وظروفها كذلك، أما الملك فأعتقد أنه يستشير الجميع وليس المغاربة فقط إنما الأجانب أيضا، فرنسا، أمريكا، وهذه الاستشارة الخارجية تأخذ الحيز الأكبر نظرا لأهميتها، وللملك الحق في ذلك لأن هؤلاء يتوفرون على رؤى شاملة للعالم بأكمله كما يتوفرون على معلومات كافية ودقيقة بخصوص كل ما يروج فوق الكرة الأرضية. ويملكون إلى جانب هذا قوة التدخل والتأثير على سياستنا الداخلية.. إلخ...

لذلك علنيا ألا نضخم الأشياء، وأنا لا أتفق على أن نجعل من الملك محمد السادس مجرد دمية يحركها الآخرون، لأن الرجل أكبر من هذا وله مؤهلات وازنة، وهذا أمر يجب تسليط الضوء عليه بما يستحقه من العناية، إلا أن الاستشارة تبقى واجبة وصحية، كما أن الذي يؤثر على الملك في هذه الأمور هي الصحافة المستقلة الجريئة بكتاباتها المستقلة، فهو يقرؤها ويستفسر بخصوص المكتوب فيها الجهات المعنية بالكتابة، أما ما يصدره الإخوان المحترمون فلا تأثير له بتاتا على قرارات الملك.

 مجموعة من الملفات الكبرى تم تحريكها مؤخرا بالمغرب، كملف أنصار المهدي والمخدرات وجيش التحرير الإسلامي، هل لفؤاد عالي الهمة يد في تصريف هذه الملفات؟

+ يعتقد الكثير من المغاربة أن ما يجري بالبلاد، قد تم التخطيط والتدبير له من طرف جهة معينة، بصفة محكمة مع العلم لو أنهم عرفوا كيف تؤخذ القرارات في هذا البلد لثارت ثائرتهم، ليس هناك أي تفكير إستراتيجي أو أية دراسات مسبقة، فقط تسير الأمور (فيد الله) ولسنا أمام نظام حكم متحكم بطريقة عصرية منظمة في مجريات الأمور وتبعاتها، فالحسن الثاني كان يلعب الشطرنج ويضع القطع المناسبة في أماكنها ويفكر في حماية قطعه من الضياع، أما الآن فإذا ما اجتهدوا كثيرا سيلعبون (الضاما) ويلجأون في لعبهم لها إلى (النفيخ وشدان الواد) ليست لهم خطط مدروسة، أو رؤى مستقبلية محكمة، والدليل على ذلك أنهم فتحوا مجموعة من الملفات ولم يذهبوا فيها إلى النهاية، مرة أقاموا الدنيا ولم يقعدوها بدعوى، أنهم سيحاربون الفساد فكشفوا عن ملف (القرض العقاري والسياحي) وغيره من الملفات، لكنهم لم يواصلوا حربهم هاته ولم يعلنوا حتى عن النتائج التي وصلوا إليها من خلال هذه الحملة التي لم تكتمل، بعدها هللوا وطبلوا للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ولا يزالون على هواهم هذا، سائرون دون رؤى واضحة مما يجعل تسييرهم بدون ملامح.

 هل المخابرات المغربية تنسق بشكل مباشر مع فؤاد عالي الهمة؟

+ نعم لأنه الرجل الأول بالنسبة للمخابرات المغربية، لأن الملك بقدر ما يثق بمن يدورون في فلكه، بالقدر نفسه لا يكن لهم أية ثقة، وهذه المعادلة رغم غرابتها وبعدها شيئا ما عن المنطق إلا أنها حقيقة حية داخل دواليب القصر، والشاهد على صحة هذا الطرح، أنه لما تم تعيين المدير الجديد لمديرية مراقبة التراب الوطني الديسطي استقبله الملك على انفراد لما يقارب الساعة، حيث تم تغييب الوزير الأول وفؤاد عالي الهمة ومدير الأمن الوطني عن هذا اللقاء، في حين أن مدير الأمن الوطني هو الرئيس المباشر لمدير مراقبة التراب الوطني لأن هذه الأخيرة تابعة لإدارة الأمن الوطني، هذا الاستقبال الخاص من الملك لمدير المديرية يحمل إشارة قوية إلى مدير الأمن الوطني بأن لا سلطة له على مديرية مراقبة التراب الوطني، بنفس القدر توجد الرسالة المشفرة في الإشارة نفسها لوزير الداخلية، وعليهما التعامل مع هذا المدير على هذا الأساس، لأنه في اتصال مباشر مع الملك، وهذا أمر خطير يجسد الحضور القوي "للمخزن" وهي مفارقة غريبة جدا، هل رأيت أو سمعت يوما بالرئيس (بوش) يجالس رئيس الديسطي وقس عليه (شيراك) وغيرهم كثير، لأنه في البلدان الديمقراطية التي تحترم نفسها يعين مدير مراقبة التراب الوطني من طرف البرلمان بعد أن تقبل به اللجنة التي تنظر في أمر صلاحيته لهذا المنصب من غيرها وهل هو مؤهل للاضطلاع بمهام المخابرات أم لا وهل.. وهل..، وهذا مؤشر قوي في المغرب على استمرار عملية الإفلات من العقاب، لأن هذا المدير مسؤول أمام الملك ولا يحق لأي كان محاسبته أو معاقبته.

 ألا ترون أن مركزة المعلومات في يد عالي الهمة، تمكنه من الوقوف على العديد من الأسرار والملفات؟

+ لا أعتقد، لأنه لا يتوصل بالمعلومات كلها، لأنه في هذا البلد لا يمكن للواحد أن يمسك بجميع خيوط لعبة الخيوط، موزعة على مجموعة من الجهات، وكل فرد من هذه الجهات يجتهد في موقعه لإثبات وجوده أمام الملك، وهذا دليل على أن نظامنا غير مؤسساتي، يتعامل بمنطق الأشخاص، لذلك تجتهد تلك المجموعة في التفكير فقط في رضا الملك عنها بأية وسيلة، لدرجة أنهم يلجأون للكذب في بعض الحالات لإثبات وجودهم، وهذا وجه آخر من أوجه الخطورة التي يعرفها النظام غير المُمَأسَس، لهذا نرجع إلى سابق قولنا عن المخدرات والإرهابيين وغيرهم، إذ لا يعقل أن يطل علينا بن موسى في وقت من الأوقات، معلنا أنه فكك خيوط شكبة من 60 خلية، هل أفرخت هذه الخلايا هكذا دفعة واحدة؟ لنأخذ على سبيل المثال ما سموه بـ (أنصار المهدي) هذا الاسم الذي اختاروه له غير مستقيم، لأن اسم المهدي ارتبط "بالشيعة" أو "بابن تومرت الموحدي" وهل يعقل أن يطلق تنظيم على نفسه اسم "المهدي". هذا الأمر غريب جدا ولا علاقة له بالمنطق، ثم كيف تشاء الصدف المغربية، أن يتم كشف كل هذه الأمور دفعة واحدة، ملف "أنصار المهدي" الذي اختفى وراء فضائح المخدرات وعلاقتها بأمن القصر الملكي، ثم بعدهما تلك الخلية التي قيل إنها تخطط لاغتيال الملك ومحمد اليازغي والكحص والسياح الأجانب... ما يجري في المغرب فاق تنظيم "بن لادن"!! مع العلم أن المخابرات المغربية لم تعتر ولو على مسدس واحد.

 إذن من يحرك هذه الخيوط؟

+ في عهد الحسن الثاني، بعد تسلمه مقاليد الحكم، بما يقارب ثلاثة سنوات، انطلق مسلسل اختلاق المؤامرات الوهمية التي تم بموجبها اعتقال مجموعة من المغاربة بمختلف التهم والملفات، هؤلاء المعتقلين إذا تمعنت في ملفاتهم تجدهم لا يستحقون تلك العقوبات من الناحية القضائية، لأن الأحكام التي صدرت في حقهم كانت مبنية، إما على مجرد أفكار أو تجمعات غير مرخصة أو توزيع منشورات، من ذلك يتضح أنه وقتها كانت المخابرات المغربية ومن يدورون حول الملك يهدفون إلى إيهام الملك بأنه مهدد في ملكه، ويمكن القول صراحة، إننا نعيش نفس الوضعية الآن، التاريخ يكرر نفسه بنفس الصورة مع قليل من الإضافات، لكن الغاية واحدة وهي إخافة الملك من المطامع التي تهدد ملكه، مرة بالحديث عن خلايا نائمة وأخرى بخلق أوهام وسراب في طريق الملك، لذلك أقول إن كل الخلايا التي زعمت المخابرات المغربية، أنها فككتها ما هي إلا افتراءات وكذب وبهتان، الحقيقة الوحيدة في الموضوع هي أحداث 16 ماي 2003، ومن جهة أخرى يريدون بذلك الإثبات للملك أنهم العين التي تحرصه وإلا فما الفائدة من وجودهم، بل من كثرتهم!!

 هل لعالي الهمة دور في تقليم أظافر اليسار المغربي المعارض؟

+ تأكد أن فؤاد عالي الهمة منذ التحاقه بمهامه وهو يلعب هذا الدور الذي تحدثت عنه وهو فقط جزء من مهامه الكبرى، ويصح القول بأن ورقة اليسار المعارض هي التي يلوح بها عالي الهمة عاليا أمام الملك، لدرجة جعلته يتباهى أمام الملك بأنه طوع فلان، واستمال علان، وأقنع عمرا واتفق مع زيد و.. و.. هكذا تلوك الألسن، وبهذا المستوى يروج الحديث في الكواليس على هذا المنوال، بل من وظائف الهمة أن يستقطب عناصر اليسار المعارض قدر ما استطاع.

 انتقدتم جلوس حفيظ والساسي مع عالي الهمة مع العلم أنه سبق وأن جلستم مع الهمة قبلهما؟

+ جالست فؤاد عالي الهمة لما كان الملك وقتها وليا للعهد، وكان اللقاء ببيت الصحافية سميرة سطايل، وتحديدا في شهر رمضان، قبل أن يموت الملك الحسن الثاني، تم ذلك بطلب من فؤاد نفسه، وكان النقاش سياسيا بحثا، عرضنا فيه الحالة العامة للبلاد، خاصة وأن الحسن الثاني وقتها ألم به المرض، وكان الاستعداد جاريا للتهيئ لما بعد الحسن الثاني، فكان الحوار مطولا حول العديد من جوانب الحياة المغربية، هكذا كان اللقاء بيننا على أساس أني صحافي وبصفتي الشخصية كخالد الجامعي لا أقل ولا أكثر، ثم إن اللقاء كانت له حساباته بالنسبة لكل منا، هو يريد أن يرسم معالم الطريق إلى العهد الجديد، وأنا أطمح إلى تغيير ملامح الحياة المغربية عن طريقه، من خلال تشخيصي للوضع الحقيقي للبلاد ووضعه في الصورة الحقيقية للمغرب، وهذا الدور يمكن أن أقوم به في أية لحظة، لكن ليس في وضع شاذ، إنما في ما يتناسب وقناعتي ومبادئي التي عشت عليها ومن أجلها.

هي الزاوية التي تعرفت من خلالها على فؤاد عالي الهمة، وانقطع حبل اللقاء بيننا، ربما لأن تشخيصي لم تتناسب ورؤيته الجديدة للأمور بعد وصوله مراكز القرار، وأعتقد أنهم تسلموا المفاتيح دون تخطيط مسبق لكيفية تدبير شؤون البلاد، والدليل أنه لما تم عزل إدريس البصري، لم يكن ذلك بقرار سياسي، وهذا هو الخطأ الذي لم ننتبه إليه وقتها، لأن هذا العزل لم يأت ضمن إستراتيجية معينة، لأنه لو كان كذلك، لتبعه بنسليمان وفلانة وفلان..و...واللائحة طويلة وطويلة جدا، للأسف شيئا من هذا لم يحصل لأن الأمر لم يكن يتعدى حسابات شخصية تمت تصفيتها وانتهى الأمر.

ثم تم اللقاء مرة أخرى مع عالي الهمة، لكن بتدخل مني لأجل قضاء مصالح بعض المواطنين وحل مشاكلهم التي يستعصي حلها في مقام آخر، من بينها مشكل (أديب) الذي وصل حد الموت من خلال إضراب عن الطعام، مما اضطرني إلى التدخل لأجل إنقاذه من الموت، وتم بالفعل هذا الأمر، وقس على ذلك مشاكل أخرى من نفس الحجم، أجبرتني على الاتصال به لحلها إضافة إلى أني لم أجالسه كزعيم حزب أو ما شابه ذلك، ولم أتفاوض معه حول قضية أو مبدإ، كما أني جلست معه لما كان، كما يقال (دوبل في WW)، قبل أن تتحول تمارة إلى تازمامارت الجديدة، وما إلى ذلك. والشاهد على هذا أن أرشيف كتاباتي بصحيفة (لوجورنال) يحمل انتقادات لاذعة لفؤاد عالي الهمة من بينها رسالة مفتوحة أطالبه فيها بتنظيف الزنازن لاستقبالنا لأن نظامه سيؤدي إلى هذا. لما التقيت الهمة لم يكن هو الهمة الحالي والفرق بين هذا وذاك ثلاثة آلاف معتقل باسم السلفية الجهادية، الذين ذاقوا ألوانا من التعذيب والتنكيل، والفرق بين هذا وذاك (الشريعي) الذي اختطف بمدينة آسفي وأقعدوه على (القرعة)، الفرق بين هذا وذاك، الإخوة في (لارام) الذين عذبوا وضربوا وتم الاعتداء عليهم، بين هذا وذاك الحملات القمعية التي مورست في حق أفواج من المعطلين وغيرها من ألوان القمع التي اجتاحت البلاد، هذا هو الفرق بين الهمة الذي جالسته يوما والهمة الحالي، كما أنه ليس لي أي مركب نقص في الجهر بهذه الحقائق. ويمكن القول إني من بين القلائل ممن وجهوا انتقادات لاذعة لفؤاد عالي الهمة ولا أعتقد أن أحدا انتقده بنفس القدر الذي فعلت.

 بماذا تعيبون على الساسي وحفيظ لقائهما مع الهمة؟

+ لما جلسوا معه لم يكن الأمر بوصفه كوزير منتدب في الداخلية، إنما وكأنه الصدر الأعظم، حيث ناقشوا معه شؤون ليست من اختصاصه وغير مؤهل دستوريا لخوض نقاش بخصوصها، لذلك أقول إن هذا اللقاء لا يمكن تشبيهه إلا باللقاء مع البصري بنفس القدر، لأنهم لما قبلوا بالجلوس معه خرجوا من دولة المؤسسات ودولة القانون، ونهجوا طريقا يتناقض مع توجههم في الدفاع على إقرار الدولة في دفاعهم على تقوية مؤسسة الوزير الأول، (إو سيرو جلسوا مع هاذ الوزير الأول) رغم أنه على (قد الحال) إلا أنه يتوفر على أغلبية يشاركون فيها بنوابهم في البرلمان رغم قلتهم (2 أو 3)، إذا لماذا يتحاورون مع الهمة في أمور بعيدة عنه بحكم الدستور، صحيح أني شخصيا أرفض رفضا باتا، بأن أرى الدولة المغربية في شخص فؤاد عالي الهمة، الدولة ليست هي "المخزن" إنما هي المؤسسات، أقول هذا مع احترامي الكامل والواجب لكل من الساسي وحفيظ وجميع الإخوة في الحزب الاشتراكي الموحد، هنا تجدر الإشارة إلى أني صحبة مجموعة من الإخوان وصلنا معهم إلى مفترق الطرق، حيث إنهم يقولون بأن موازين القوى في الحاضر هي لصالح "المخزن" وليس لنا أي خيار.

وأنهم لا يحيدون عن مبادئهم، إنما الظرف يفرض التعامل على هذا الأساس، وبما أن فؤاد عالي الهمة أقوى من الوزير الأول لذلك وجب التفاوض معه بهذا المنطق. نحن من جهتنا لنا وجهة نظر خاصة في هذا الجانب، أرفض بشدة وعلى جميع الأصعدة، أن أمنح صفة الصدر الأعظم لعالي الهمة، لأني ضد دولة المخزن ولا أعتقد أن المخزن بالقوة التي نعتقدها، لأن "المخزن" لا يمكنه أن يرقص لوحده، يلزمه من يراقصه، لذلك أقول لهذا المخزن (اللي يشطح مايخبيش لحيتو) إن عليه أن يترك المؤسسات كلها، بمعنى أن يسقط البرلمان والحكومة وكل ما يرتبط بهما، ويسير البلاد جهرا معلنا بكل جرأة أنه (النظام المخزني) وأن يلغي الانتخابات وكل الأشياء ويستقيم بالواضح على جميع الأمور وأن يسمي الأشياء بأسمائها المخزنية هناك (الصدر الأعظم، - العلاف – مول الشكارة – وزير البر – وزير البحر...) وأن يعلن زمن السيبة، أما وأن يختفي هذا "المخزن" وراء المؤسسات الخاوية على عروشها والتي لا تملك أية مسؤولية أو قوة أو سلطة.. مؤخرا لما وقعت حركة في صفوف عمال الأقاليم، لم يخطب وزير الداخلية مع العلم أننا ولله الحمد لنا وزيران في نفس الداخلية وهذه من الاختراعات المغربية المسجلة. توصل المغاربة فقط بقصاصة من وكالة المغرب العربي للأنباء، تفيد أن مهمة هؤلاء العمال تتلخص في إنعاش المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وأن تخدم رعايا صاحب الجلالة، دون أن تستعمل كلمة مواطنين عوض رعايا، مما يؤكد أن وكالة المغرب العربي، مجرد بوق مخزني كبير، يردد لغة المخزن، بمعنى أن هؤلاء العمال لا علاقة لهم بدولة القانون ودولة المؤسسات وأنهم ليسوا في خدمة المجالس المحلية والوطنية، هم فقط في خدمة الملك، من هنا أقول للساسي وحفيظ، هل يمكن لنا أن نجالس أمثال هذه العينات التي لا تؤمن إلا بخدمة المخزن، الذي ينعت المواطنين بالرعية بمعنى (القطيع)، هذا هو الفرق بيننا وهو جوهر النقاش المفتوح الآن بيننا وبين الإخوة في الحزب الاشتراكي الموحد، بحيث نقول إننا نملك القدرة الكافية للمواجهة بأن نشكل قوة مضادة على قلتنا، ويجب أن نعترف بأننا لا نتوفر على كنوز سليمان للقيام بواجبات خلال الحملة الانتخابية التي نريدها، ثم أن تغيير ملامح هذا الوجه المغربي يبدأ بتغيير الدستور المغربي، لأنه يصعب علينا التفاعل داخل الدستور الحالي لأنه ليس ديمقراطيا، ينحصر فقط في نقطتين (19 و 24) أما دونهما فلا شيء يعمل به أو يذكر إلا إذا أريد به باطل. أما عالي الهمة فأنا أعتبره مجرد "مشاوري خدام عند سيدو".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى