الأربعاء ١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٠٣

فارس بلا حمار!!

بقلم حكيم الأسمر

ذات صباح كئيب.. نهضت من النوم باكراً وكنت قد اعتدت كل صباح سماع صوت مزعج يكاد يوقظني لكني ذو نوم ثقيل ولا أصحو من النوم لو ضربوا مدفعاً فوق رأسي، لكن لشدة فضولي ورغبتي في معرفة سر هذا الصوت المزعج نهضت باكراً ولم يكن غريمي قد وصل بعد، فأعددت قهوتي المرة كطعم الحياة ووقفت على نافذتي المطلة على الشارع أنتظر المزعج اليومي الذي يقض مضجعي كل صباح حتى في أيام الإجازات الرسمية، وبينما أرشف القهوة وأقبّل سيجارتي بهدوء أقبل فتى يافع ذو وجه أعياه التعب وحرقته شمس الشوارع يركب حماراً، استغربت وسألت نفسي: هل هذا هو المزعج الذي يأتي كل صباح؟

ولماذا يأتي؟

لكن لم يدم استهجاني طويلاً ولم تدم سعادتي اليومية عند استيقاظي من النوم عندما أرقب شروق الشمس، وإذا به يترجل عن دابّته ويزجُّ برأسه إلى القمامة! تسائلت ثانية: ما الذي يريده من القمامة؟! وأثناء ذلك أخرج من القمامة أشياء متفرقة منها البلاستيكيّ والنحاسي وعلب مشروبات غازية، ربما ليبيعها ويسد رمقه بثمنها، بصراحة خجلت عندما أدركت ما الذي فعله ويفعله كل صباح، وتصببت عرقاً عندما لمحني وأنا أراقبه وذلك لأني أعيش في منزل آكل فيه وأنام فيه وأركب سيارة عوضاً عن حماره.. خجلت لأني شعرت بأني مسؤول عن تسوله وفقره وتعاسته ونبشه للقمامة كل صباح بينما أنا أحظى بفنجان قهوة وفطور ومنزل يقيني حر الصيف وبرد الشتاء كل يوم! وأقضي إجازة آخر الأسبوع خارج المنزل أحياناً.. ومع هذا كله أتململ وأشتكي الهم والضجر والكآبة، فكيف بذلك "الفارس" الذي لا يملك وقتاً ليتعب أو يمرض أو ليأخذ إجازة من بؤسه؟؟

خجلت من كوني أعيش في مجتمع بعض أبنائه يركبون السيارات بدل الحمير، وينامون في بيوت دافئة بدل الخيام، ويأكلون الأطعمة المستوردة من الخارج بدل الأطعمة الفاسدة المستوردة من القمامة! وقبل كل ذلك يتنصّلون من مسؤوليتهم وتسببهم في تسول هؤلاء، لا بل ويقرفون منهم ويشمئزّون منهم ويحاولون قطع أرزاقهم التي تأتي من القمامة ويرمونهم إلى أكثر المناطق حقارةً وسوءاً.

إن هذا الكلام بمثابة إنذار من تزايد أعداد المتسولين وليس لخطورتهم على المجتمع وتشويههم لصورة البلاد، إنما لخطورة المجتمع عليهم وإنذارنا من تحولنا لمتسولين على غفلة من أمرنا ونحن لا ندري، ومخافة أن يدرك الفقر الناس جميعاً من حيث لا نحتسب، لا تقاعساً وبلادةً منا أو زيادة في الشكوى، بل من السياسات التي ستجعل وجهتنا كل صباح إلى حاويات القمامة بدلاً من العمل، وهذا ما سيدفع طلاب الثانوية الناجحين وغير الناجحين للعمل في جمع العلب الفارغة وفي قطاع الخدمات –إن كان حظهم قوياً- بسبب ارتفاع الرسوم الجامعية، ومع ارتفاع أسعار الخبز سيسوء الأمر وارتفاع أسعار المحروقات سيجبرنا على إشعال الحطب بل المدفأة وذلك في ظل اقتراب فصل الشتاء وذلك لنبقى على قيد الممات أو الحياة!!

إننا نموت شيئاً فشيئاً ومن غير أن ندري أو أن يقول لنا أحد! إن كل يوم يمرّ يزيد فيه عدد "جامعي العلب" و"نابشي القمامة" و"فرسان الحمير"! لقد أصبحنا نشحذ الروح كما يشحذ هذا الفتى قوته اليومي، ونحن نراهم ولا نراهم.. إننا مطليون بالنفاق والكذب لكن في صورة مجمّلة كطلي الحليّ بالذهب، ولا ننفك نشتمهم ونلعنهم ونطاردهم ونمنعهم عن ممارسة فقرهم ونحن ننعم بالدفء والسكينة التي تتلاشى يوماً فيوماً.

أنا لا أطلب من أحدٍ أن يساعدهم أو يتبناهم أو أن ينشأ لهم نقابة خاصة بهم، بل أطلب من كل من رآهم أو أخطأ بحقهم –وكلنا فعلنا- أن يعتذر عما فعله بهم وعما قد يفعله بهم مستقبلاً لأننا نحن المتسولين ماداموا هؤلاء موجودين ويمارسون حياتهم المعذبة رغم أنوفنا ورغم أنف الحياة وصعوبتها وقساوتها.

إني أدعو الجميع إلى العثور على حمارٍ جديد وبسعر معقول ليمتطيه ويتوجه به على حاويات القمامة كل صباح بدل عمله وذلك قبل أن يصبح فارساً بلا حمار!!

بقلم حكيم الأسمر

مشاركة منتدى

  • مرحبا يا حكيم أنا أحمد السعو ابن عم محمد بعرفش اذا انت بتذكرني أو لا بس بصدق بعد قراءة متعمقة لك أريد أن أتعرف عليك أكثر
    هذا أيميلي ahmad_yahwa@yahoo.com
    0795596936

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى