الثلاثاء ١ شباط (فبراير) ٢٠٠٥
بقلم ميساء قرعان

فقدان ذاكرة انتقائي

ميساء قرعان
في حين تكثر البحوث حول مرض "الزهايمر" وفقدان الذاكرة المرتبط به ووسائل المعالجة والوقاية من هذا المرض تكثر حاجتنا إلى أولى مراحله ، هذه الحاجة التي تتمثل بكثرة النسيان التي قد يعتقد البعض أنها مشكلة في حين أنها من وجهة نظري على الأقل تعد حالة صحية بل حالة دفاعية من أجل البقاء

قد تسأل نفسك وأنت على مسافة بضعة أمتار من مكان تمشي نحوه إلى أين أنا ذاهب وما أن تتذكر حتى تنسى لماذا أنت ذاهب بهذا الاتجاه وحين تتذكر الهدف قد تبدأ لديك حالة نسيان أخرى وتنشغل في استفسارات كيف ومتى وأخواتها …

قد تطلب من قريب أو زميل أن يذكرك بموعد إنجاز أمر في غاية الأهمية لكنه قد ينسى وقد تنسى معاتبته إذا ما تذكرت بعد فوات الآوان …
حالة النسيان أو مشكلة النسيان إذا صح التعبير حالة كنت أظن بأنني وحدي التي أعاني منها لكنني أكتشف بأنها مشكلة الكثيرين وممن لم يزالوا في سن الشباب بيولوجيا

لست أدعي معرفة أسبابها بالتحديد لكنني أجزم بأنها حالة صحية وليست مشكلة، فذاكرتنا المشوهه والمكتظة بحاجة إلى ترحيل بعض ما فيها، ذاكرتنا الشابة بمقياس عمر خلاياها تعاني من شيخوخة مبكرة تتأرجح بين عالمين وثقافتين ووعيين ، فلسنا جزء من الحاضر ما دمنا اجتزنا مراحل المراهقة وبواكير الشباب ولذا فهذا ليس زمننا، ولسنا جزء من الماضي كي نتنكر للحاضر ونحفظ ما تبقى لدينا من ذكرى أو ذاكرة.

نحن الجيل الأكثر حاجة إلى النسيان والتجاهل والاغتراب بكل ما تحويه كلمة الاغتراب من دلالات، ولذا نتحايل على وعينا وعلى ذاكرتنا فلا تعود تعنينا تفاصيل الحياة اليومية .

ننسى ارتباطاتنا، ننسى مواعيد، نضطر للاستعانة بأكثر من منبه آلي أو غير آلي غير أن هذا كله لا ينسينا النسيان ، وما دمنا مصرين على الإصابة بمرض الخرف مبكرا فإن هذا يثبت بأنها حالة صحية وبأنها خطوة باتجاه اللامبالاة وباتجاه ترحيل كل الصدمات التي تنطوي عليها ذاكرتنا ، هذه الصدمات التي تسببت بها جملة المقولات التي تعلمناها أو قرأناها ونشأنا عليها لكنها لسبب ما لم تكن تصلح لزمن مثل الزمن الذي نحياه ، فارق التوقيت بين ما تعلمناه وبين ما اصطدمنا به على أرض الواقع لا يتعدى السنوات ، لكن الأحداث التي تخللتها كانت كافية لأن تخلق لدى الواحد منا رغبة لانهائية في النسيان، نسيان ما كان يعتقده مثل عليا أو نسيان ما أثبت عكس هذه المعتقدات.

إن أعراض هذه الرغبة تتمثل بنسيان جزئيات الحاضر المعاش، فذلك مدعاة للاحتفاظ ببقايا أوهام قد نستدعيها ذات يوم وحينما يصبح الخرف بحكم العمر البيولوجي لخلايا الدماغ وليس بحكم رغبتنا أو خبراتنا ..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى