الخميس ٢٧ آذار (مارس) ٢٠٠٨
حوار مع الكاتبة الجزائرية زكية علاّل
بقلم بسام الطعان

فقدنا الإحساس بالجمال عندما فقدنا الإحساس بالكرامة

تتسم كتابات الأديبة الجزائرية زكية علاّل بسمة النثر الرفيع، تكتب الرواية والقصة القصيرة وأدب الرسائل، وهي غزيرة الإنتاج وتواجدها دائم على صفحات الصحف والمجلات العربية، فازت بأربع جوائز أدبية في الجزائر، صدرت لها:
1- وأحرقت سفينة العودة ـ مجموعة قصصية.
2- لعنة المنفى ـ مجموعة قصصية.
_ لها تحت الطبع:
1- رسائل تتحدى النار والحصار ـ مجموعة رسائل كتبتها من غزة.
2- شرايين عارية ـ مجموعة قصصية.

في هذا الحوار فتحت للقارئ قلبه تحدثت عن أمور كثيرة، وعن هموم إبداعية أكثر

* ما الذي قادك إلى عالم الأدب بشكل عام، والى كتابة القصة القصيرة بشكل خاص، وكيف بدأت خطواتك الأدبية الأولى في التكوّن؟
** التاريخ هو الذي قادني إلى الأدب.. قراءتي للتاريخ العربي وسلسلة الفتن التي بدأت في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد نجح عمر بن الخطاب في وضع حد للفتنة الأولى، لكن بعدها لم تنجب الأمة عمرا آخر يضع حدا لكل الفتن التي توالت، ويحقن الدماء.. مرورا بتفرق المسلمين إلى طوائف وشيع وأحزاب تسببت في حروب فتحت انهارا من الدم.. إلى غاية تمزق العرب إلى دويلات لا تسمن ولا تغني من جوع... ورطني في الكتابة هذه الهزائم التي تنخر جسد الأمة وتجعلها ريشة في مهب أمريكا وإسرائيل.. قراءتي للتاريخ بشكل واع هوالذي جعلني أحمل القلم وأكتب علني أعيد تأثيث بعض الخراب الذي يعوي في خرائطنا.

* لدي تصور أنك تحلقين كطائر في سرب القصة القصيرة وقبل أيام عرفت منك أنك في هذه الأيام تكتبين رواية، فهل ستهجرين القصة القصيرة وتذهبين إلى عالم الرواية لتحلقي في فضائها.. ما دفعني إلى هذا السؤال هوهذا الكلام الفارغ عند البعض من أن القصة تدريبات كتابية تسبق الرواية، فهل توافقينني الرأي على أن هذا كلام فارغ ؟
** لن يكون سرا إذا أخبرتك أني بدأت حياتي الأدبية بكتابة الرواية والمسرحية فقد كتبت أول رواية في مراحلي الأولى ولكني أهملتها لأنها غير ناضجة فنيا، كما أنني كنت أكتب المسرحيات التي كنا نمثلها في المدرسة ثم بعدها تورطت في كتابة القصة القصيرة بشكل كبير وكتابة المقالات الأدبية والسياسية.. كتابة الرواية هي عودة إلى مجالي الأول، لكن أبدا لن أتخلى عن القصة القصيرة لأنها تناسب ضيق الوقت الذي يحاصرني بالتزامات يومية في العمل والبيت ولا يبقى للكتابة إلا وقت قصير أقتطعه من راحتي، وهذا الوقت لا يناسب الرواية بل يناسب القصة القصيرة... الرواية تحتاج إلى تفرغ وصفاء وهذان العاملان لا يتوفران لي حاليا. لكن لا يوجد جنس أدبي يعتبر تدريبا لجنس آخر.. لكل نوع أدبي ميزاته وفنياته وتقنياته.

* القصة القصيرة العربية في الوقت الحاضر، كيف تنظرين إليها، هل هي في تطور أم في تراجع وأين مكانها بين الأجناس الأدبية الأخرى؟
** القصة القصيرة تشهد تطورا في الوقت الحاضر أكثر من أي وقت مضى إذ أن الاهتمام بها أصبح واضحا من طرف الكتاب والقراء وربما ساعد على انتشارها هذه المواقع الإلكترونية التي تقوم خاصة على القصة أكثر من الرواية والشعر وبالتالي زاد اهتمام الأدباء بكتابتها وإقبال القراء على قراءتها.

* لكل مبدع أسلوبه وأدواته ونظامه في التعبير، ومن هذا التنوع تتعدد أشكال القصص التي يكتبها، من هنا يأتيني سؤال متفرع: كيف تكتبين القصة القصيرة، هل تجعلين من اللغة بطلاً في أعمالك الأدبية مثلما يفعل بعض الكتاب والكاتبات، هل تعانين من رسم نهايات لإبداعاتك، وآسف على هذه الإطالة.
** أنا أكتب ببساطة وعفوية وتلقائية وأهتم بالحدث أكثر من اللغة..اللغة هي تأثيث جميل – فقط – للفكرة التي أريد الوصول إليها أوهي ديكور أنيق يخفف من وطأة الوجع الذي تحمله الفكرة... أنا لا أعاني في رسم النهاية لأن البداية تجر معها النهاية، بل ترسمها بعناية كبيرة.. فكل بداية تحمل بين طياتها فاجعة النهاية، لكن أعاني في رسم العنوان، أحيانا أنهي القصة أوأي عمل أدبي ويظل أياما غير قابل للنشر لأنه بغير عنوان.. فعلا أجد صعوبة كبيرة في وضع عناوين أعمالي، ربما لأني أدرك أن العنوان هوالمدخل الأول الذي يغري القارئ ليحب العمل.

** إن البيئة هي الخلية الأولى التي تمد القاص والروائي بالأحداث والمواضيع الملائمة، وبمقدار ما يتعمق المبدع في البيئة التي يعيش فيها، يصبح الحدث المأخوذ منها حدثا قابلا لأن يشتغل عليه بنجاح.. هل تمدك البيئة الجزائرية الغنية والمتنوعة بالأحداث، اقصد بيئة مدينتك (ميلة) بشكل خاص، وبيئة الجزائر بشكل عام وكيف ترين هذه البيئة مكانا وعلاقات سياسية واجتماعية وثقافية وإنسانية في إبداعاتك؟
** قديما – كانوا يقولون " الإنسان ابن بيئته " لكن الآن نقول " الإنسان ابن خيبته "... لا أحد ينكر أن البيئة لها تأثير كبير على ترتيب أفكار الكاتب ووضعها في قالب بهي يغري القارئ.. والمنطقة التي أسكنها أقرب إلى حياة الريف وبعيدة عن حياة المدينة، تتميز بالهدوء والطابع الفلاحي، كما أن الجزائر بصفة عامة ساحرة ومغرية بها من المناظر الخلابة ما يجعل الزائر يقع أسيرا لها، لكن كل هذا السحر لم يعد له تأثير وهذه الفضائيات تتمدد على أيامنا بأخبار الموت في فلسطين والعراق، وتصفع أحاسيسنا بجثث الأطفال والشيوخ وهي تسقط كالذباب في شوارع غزة والضفة الغربية وبغداد.. فقدنا الإحساس بالجمال عندما فقدنا الإحساس بالكرامة !!

* الكاتبة زكية علال.. أمامك مرآة كبيرة، لا تشاهدين فيها إلا مستقبل الثقافة العربية، صفي للقارئ هذا المستقبل.
** أتحاشى – دائما النظر إلى المرآة سواء كانت معلقة على حائط البيت أو تلك التي تقف على خرائطنا العربية.. عندما أنظر إلى وجهي في المرآة أرى أنها لا تعكس إلا خيبة عميقة أحاول أن أهرّبها من مكان إلى آخر وأتجاهلها حتى لا أورثها لأبنائي.. أما المرآة الكبيرة التي تعكس مستقبلنا العربي فإني أحاول جاهدة أن أتجاهلها لكنها تطاردني أينما رحلت.. رهيب ما أراه فيها.. بل مفزع.. مستقبل غامض.. رهيب.. فيه الكثير من السراديب والممرات المظلمة التي لا نعرف إلى أين ستجرنا.. لوكان إلى حتفنا يكون أرحم من أن تكون إلى مزيد من الذل والهوان والانكسار والانحناء.

* الأدب ـ النقد، متلازمان، الأدب هو الإبداع، والنقد هوتاريخ هذا الإبداع، ولكن الحركة النقدية العربية كيف هي برأيك؟
** لا يمكن للإبداع أن يعيش بدون حركة نقدية، لأن النقد يعطي للنص الأدبي عمرا أطول، قد يكون خالدا، لكن – مع الأسف – الحركة النقدية العربية ما زالت بعيدة عن كل معايير النقد، فما نراه اليوم لا يخرج عن أمرين: إما أن يكون إطراء ومجاملة وتودد، وإما تصفية حسابات ومحاولة تشويه النص الجميل انتقاما من صاحبه الذي لا نتفق معه.. وهذا لا يخدم الأدب ولا الثقافة العربية.

* أيهما تقدم الفائدة للكاتب والمبدع، الصحف والمجلات الورقية أم الشبكة
** كلكل منهما أهميته وفائدته التي لا يمكن الاستغناء عنها، لكن المجلات الإلكترونية تحقق للكاتب الانتشار السريع بينما الورقية تكون بطيئة في نقل هذا الانتشار، ولهذا سعت هذه المجلات لتكون لها نسخة إلكترونية، وأغلب المجلات الآن نجد لها مواقع على الشبكة العنكبوتية حتى تحقق الانتشار لها ولكتابها.

* أمام هذا العالم المنهار من حولنا، المنهار قيما إنسانية وجمالية، ماذا يمكن للكاتب أن يفعل؟
** في كل عصر من العصور كانت القيم تعاني وهي تصارع الرذيلة..لكن في هذا العصرالأمر مختلف لأن القيم أصبحت تداس بصفة رسمية وبقرار دولي وعلى مرأى ومسمع الرأي العام العالمي.. وإلا كيف نفسر حصار شعب بأكمله في غزة والحكم عليه بالموت جوعا وبردا وعطشا وقهرا بمباركة الهيئات الرسمية والقرارات الدولية..كيف نفسر أن تقطع دولة المسافة من قارة إلى أخرى لتصل إلى دولة وتعزل رئيسها وتنشر الفناء بين شعبها.. لا لشيء إلا لأنهم شقوا عصا الطاعة !!

* ما السؤال الذي كنت تتمنين أن أسألك إياه، وما جوابه؟
** (ما جدوى الكتابة في زمن الدم والنار والحصار والذل والانكسار ؟!) فأجيبك: الكتابة إعمار لكل هذا الخراب.. الكتابة في زمن السلم والسلام نوع من الترف، أما في زمن الحرب وضياع الكرامة فتتحول إلى نوع التحدي.

* في ختام هذا الحوار، ماذا تقولين للقارئ العربي ؟ وإذا أردت تحدثي عن أي شيء، همومك، أحلامك، أمنياتك، قولي ما تريدين.
** القارئ العربي واع جدا.. عندما بدأت بنشر رسائل تتحدى النار والحصار تفاجأت بهذه القراءات الواسعة من مختلف الدول العربية من المغرب إلى المشرق إلى الخليج.. قراءتهم كانت بنفس الوعي الذي كتبتُ به هذه الرسائل وأحيانا تفوقه بكثير، ساعتها تأكدت من هذا التميز الذي هوعليه القارئ العربي.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى