الاثنين ١٩ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٩
بقلم سعداء الدعاس

فن التلقي (العاشورائي)

من أغنى مراحلي البحثية، تلك التي قضيتها في التنقل بين المآتم والحسينيات الكويتية في شهر محرم لعام 2006، ضمن دراستي لمتلقي المشهد التمثيلي الحسيني، باعتباره العصب الأول لأطروحة الماجستير التي قدمتها في المعهد العالي للفنون المسرحية/ القاهرة، باشراف أستاذي الرائع د. حسن عطية.

تضمنت الأطروحة دراسة للمشهد ذاته بمعطياته الدرامية/الفنية، ومراحله المتعددة منذ أن كان مجرد مشاهد تمثيلية قصيرة (تشابيه)، إلى أن بات عرضًا مسرحيًا قائما بذاته بعيدًا عن سياق العزاء العاشورائي.

بفضل دراستي الميدانية تلك، ارتدت العديد من المآتم، مخلفة ورائي انتماءاتي الخاصة، وآخرى جُبلت عليها منذ الطفولة، متسلحة بمخزون (نظري)، يتوق للحظة الاكتشاف/المعرفة (العملية) التي كانت في يوم ما لحظة ممنوعة، لا أقوى على عيشها أو مجرد الاطلاع على محتواها.

وبعيدًا عن النتائج العديدة التي توصلت لها بفضل الاستبيانات من جهة، والاحتكاك المباشر من جهة أخرى، فإن أهم ما يميز تلك الساعات الطوال، ذلك التفاعل الكبير بين مرسِل ومستقبـِل المادة (الحسينية) بأشكالها المتعددة، على الرغم من التشبع المعرفي الذي يسكن فكر ووجدان ذاك المتلقي، متفرجا، أو مشاركا كان، مما يقلل من فرص المفاجأة والتشويق.

فرغم المعرفة المسبقة لجميع تفاصيل الحادثة الكربلائية الشهيرة، ورغم تيقن الحضور من الكيفية التي ستقدم بها الفعاليات في هذا المأتم أو ذاك، إلا أن ذلك لم يقلل من اهتمام الجمهور بجميع طوائفه (أثبت الاستبيان وجود طوائف أخرى) بمحتوى العزاء وتفاصيله، فتعرفتُ في تلك الفترة الممتعة على متلق منصت لـ (قراءة) استمع لها مئات المرات، باحثا عن مساحة ضئيلة في زحام تكتظ به المآتم لمشاهدة (تشابيه) مكررة لا جديد فيها، متباكيا على ذكرى لم تذبلها السنوات الطوال.

اعتياد الجمهور الحسيني على الحضور والمشاركة منذ الطفولة المبكرة، واعتزازه – المتوارث- بالمادة العاشورائية، أيا كان مستواها الفني، يؤكد مدى فاعلية الجمهور في استمرارية المشهد التمثيلي الحسيني رغم خصوصيته الشديدة، وتوجهه لجمهور محدد، فالحادثة التي انتهت منذ عشرات السنين، ظلت حية بفضل جمهور أراد لها الخلود.

 [1]


[1بوح أخير: قدسية العلاقة بين المادة (العاشورائية) ومتلقيها، تشغل فكري كلما حضرت عرضًا مسرحيًا يرتاده جمهور لا يتقن بديهيات فن الفرجة... فيستثار بأرخص (الإفيهات) الجنسية، ويهلل لأقل الإمكانات الأدائية..مؤكدا حقيقة بدء اندثار الجمهور المسرحي (النخبوي) في كويتنا الحبيبة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى