الجمعة ٢٥ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم شاكر فريد حسن

فيروز...جارة القمر

فيروز القادمة من جبال الأرز الشامخة، ومن بلد البستانيين واليازجيين وأدباء المهجر والرابطة القلمية. فيروز صاحبة الصوت المائي، الساحر، الملائكي،الخلاّب والشجي الذي يداعب أوتار قلوبنا ويأسرنا صباح كل يوم. هذه المطربة المتميزة والفريدة أضحت أيقونة الوطن العربي المقدّس الطاهر وأيقونة الثورة على أعداء النور والمحبة الانسانية، الذين اغتصبوا الجنوب و«سكروا الشوارع وزرعوا المدافع»وصادروا الكلمة واللحن واغتالوا كل ما هو جميل.

ارتبط أسم فيروز بالرحابنة، ليشكلا معاً أسطورة في عالم الموسيقى والغناء الأصيل الراقي والمدهش، وأنتاج الأغاني والمقطوعات الموسيقية وصياغة مذهب جديد في الغناء العربي، يجمع بين البساطة والتناغم الموسيقي المستمد من أعماق وصميم البيئة الريفية والشعبية، ونموذجاً اعتمده الكثير من المطربين العرب طريقاً الى المجد والنجاح والسطوع وتحقيق النجومية والشهرة الواسعة. ومن أبرز الذين تخرجوا من هذه المدرسة، مدرسة الرحابنة بالاضافة الى فيروز«نهاد حداد» كل من: وديع الصافي ونصري شمس الدين وايلي شويري وجوزيف عازار وملحم بركات وهدى حداد وزكي ناصيف وأنطون كرباج وغير ذلك.

امنت فيروز دائماً ومنذ البداية بأن للفن رسالة مقدسة وسامية في الحياة والمجتمع، فنذرت صوتها لقضايا الأمة والانسان العربي، وشكلت أغنيتها وعاءً للنضال والتحرر والتماسك والتلاحم في مواجهة القهر والظلم والكبت. وقد غنت للوطن والطبيعة والبحر والقمر والزعرورة وللعواصم والمدن العربية، وحرضت الناس والشعب اللبناني على الارتباط والالتصاق بلبنان، مهد الحضارة والثقافة والكلمة والنغم البديع والحس الرهيف، وعلى نبذ الخصام والهجرة ومقاومة الطائفية اللعينة والبغيضة والايمان بالحرية وتقديسها، لكي لا يسود حكم الطغاة والأوغاد. ويكفي فيروز اعتزازاً وفخراً أنها أنشدت لبيروت والجنوب ودمشق وشط اسكندرية ومكة والقدس ـ زهرة المدائن ولشوارعها العتيقة ولجسر العودة، ما حدا بشاعرنا الفلسطيني الكبير طيب الذكر محمود درويش الى القول: « قدمت فيروز والرحابنة لفلسطين ما لم يقدمه الفلسطينيون أنفسهم، وأشهر الفلسطيني هويته الجمالية بالأغنية الفيروزية حتى صارت هي اطار قلوبنا المرجعي، هي الوطن المستعاد وحافز السير على طريق القواف».

فيروز قطعة من سمائنا، وأرزة لبنانية راسخة، وقامة غنائية شامخة، وصوت هامس هادئ يقطر شجى وطلاوة وعذوبة وعشقاً وشجناً وعطراً كالسوسن والمسك والعنبر، يحاكي أرواحنا ويلامس وجداننا وشغاف أفئدتنا، ونتشربه مع قهوة الصباح المهيّلة وعلى ضوء القمر والنجوم في ليالي الصيف. وقد وقفت فيروز لتغني على مسارح بعلبك وبيت الدين، غنت الميجنا وأبو الزلف فتألقت وأجادت وأبدعت ورسمت ملامح الفن العربي الراقي، وقدمت باقة جميلة ورائعة من الأغاني والاسكتشات والمسرحيات الغنائية، أبرزها: «لولو وبياع الخواتم وبنت الحارس وجبال الصوان وسفربلك وصح النوم» وغيرها من الأعمال الغنائية الابداعية الفريدة المميزة والمنوّعة.

صفوة القول، فيروز هالة وملاك هبط من السماء، ووسام شرف وعزة وسؤدد معلق على صدور أوطاننا وامتنا من المحيط حتى الخليج، ولشرقنا العربي الفخر والاعتزاز بوقفتها الشماء وصوتها المخملي الذي يأبى الانحناء والخنوع والتزلف، وبدون أدنى شك، أن الأغنية الفيروزية هي غذاء روحي يمنحنا الاطراب والشعور بالدفء والاحساس والتفاعل العاطفي والوجداني، وهذه الأغنية تبقى الأجود والأرقى والأصفى والأنقى في هذا الزمن الردئ، زمن الميوعة والتعري والاسفاف وانحطاط الذوق الفني، وزمن الأغنية الهزيلة الرخيصة الماجنة والمبتذلة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى