الجمعة ١٤ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢
بقلم عبد الرحيم التوراني

فيلم جديد للمخرج مايكل مور


أصيب خيالي بالزكام وبالحمى، فعرضته على أكثر من طبيب، كلهم أشاروا علي بالبتر وبالتخلص منه، لأنه إن لم أفعل سيتمرد ويتعفن ويعدي باقي الجسد.
لم يكن أمامي إلا تنفيذ تحذيرهم. بترت خيالي. لم يعد مني. صرت كالأعرج. لكني وضعت خيالي في زجاجة معقمة. كل صباح عندما أستيقظ من نومي أتفقد أحوال الزجاجة، أكلم خيالي السجين بها. يحاول إقناعي باجراء عملية جراحية وإعادة زرعه في كياني. وأنا أعمل كأني لم أسمع اقتراحه. انتبهت إلى أن الأحلام لم تعد تزوروني في نومي. فقط بعض ما يمكن أن أسميه تجاوزا بأحلام اليقظة، وهي مجرد أمنيات وأماني ليس أكثر.

لن أكذب، فكرت في زرع خيال جديد. قال لي الطبيب أن أنتظر وفاة متبرع بأعضائه كاملة، جل المتبرعين هم من أصحاب العيون والكلي، وقلة من ذوي الرئة والقلب والكبد، ولا أحد يوصى بالتبرع بخياله. 
ألحت علي فكرة زرع خيال خصب أعيش به سعيدا. قلت لأحاول إقناع قريب لي كان مريضا يحتضر. اشترط القريب استفتاء رجل دين. ماذا يقول ديننا الحنيف في هذا الموضوع؟ وتحديدا زرع خيال
لما ذهبت إلى أحد الشيوخ أفتى بالتحريم. قال علينا رد الأمانة روحا وجسدا إلى باريها كما هي وعدم التصرف فيها. وأكد على أن الخيال من الروح. كذلك أفتى الباقون من محترفي الإفتاء.
بعد أسابيع قليلة توفي قريبي ودفن معه خياله. تأثرت لموته.
نصحتني صديقتي بالسفر إلى الخارج. أوروبا أو أمريكا تحديدا.
قالت:
ـ هناك قد أجد حلا لمشكلتي بكل سهولة ويسر. بل سيكون أمامنا أن ننتقي. 
قلت مثمنا فكرتها الرائعة:
ـ كيف لم تخطر ببالي مثل هذه الفكرة من قبل وبقيت منشغلا بجهلة ملتحين لا يفقهون...؟
لم ترد علي صديقتي. غيرت الموضوع. سألتني إن كنت ما زلت مستمرا في امتناعي عن التدخين. 
فهمت أنها لم ترد إحراجي وتلفت انتباهي إلى عاهتي. أي أني معوق من ذوي الاحتياجات الخاصة، ويصعب علي إيجاد فكرة كالتي عرضتها قبل قليل.
قالت لي:
ـ لم لا نبحث عن انتقاء خيال فنان؟
أعجبتني الفكرة كثيرا. بل إنها ستسيطر علي.
وقفت ألهج باسم كاتبي المفضل..
ـ غابرييل غارسيا ماركيز.. غارسيا ماركيز.. ماركيز..
ابتسمت وضحكت. طلبت مني أن أقعد وأجلس.
هدأت من حماستي قبل أن تخبرني أنه غير ممكن انتقاء خيال الكاتب الكولومبي الأشهر غابرييل غارسيا ماركيز.
سألتها: 
ـ هل تعتقدين أنه لن يقبل.. أو أنه سيطلب ثمنا غاليا ليس في وسعنا تسديده..
ردت صديقتي الحميمة.
ـ لا، عليك أن تدرك وتعلم أن صاحب "خريف البطريرك" قد خرف وخياله مات قبله..
تألمت لمرض كاتبي المفضل وحزنت.
اقترحت علي محاولة البحث عن فنان تشكيلي أو موسيقي أوروبي، وأن أبتعد عن عالم الكتاب. 
لم أسألها تفسير سبب إقصائها للكتاب. لكنها تابعت حديثها أن الموسيقيين والتشكيليين بينهم نسبة كبيرة لا تعمر طويلا. ومن الأفضل لنا اقتناء خيال شاب ينفعنا في الفراش أيضا.
أيدت اقتراحها.

حصلنا على تأشيرة شنغن وسافرنا. ذهبنا أولا إلى أقرب بلد إلينا. اسبانيا والبرتغال وفرنسا ثم بلجيكا واللوكسمبورغ. 
هناك أصبحت مشهورا. تهتم بي وسائل الإعلام المختلفة. أصبحت ضيفا مألوفا على النشرات الرئيسية لأهم القنوات التلفزية والمحطات الإذاعية. وتصدرت صوري الصفحات الأولى لأهم الصحف الكبرى وأوسعها انتشارا. نوقشت قضيتي على أعلى المستويات. تداولها المدونون ونشطاء مواقع التواصل الاجتماعي في التويتر والفيس بوك وغيرها.. أنشئت جمعيات ولجن للتضامن مع حالتي. باختصار أصبحت نجما، كذلك صديقتي الناطقة الرسمية باسمي ومديرة أعمالي أصبحت نجمة. نعم جنينا مالا وفيرا من وراء هذه القضية. خصوصا بعد إدانتي وتكفيري من لدن جماعات إسلامية متطرفة، بعضها أهدر دمي. احتضنني السياسيون والحقوقيون ونشطاء المجتمع المدني ووفروا لي الأمن والحماية.
اتصل بي أصدقاء من المغرب وتونس ومن مصر وسوريا ومن الجزائر وموريتانيا. كلهم حذروني من قبول خيال مثلي شاذ جنسيا، قالوا لي إن معظم فناني الغرب هم من الشواذ. 
آخرون نبهوني أن أحتاط من أن يزرعوا لي خيال متطرف صهيوني يكره العرب. أخبرت صديقتي بذلك. لم تهتم كثيرا بتحذيرات أصدقائي. أخبرتني أن مشكلتي في طريقها إلى الحل. لقد وقعت باسمي على عقد مقابل تعويض مالي مجز لعرض حالتي على مختبر في الولايات المتحدة الأمريكية تابع للبنتاغون. 
هناك بدأت أولى تجارب زرع خيال جديد لإنسان.
اختفت صديقتي.

لا أعرف ماذا جرى لها. حصلت أنا على البطاقة الخضراء. أعيش بمدينة سياتل. أعمل نادلا بماكدونالد. أعاني من عجز جنسي. ومن فقدان الذاكرة. قيل لي إني من صلب رجل من إحدى قبائل الهنود الحمر بالبيرو، وبأن والدتي إثيوبية من يهود الفلاشا. وأضافوا أن من حقي الحصول على جنسية بلد في الشرق الأوسط تسمى إسرائيل.
 وسمعت أن إسرائيل تم قبول عضويتها في جامعة الدول العربية وأن حظوظ مرشحها شلومو بنعامي وفيرة لشغل منصب الأمانة العامة. وأن أول قرار له هو حذف كلمة العرب من القواميس ومن الخرائط والعمل على زرع كلمة أخرى تمنح الناس خيالا جديدا وأملا جديدا 
كل ما حكيته لكم حكاه لي مايكل مور أمريكي بدين يعمل مخرجا سينمائيا. يقول إنه سيعرض حالتي على الرأي العالمي. لم أفهم غايته وقصده. وافقت على مشروعه فقط لأني توسمت فيه الخير. هو إنسان بسيط وروحه جميلة
.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى