الاثنين ٢٨ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٩
بقلم أحمد مظهر سعدو

في أربعين الياسمين

لحظة تجلى الله جلت قدرته، فخلق الياسمين، أسبغ عليه تلك الرائحة الفواحة، وهذا العطاء المنبعث انتعاشاً للآخرين، وراحة للمارة من الناس المقتربين، ولأن الله خلق الحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً.. فقد جعل من بعض البشر واحة عطاء برائحة الياسمين المبهر والمتدفق، بإطلالته على البشر أجمعين.. وخص دمشق بحيز كبير من هذا الياسمين الدمشقي النـزاري، فكان لبعض الرجال نصيب منه، ممن جاوروا الياسمين، ورافقوه، فأحبوا الوطن، ودمشق بوابته، وامتلكوا القدرة على الاندماج بالياسمين، وبهذا العبير الذي لا ينتهي، ولا يقف عند حد، فكان ما كان من هذا الانبثاق الرباني، المتجسد عبر الفعل الإنساني، لهامات شامخة، وقامات طاولت عنان السماء.. فحق أن نسميها مجازاً بالياسمين.. واليوم وفي ذكرى أربعين عقد الياسمين (أبو عامر) فإن قناديل الضياء، والعطاء تتلألأ، مرسلة شهب الحب، والقيم العليا للبشر، اتكاءً على عشق للوطن والأمة، وإيثار ما بعده إيثار.

في أربعين الياسمين تتلعثم الكلمات، وتتجمد الدموع في المقل، وتعود الذكريات بما حملته من أنات وآهات، من أحلام كبرى، وآلام أمة، من حلم كبير لأمة موحدة، وفلسطين محررة، وعراق طاردة للمحتل الأمريكي.. ووطن يعبق بالحرية، ويلاقح بالفكر والمعرفة، مستقبلات الأمة كل الأمة.

في رحيل الياسمين، ونحن منه لم نبرح المكان بعد، نقف هنيهة، نسترجع تلاوين الحياة، المنفلتة من الزمن المرصود، نحاول ملامسة اللحظة الزمنية الماضية حتماً، فنقع من الياسمين موقع التماهي، مع المسيرة والمسار،ومع الحاضر الآني لحقبة زمنية، لم نعرف كيف أفلتت من بين أيدينا، فغادرنا عبرها الياسمين، قبل أن نغرف منه كل ما نستطيع، بل قبل أن تملأ عيوننا صباحات، ومساءات التدفق من أناه الأعلى، وكينونته التي ما برحت شاخصة جوانية الذات المحبة فينا.. والتي ما زلنا نلمسها ونتلمسها، في هاته العيون التي تفيض كل يوم بحبيبات الدمع والحب، بل الحب والدمع.. ففي ذكراه التي لا تغادرنا.. وكيف لها أن تغادرنا ؟ وهي أمسنا وصباحنا، وآننا، مضارعنا، وماضينا، وفعلنا المبني للمعلوم، وبياننا البديعي، وكل عناصر البلاغة في لغتنا العربية السمحة.

في أربعين الياسمين، نغرف من معين نبع لاتنضب ماءه، وتراب وطن تفوح منه رائحة المطر، وهو لا يغادرنا رغم كل المحن، وامتداد أفق بعيد بعيد،وخصلات شـعر شمس لا تغيب.. رغم الغياب!!، وبالرغم من كل المنغصات والنكبات.. فإلى هناك أيها الياسمين العطر.. إلى الملتقى حيث الكل في الواحد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى