الاثنين ٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٩
بقلم أحمد مظهر سعدو

في الرقص نشوة هروبية انفلاتية

يعيش الإنسان في حياته أدواراً وأدوار، تختلف وتتمايز، بتمايز الحالة التي يتخطاها، وتلك التي يعاني من أناتها، ومنعكساتها، وتستمر معاناة البشر بقدر تأثرهم بالظروف الاجتماعية المحيطة، وتحملهم تبعاتها.. وقد يهرب المرء من آثار الحياة، محاولاً التصدي لأحوال القهر الواقعة عليه، وعلى أسرته، وضمن معطيات تجذر الحالة النفسية لكينونته، وفي إطار حالات الهروب والانفلات التي تخرج الإنسان من ضائقة العسف والقهر،يهرب المرء إلى نشوة الرقص ومتعته، حيث يجد كثير من الناس في الانسجام ضمن ساعات من الرقص واللهو ما يريح النفس، ويذهب بالتعب، ويؤسس لانطلاقات جديدة وقادرة على تخطي الصعاب، ولعل حالات الرقص الماجن، والحركة الانفلاتية المتواصلة، والانسجام الهيامي طويل الأمد، وتلك العشوائية الحركية الصاخبة، والمجنونة في بعض الأحيان، ما يدفع الكثير من هموم الحياة إلى ساحات النسيان، والعديد من انبثاقات الوجع السيسيولوجي الواقع على ماهية سيكولوجيا المرء، ومعاناته المتلاحقة.

ويرى علماء النفس، أن دخول الفتاة أو الشاب في حلقات الرقص الصاخب، وممارسة الفرد الحركية المفرطة لحركات الرقص المنفلت من عقاله، إنما يعبر عن حالات نفسية يفرغ فيها الإنسان شحنات انفعالية داخلية غاية في الضيق، وهموم حياتية قد وصلت إلى منحنى قيمي متلاطم، يجد في الانسجام الراقص تفريغاً له، وهو بالضرورة يؤدي إلى صعود نفسي باراسيكولوجي، يهرب المرء فيه من حالته الواقعية إلى حالات أخرى يغيب فيها عن معاناته تلك، ويحقق فيها نشوة ما بعدها نشوة.. ويبدو أن هذا الرأي في علم النفس يجد له أرضية معرفية بحثية على مستوى الواقع المعاش للبشر، حيث تتفق معه الكثير من الآراء المجتمعية التي تجد في الرقص متعة حياتية تطيح بكل هموم الدنيا لصالح انسجام اجتماعي يبتغيه الفرد وصولاً إلى الفرح والبهجة المرادة.

ويلتقي حول هذا الرأي بعض الناس الذين يعيشون هذه الحالة وينفسون عن آهاتهم ومعاناتهم في الرقص كثير الحركة، وكثير البهجة، فعندما ينطلق في المرء سيل من حركات لا إرادية مثيرة، مع الموسيقا الصاخبة التي تلامس الداخل الإنساني، يحلق الإنسان في مسارات وتغيرات نفسية، يشعر فيها أنه يحلق في الفضاء، في ساحات عشق إلهـي ملكوتي، لا يملك أن يهبط على الأرض مطلقاً، بل يندفع بمزيد من النشوة والصعود النفسي إلى حيوات أخرى، قد لا تكون حيواتنا، ولا واقعيتنا بل أشياء وأشياء أخرى تماماً، لا يدركها إلا من يعيش تلاوينها، وينسجم مع توضعها الروحي بعيد المدى،وبعيد الأمل.. يحلق المرء في أبراج شاهقة، ومقاهي عليا مطلة على عوالم أخرى، غير عوالمنا، وحدائق خلابة غير حدائقنا، تشكل إضاءات رومانسية عبر صور جمالية لا تمحى بسهولة، ولا تعود هابطة للأرض بسرعة.

في الرقص علو، وسمو، وانفلات روحي يهرب به، ومعه الإنسان شاباً، أم فتاتاً، أو حتى من فئات عمرية أكبر، إلى حيث هناك.. حيث الكل في الواحد.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى