في القدس
سأنشغل لأيام بقراءة قصيدة تميم البرغوثي (في القدس)، وحين أقرأ الديوان أصل إلى الرأي التالي: تميم شاعر يُستمعُ إليه فيأسر، وحين أقرأه أنا لا أجد متعة في قراءته. هذا رأي غير ملزم لأحد.
سيسألني كثيرون: لماذا لا تكتب عن تميم؟ ولا أجد إجابة غير تلك التي أوردتها آنفاً، وسأقول لمن يسألني: على جيل تميم أن ينقد أشعار تميم.
ليس بيني وبين تميم معرفة، وحين احتفلت به جامعة النجاح الوطنية لم أذهب لأمسيته، فقد أصغيت إليه يلقي قصائده من على فضائيات الجزيرة و... و... والفضائية الفلسطينية. ربما كنت منشغلاً بكتابة ما، بقراءة رواية أو بتصحيح أوراق امتحان ما. ستأسر قصيدة تميم " في القدس " عشرات محبي الشعر، بل مئات محبي الشعر، بل آلاف محبيه، وربما غدا شاعر المليون. أنا قرأت القصيدة غير مرة ولم أكتب عنها ابتداءً، ولا أدري إن كنت سأتابع أشعار تميم.
وتميم ابن أبيه وابن أمه. ابن مريد ورضوى، وحين أورد هذا في إحدى قصائده قلت: فرخ البط عوام، وتميم ابن مريد فعلاً. سأقرأ في (القدس) عشر مرات إن لم يكن أكثر. سيطلب مني أن أشارك في ندوة سيعقدها قسم اللغة العربية في جامعة النجاح الوطنية، يوم الأربعاء 22/4/2009، عن القدس. عن صورة القدس في الأدب. ولما كنت أنجزت دراسة عن صورة القدس في الشعر العربي المعاصر نشرتها في كتاب أولاً ثم في مجلة كنعان ثانياً، ثم في مجلة الشعراء ثالثاً، ولما عقدت العزم على أن أكتب عن صورة القدس في القصة القصيرة، لأشارك في مؤتمر جامعة القدس المفتوحة، بالتعاون مع وزارة الثقافة وبيت الشعر، فقد قررت أن أشارك في ندوة جامعة النجاح الوطنية بورقة مختلفة. قلت فلأكتب إذن عن تميم والقدس في نصه.
وسأقرأ أيضاً في هذه الأثناء قصيدة جديدة للشاعر عز الدين المناصرة عنوانها (القدس عاصمة السماء) نشرها في موقع ديوان العرب. وأنا أقرأها سأثير السؤال التالي: هل ستغدو القدس، هذا العام، الأكثر حضوراً في الشعر العربي؟ وهل سنقرأ قصائد جميلة أم أننا سنقرأ كلاماً أي كلام، لأن الشعراء سيكتبون عن المدينة دون أن تكون لهم تجربة معها أو فيها؟ هل ستغدو الكتابة متكلفة، وبالتالي ستفتقد قصائد القدس قدراً كبيراً من حرارة الشعر الصادر عن تجربة؟
قصيدة تميم (في القدس) قصيدة تعبر عن تجربة مر بها الشاعر. أراد أن يزور المدينة فصدّه قانون الأعادي، وسيعرف أن في القدس من في القدس إلا هو، أو كما يخاطب نفسه: في القدس من في القدس إلا أنت، وهذه العبارة وردت أيضاً على لسان التاريخ الذي تلفت إلى الشاعر مبتسماً قائلاً: في القدس من في القدس إلا أنت. وصوت التاريخ هنا هو صوت الحكومة الإسرائيلية أيضاً وفعلها: يسمح للجميع بزيارة القدس ودخولها إلا لأبناء فلسطين في الضفة الغربية والقطاع والمنافي. ويرد تميم على كاتب التاريخ، إذ تنتهي القصيدة بما توحي إلى تميم البسمة التي تداعب وجهه وهو يغادرها:
إنه في القدس من في القدس، لكنلا أرى في القدس إلا أنت
هل هو التفاؤل التاريخي الذي حفلت به أدبيات الواقعية الاشتراكية قبل ثلاثة عقود وأكثر؟ هل هو التفاؤل الساذج والسطحي أم أنه بالفعل التفاؤل التاريخي؟ فقد مكث الصليبيون في القدس مائتي عام،واحتلوها تسعين عاماً حتى حررها صلاح الدين، وذهب الافرنج، وبقينا!
سأرى وأنا أقرأ (في القدس) أن تميم ابن أبيه. مثله مثل كعب بن زهير. كان الأب شاعراً، وكان الابن أيضاً شاعراً. وحين يقول لي من يصغون إلى تميم: إنه شاعر،أجيبهم: أبوه أشعر منه. أبوه شاعر كبير. طبعاً أنا لا أتناسى فارق العمر، فقد يغدو تميم حين يغدو في عمر أبيه، شاعراً كبيراً أيضاً. أما لماذا تميم ابن ابيه؟ فلأنه ابن أبيه، بذرة وشعراً أيضاً. حين تقرأ ( في القدس)سرعان ما تتذك (طال الشتات) للأب. وكما خرج الابن من صلب أبيه، فقد خرجت قصيدته من قصيدة أبيه.
ولأنني مشغول أحياناً بسؤال السلالة، فقد رأيت أن قصيدة تميم (في القدس) تتناص مع قصيدة درويش (في القدس) من ديوان (لا تعتذر عما فعلت)(2003). كان درويش مر بتجربة شخصية أيضاً زار خلالها القدس، فسألته الشرطية: هو أنت ثانية؟ ألم أفتلك؟. مؤخراً قرأت في الأيام (رام الله) بعض قصائد درويش الجديدة، ومنها: إلى شاعر شاب. هل كان تميم هو المخاطب فيها؟ وهل رأى درويش في تميم خلاصته وخلاصة أبيه مريد، فقال له: لا تكن خلاصتنا. كن أنت. ربما!!.