الثلاثاء ٣١ أيار (مايو) ٢٠١١
صورة المجتمع المصري والدین
بقلم محبوبة بادرستاني

في روایة اللّصّ والکلاب

محبوبة بادرستانی، خرّیجة جامعة آزاد الإسلامیة في کرج،قسم اللغة العربیة وآدابها،کرج، ایران

الملخص

إنّ المجتمع المصري المعاصر متأثر تأثيرا شديداً بالأحداث السياسية التي ادخلت عليها تغييرات مهمة، فإن الإنتاج الروائي لنجيب محفوظ مرتبط ارتباطا وثيقاً بالتواريخ المهمة في مصر المعاصرة ويجب أن نأخذ بعين الإعتبار التواريخ التي أثرت في حياة الشعب المصري كتواريخ ثورة 1919 وثورة 23 يوليو 1952.

یقوم هذا المقال بدراسة صورة المجتمع المصري في روایة اللّصّ والکلاب في نهاية الخمسينات أو أوائل الستينات. حينما كان نظام الملكي في مصر يلفظ آخر أنفاسه واعلنت الجمهورية فيها لكنها مع الأسف واجهت الخيانة.ویشیر ایضاً إلی مضمون الدین من خلال الروایة.

المقدمة

إنّ المجتمع الذي صوّره نجيب محفوظ في اللّصّ والكلاب مع اشخاصه وأحداثه، هو مجتمعٌ مفعم بالعدالة المغمورة وبالعديد من الفقراء والذين يعيشون فيه بالضّياع، المجتمع الذي فيه ضحيات الفقر كثيرة ممن يلجأن من الفقر واليأس إلي البغاء وبيع الجسد، للبقاء والعيش، امثال شخصية نور في القصة ومن خلال فقدان هذه الشخصية يطرح نجيب محفوظ قضيةً من لسان سعيد مهران وهي:« هل تهتز شعرة في الوجود لضياعها» [1] وهذه العبارة قد تكشف عن الأوضاع الإجتماعية في المجتمع المصري ويبيّن الكاتب من خلالها بصورة غير مباشرة أنّ في هذا المجتمع لا تهتز شعرة لضياع أحد وأنّ لا قيمة فيه للإنسان. والمجتمع المصري في اللّصّ والكلاب هو تصويرٌ حيٌ من الظروف التي كان يعاني منها افراد الشعب.

إنّ أعمال شخصيات اللّصّ والكلاب ترجع إلي الظروف الحاكمة في المجتمع، واللّصّ والكلاب انعكاس للفقر و المشاكل. الحبيبة التي تخون زوجها بسبب الخوف عن إثارة المشاكل الأخري، و الفتاة التي تعيش في الإنزواء ولإكتساب الرزق تبيع جسدها إذ إنها مطرودة من المجتمع،والحكومة التي تساعد الخائن والمجرم وتَدَعُ الامور للمحكمة التي لا يَصدرُ الحكم فيها إلاّ لصالح المجرم وليس الحاكم عادلا لقدرته ولا يساعد الجماهير الذين يعتبرون مجرمين في رأي الحكومة والقانون .«ولكن كيف تطمئن علی قضاتك وبينك وبينهم خصومة شخصية لا شأن لها بالصالح العام؟!إنهم أقرباء للوغد و يفصل بينك وبينهم قرن من الزمان » [2] فالحكومة « تتحيز لبعض اللّصّوص دون البعض !» [3] وفي رأي الحكومة إنّ الكلام الحق يصدر من الحاكم فقط سواء أ كان صحيحا أو خطأ، والمجرمون ينجون ويسقط الأبرياء.

«فقال سعيد بغم:

  بل المجرمون ينجون ويسقط الأبرياء...

فتساءل الشيخ وهو يتنهد:
  متي نظفر بسكون القلب تحت جريان الحكم؟

فأجاب سعيد:
 عندما يكون الحكم عادلا.

الشيخ
 هو عادل أبدا..

فحرك سعيد رأسه في غيظ مغمغما:
  هرب الأوغاد وا أسفاه..» [4]

ورؤوف علوان الصحفي الكبير والذي كان طالباً ثائراً ضد سوء توزيع الثروات في المجتمع وكان يدعو الناس إلي الإشتراكية، يتحول إلي واحد من الرجال المحترمين في نظر المجتمع والناس وإلي أحد الذين يعيشون في القصور الفخمة فهو رمز للزعماء الإشتراكيين الذين دعوا الشعب إلي الثورة والحرية وانتهكوا مبادئها في النهاية ودخلوا في السلطة التي كانوا من مخالفيها في السابق فهو تصويرٌ من النظام الملكي والسلطة التي لم تمت وبقيت حينذاك.وإنه دائماً في مأمن إذ إنّه من السلطة والظالمين.

وسعيد مهران هو نموذج فردٍ يقف أمام هذه السلطة لإثبات وجوده رغم الشعب المصري الذي اعتاد علي الإستبداد وهو يكره الظالمين ويشير نجيب محفوظ من خلال سرده إلي هذه المسألة.

« نور - ويتحدث عنك الناس كأنك عنترة ولكنهم لايدرون عذابنا..

فقال ببساطة:

سعيد - أكثرية شعبنا لا تخاف اللّصّوص ولا تكرههم..

وتواصلت خمس دقائق في التهام الشواء ثم قال:
- ولكنهم بالفطرة يكرهون الكلاب...» [5]

ونجيب محفوظ يقول من صفات المصريين العجيبة « إنهم تمرسوا بالإستبداد وهم من اقوي الناس علی كراهية وعلی الصبر عليه. إنهم يحتملونه كما يحتمل الشخص مرضا لا يحبه ولكن يصبر عليه... و إنهم من اكثر شعوب العالم احساسا بالحاكم.وسبب ذلك أن الحاكم كان له دائما وفي كل العصور اثر في كل تفاصيل حياتهم اليومية». [6] فإن التاريخ المصري لا يخلو من ثورات وتمردات لا تعد ولا تحصي.

ونجيب محفوظ يريد أن يقول من خلال قيام سعيد مهران للثورة وللمواجهة قام كثيرون من امثال سعيد مهران في المجتمع المصري ضد الاستبداد وجرت فيها الثورات العديدة لكنهم ما تمكّنوا من إسقاط الإستبداد ولايزال هو باقيا فيها.والجو المصري« قاتم من الخوف والإرهاب لكن الناس تحملوا البغي في جلد، ولاذوا بالصبر واستمسكوا بالأمل». [7]

الدّين في اللّصّ والكلاب

الدّين والإشتراكية من الاهتمامات الجوهرية عند نجيب محفوظ و هو يعتقد « أن القوتين تتنازعان الإنسان والإنسان لا يملك أن يتجاهلهما». [8]

إن الدّين يمثل بعداً أصيلاً وهاماً في الشخصية المصرية ويُعد المصري متديناً جداً« لأنه في فترات إنتظاره الطويلة والتي فرضت عليه ألواناً من الصبر وجد أنّ عليه أن يفكر في الكون وفي الخليقة و فيما بعد الموت وهذا هو باعث الدين، لأنه وجد في الدّين الإجابة علی جميع أسئلة : لماذا احياً؟ و لماذا أموت ؟ وإلي أين أنا ذاهب؟». [9]

إن نجيب محفوظ يستعمل هذا البعد الأصيل في رواياته، خاصةً في روايات فترة الستينات.والعلاقة بين الإنسان والدين ووجود الايمان فيه والبحث عن الحقيقة تظهر بشكل رمزي ميتافيزيقي في هذه الروايات، حيث يلاحظ في أولادحارتنا بدايةً ويستمر في اللّصّ والكلاب ثم في الطريق والشحاذ والسمان والخريف وثرثرة فوق النيل. ومن ثمّ حظي الجانب الميتافيزيقي والتصوف بإهتمام كبير في روايات هذه الفترة عند نجيب محفوظ.

تطرح قضية الدّين والعقيدة في اللّص والكلاب من خلال العلاقة بين سعيد مهران والشيخ علي الجنيدي الذي يمثل جانب الايمان في نفس سعيد مهران والفكرة الدينية والايمان، في حين أنها كانت بعيدةً عن عقل سعيد مهران.

إنّ سعيد مهران يعرف الشيخ من الطفولة، هو يتذكر أن اباه كان يقصد الشيخ عند الكرب فيری أنّ الرجوع إلی عالم الشيخ علي الجنيدي يمكن أن يحلّ عن مشاكله فهو مثل أبيه يقصد الشيخ و يلجأ إليه لحل قضيته والكشف عن همّه، فذهب إلی الجنيدي بعقل مستغرق في مشكلات الأرض.

« مولای قصدتك في ساعة أنكرتني فيها ابنتي...
  قلت لنفسي إذا كان الله قد مد له في العمر فسأجد الباب مفتوحا..

فقال الشيخ بهدوء:
  وباب السماء كيف وجدته؟
  لكني لاأجد مكانا في الأرض ، وابنتي انكرتني ...
  ما أشبهها بك؟
  كيف يا مولای؟
  أنت طالب بيت لا جواب؟» [10]

من خلال المتاعب يدعو الشيخ سعيد إلي البدء من جديد، وأن يتوضأ ويقرأ ولا يفهم سعيدَ ويقول: « - أنت تريد بيتا ليس الا ..

سعيد
 ليس بيتا فحسب، اكثر من ذلك ، اود أن أقول اللّهم ارض عني..

فقال الشيخ كالمترنم:

قالت المرأة السماوية :
 « أماتستحي أن تطلب رضا من لست عنه براض؟!»» [11]

ولكن سعيد جاء إلي الجنيدي، ولا ينتظر الحل السماوي وأصلاً لا يدرك كلمات الشيخ ولهذا يقول« إن كلماته لايمكن أن يعيها مقبل علي النار». [12]

« إنّ سعيد مهران يطمح في أن يتوازن العالم المادي مثل توازن عالم الشيخ الجنيدي المجهول إن الشيخ الجنيدي لايعبأ بانسجام عالمنا لأنّه في نظره عالم أشباح مزيف غير حقيقي،أما سعيد فيري أنّ عالمنا حقيقي لأنه متعلق به ومنتم إليه ،وهو في أزمة نفسه يتطلع مسحورا للتوازن الذي يتميز به عالم الشيخ ، وينجذب اليه، في لحظات الحيرة». [13]

فلم يستطع أن يجذب الجنيدي سعيد إلی جانبه وأن يقدّم حلا لمشكلة سعيد مهران وهو يتعاطف معه فقط ولا يقدم له غير كلمات غامضة ولا يجد سعيد عند الشيخ غيرها ولا يسمع في ردّه الاّ كلمات فارغة:

« الصبر مقدس تقدس به الأشياء..

فقال سعيد بغم:
  بل المجرمون ينجون ويسقط الابرياء..

فتساءل الشيخ وهو يتنهد:
  متي نظفر بسكون القلب تحت جريان الحكم؟

فأجاب سعيد :
 عندما يكون الحكم عادلاً.
 هو عادلا أبدا..

فحرك سعيد رأسه في غيظ مغمغما:
  هرب الأوغاد وا أسفاه..

فابتسم الشيخ ولم ينبس ، فقال سعيد بنبرة جديدة يمهد بها لتغيير مجري الحديث:
  سأنام و وجهي إلي الجدار ، لا أود أن يراني أحد ممن يزورونك ،إني ألجأ اليك فاحفظني..

فقال الشيخ برحمة:
 التوكل ترك الايواء الا إلی الله..

فسأله بإشفاق :
  هل تتخلي عني؟
  معاذ الله

فتساءل في يأس:
 هل في وسعك بكل ما أوتيت من فضل أن تنقذني
 أنت تنقذ نفسك ان شئت». [14]

فبهذا السبب تصبح صورة الشيخ علي الجنيدي صورة سلبية عند سعيد مهران وهذه الصورة تنعكس علي احلامه وفي الحقيقة هذه الأحلام صادرة عن نفسه وتفسير لأعماقه.

حينما يحلم «يطالبه الشيخ بالبطاقة الشخصية ليتأكد من أنه من الخاطئين لأنه لا يحب المستقيمين... فقال الشيخ أن ذلك كله تم بناء علی اقتراح للأستاذ الكبير رؤوف علوان المرشح لوظيفة شيخ المشايخ فعجب سعيد للمرة الثالثة». [15]

في الحقيقة هذا النص يشير إلی فكرة سعيد مهران إذ في النهاية اصبحت هذه الصورة الصوفية مشابهة تماما لرؤوف علوان ويتحولان لدی مهران إلی شخص واحد.لأنه لم يستطع أن يخلّصه من مشكلته وينقذه، وبقي سعيد في حيرته يائسا.

بمعني أن الشيخ علي الجنيدي في خيانته في أمر الدين يتساوي مع رؤوف علوان الذي كان يمثل الخيانة في الأمور الإجتماعية وكلاهما من الخائنين وعلی حسب هذه العبارة « فقال الشيخ أن ذلك كله تم بناء علي اقتراح للأستاذ الكبير رؤوف علوان المرشح لوظيفة شيخ المشايخ ...»يمكن القول يريد الكاتب أن يقول حتی الأوغاد ينفذون إلی الدين و يؤثّرون علي رجال الدين و الفساد ينفذ إليهم.

النتیجة
عاش نجیب محفوظ في مجتمع مفعم بالحکایات والأحداث التاریخیة والإجتماعیة لذا فإنّ الأحداث والقضایا دفعته إلی کتابة الروایات التاریخیة والإجتماعیة والرمزیة التی تنجم عن ظروف المجتمع آنذاک وینظر نجیب محفوظ إلی الدین في اللّصّ والکلاب کعامل لا یتمکن من حل المشاکل و حتی الفساد یمکن أن ینفذ إلیه ویلاحظ هذا الرأی من خلال حلم شخصیة سعید مهران في الروایة.

المصادر والمراجع

  1. محفوظ نجیب.1973م.اللّصّ والکلاب.الطبعة السادسة.القاهرة:مکتبة مصر.
  2. محفوظ نجیب.2006م.أتحدث إلیکم.بیروت:دارالعودة.
  3. محفوظ نجیب.2007م.اولاد حارتنا.الطبعة الثالثة.لابـ:دارالشروق.
  4. محمد موسی،مصطفی.2005م.نجیب محفوظ نوبل حول المجرم و الجریمة و الظواهر الإجتماعیة.ط؟.لاب:الهیئة المصریة العامة للکتاب.

Mahboobeh Badrestani

Department of Arabic Litature ,Karaj Branch,Islamic Azad university,Karaj,Iran.


[1اللص والکلاب،1973م:158

[2م.س:147،148

[3ن.م:93

[4ن.م:163

[5م.س:126

[6محفوظ،2006م:165

[7اولادحارتنا،2007م:581

[8محفوظ،2006م:147

[9محمد موسی،2005م:63

[10اللّصّ والکلاب،1973 :25

[11ن.م:26

[12ن.م:32

[13محفوظ،2006م:147

[14اللّصّ والکلاب،1973م:163

[15ن.م:82،83


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى