الخميس ٤ حزيران (يونيو) ٢٠٠٩
بقلم غزالة الزهراء

في مهب العاصفة

الليل الزنجي نسر جارح، ظلوم، لئيم، بسط جناحيه فوق صدر المدينة المحموم، يلتقط بطريقة بهلوانية، خبيثة آهات الثكلى الممزقة، المتطايرة، وأنات المتمردين الذين غاصوا في حمأة المعصية، وتبخروا كصرخات متقطعة، انتحارية، مجنونة.

(مراد) واحد من هؤلاء الذين انساقوا وراء التيار الموبوء، واستوطنتهم نزغات الشيطان الرجيم. إمتطى بمحض إرادته صهوة العناد، والجبروت، والعصيان، وشق تلافيف الدرب الفاسد الملتوي حاملا بين يديه قلبا يمور بالضبابية، واللوعة، والهواجس.

في جوف هذا الليل المتوحش، المخيف، العابس القسمات، الفاغر فاها كانت السيدة (أمنية) تبتهل بدعوات صادقة إلى ربها لعله يلقي على وحيدها يد رحمته، ويرده لها سالما، معافى.
سنها شارف الخمسين أو كاد، ورغم هذا ما زالت تواصل مشوارها الوظيفي في بعض البيوت كخادمة مطواعة، تغرز أظافرها العشر في قلب المعاناة لتحوز بلقمة شريفة تحفظ لها ماء الوجه، وتجنبها ذل السؤال مادامت حية ترزق.

زوجها عاجله الأجل، انسلخ من هرم دنياها العتيد وهي لم تزل يافعة، يانعة كالياسمين، يصدح في مقلتيها وهج الشباب الزاهي، وترنيمات الغد الملونة بألف لون ولون.
رفضت رفضا قاطعا كل من دأب على طلب يدها لربط مصيره بمصيرها، وكرست حياتها النضالية لتنشئته التنشئة الصحيحة حتى يصير رجلا كامل النضوج، ويهب للذود عنها كلما أحدق بها سوء، أو هاجمها خطر.

كانت تتابع نموه لحظة بلحظة، وعيناها تتطلعان إليه بدافع من الحب، والفضول، والاهتمام، تسقيه بنبع عطفها الغزير، وحنانها المتوهج السرمدي، وتظلله بخمائل زكية من أمومتها الشذية، الخالصة.
دنا منها بعض الشيء، كشر عن أنيابه تكشيرة الفزع، صاح في وجهها صيحة ليث هائج جائع: أريد مبلغا من المال.

تراجعت إلى الخلف وهي تتوجس خيفة من مغبة تصرفاته، ونطقت في حنو يفيض ليمتلىء قلبه المتحجر رأفة، ويتفهم الوضع: ليس عندي شيء.
ألح ثانية في تهديد مستطير: أريد مبلغا من المال، وإلا....
تكورت خوفا، وتناسل اليأس بداخلها كداء خبيث لا يقهر، وانهملت العبرات من عينيها الحزينتين ترتعش في ذهول غريب.

ــ هل أصابتك عين حاسدة يا ولدي؟
ــ .......
سحب من جيبه سكينا حادا، وزمجر كالعاصفة الغاضبة: سأقتل نفسي إن لم تعطيني مبلغا من المال، أفهمت؟
جثت على ركبتيها صارخة، مستعطفة إياه: لا، لا، أرجوك، لا تقتل نفسك يا ولدي، لن أحيا فوق الأرض بدونك، أنت حبيبي، ومؤنسي الوحيد.

ــ إذن ما دام الأمر هكذا، إعطيني بعض المال لأنتعش به.
ــ تبا للمخدرات يا ولدي! تبا لها! ستهتك جسدك، ستموت إن عاجلا أم آجلا.
ــ لا يهمني الأمر بتاتا، هيا اعطيني المبلغ وإلا......
قدمت له ما أراد، انسل خارجا من الباب مزهوا، ولكن العاصفة الحمقاء ستبتلعه لا محالة


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى