الأربعاء ٦ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠٠٦
بقلم أحمد أبو سليم

فَصل مِن مَحاكِم الشُّهداء

مالَ الشِّتاءُ فَبَعثَرتنا الرّيحُ دَمعاً في الدُّخانْ
غُرَباءُ تَسكُنُنا الشَّوارِعُ في الظَّلامِ كَأَنَّنا
أُرجوحَةٌ تَهتَزُّ بَينَ الذِّكرَياتِ وَخوفِنا
سَنَصيرُ يَوماً في الفَراغِ ذَريعَةً
ما كانَ كانْ
شَبَقُ التُّرابِ إلى المَكانْ
دَمعُ النِّساءِ ، وَغَصَّةٌ
آثارُ مَوتِ العائِدينَ مَعَ الغُروبِ
مِنَ الحَقيقَةِ كَالصَّدى
روحٌ تَرِفُّ كَبَيرَقٍ فَوقَ الرُّؤوسِ
وَتَشتَهي وَقعَ الحَياةْ
الماءُ حِبرٌ حامِضٌ
للِصَّمتِ صَوتٌ واضِحٌ
للِصَّوتِ ظِلٌّ مائِلٌ
للِرَّملِ قَلبٌ بارِدٌ
لُغَةُ الجِدارِ ذَريعَةُ النِّسيانْ
ما كانَ كانْ
أَجسادُنا تَمضي عَلى أَكتافِنا
أَرواحُنا نارٌ تُشَيِّعُ في اللَّظى....
أَرواحَنا
شَبَقُ الخُرافَةِ
كَيفَ صَفَّقنا لَنا ؟
لِجَنازَةٍ تَزهو بِنا
في الرّيحِ تَنثُرُنا عَلى وَقعِ الخُطى
والنّايِ
والمِزمارِ
والطَّبلِ الحَزينِ
كَعَوسَجٍ ؟
هَل دَفَّأتنا الشَّمسُ في بَردِ الشِّتاءِ
لِتَخلَعَ الجِلدَ الَّذي غَطّى دُهوراً
في الدُّجى عوراتِنا ؟
دارَت عَلينا
أَشرَعَت أَنيابَها
وَتَعَلَّقَت أَرواحُنا فَوقَ العِصيِّ مَصاحِفاً
مَن أَلبَسَ الشُهَداءَ أَكفانَ الحَديدْ ؟
مَن شَقَّ أَرواحَ العَبيدِ مِنَ الوَريدِ إلى الوَريدْ ؟
مَن أَلبَسَ الأَحلامَ بَعدَ العِريِ أَثوابَ الجَليدْ ؟
لا لَونَ إلاّ الأَسوَدُ المَسروقُ مِن صَلَواتِنا
كَعَباءَةٍ
وَخُيوطُ بَيتِ العَنكَبوتِ عَلى الزَّمانْ
مُزَقُ الطَّحالِبِ
والدِّماءُ
وَصَدرُ أُنثى أُترِعَت بِوَساوِسِ الأَحزانْ
- مَن أَيقَظَ الأَرضَ الَّتي نامَت عَلى صَلصالِها دَهراً ؟
- أَنا !
- مَن عَلَّمَ الأَسماءَ للِمَوتى ؟
- أَنا !
- في البَدءِ كانَ المَوتْ
في البَدءِ كانَ الصَّوتْ
أُنشودَةُ الشَّيطانْ
مَوتى :
غُرابٌ واحِدٌ
هابيلُ
والعَرشُ السَّرابُ مُعَلَّقٌ بِحِبالِ نارٍ
فَوقَ قَلبِ المَرأَةِ الأُولى
بَقايا الحُلمِ
والمِفتاحُ
والأَبوابُ
والسَّجانْ
تَعِبَت دِمائي مِن سِيوفِ الفاتِحينَ
كَأَنَّني سِرُّ الهَزيمَةِ
رايَتي سَوداءُ
ما زالَ الغُرابُ الأَسوَدُ المَقتولُ فيها
رايَةً
ما زالَت الغُربانُ تَحرُسُها مِنَ الغُربانْ
ما كانَ لي وَجهُ الخَيارِ
لِكَي أَكونَ مُحارِباً
في جَيشِهِ المَنذورِ لِلمَوتِ الكَئيبِ
وَلِلهَزيمَةِ مُنذُ أَن ماتَ الغُرابُ مُهادِناً
فَليَسقُطُ الشُّهَداءُ
كانوا – مُنذُ كانوا –
مِن بَقايا قَبضَةِ الأَقنانْ
- مَن أَلبَسَ الفَرَسَ العَنيدَةَ سَرجَها ؟
مَن دَجَّنَ الأَحلامَ والقُرآنْ ؟
صَوتٌ تَدَلّى في الرَّبيعِ مَشانِقاً عَطشى عَلى الأَغصانْ
صَوتٌ تَدَلّى في دَمي
كَي يَحرُسَ الأَوثانْ
نامَت عُيوني
كَيفَ صارَ الحِبرُ دَمعاً ؟
كَيفَ صارَ الدَّمعُ جِسراً ؟
كَيفَ صارَ الجِسرُ نَعشاً ؟
كَيفَ صارَ النَّعشُ عَرشاً لِلبكاةْ ؟
نامَت عُيوني
كَيفَ صارَ المَوتُ كُفراً ؟
والهَزيمَةُ كَيفَ صارَت
في الزَّمانِ المُرِّ نَصراً ؟
والزُّناةُ تَكاثَروا مِثلَ الذُّبابِ عَلى الغِناءْ ؟
صَوتٌ تَدَلّى في دَمي .... خَيطاً
فَلا نِامَت وَرائي
أَعيُنُ الجُبَناءْ

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى