الأحد ١٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم حسن برطال

قراءة في المجموعة القصصية (الكرسي الأزرق) للكاتب المغربي عبد الله المتقي

تفاعل الأمكنة (الكرسي).. مع حركية اللون (الزرقة) في نصوص المجموعة..

عبد الله المتقي مع اختياره لزرقة الخشب يتحول إلى كائن (هوائي/ مائي) لإحياء جماده (الكرسي) لينقلب من أداة فاخرة تستقطب (الكروش) المُتخمة إلى مقعد بعجلات يساعد على الإعاقة الفكرية والروحية وهذا ليس بغريب عن فارس (أسردون) الذي ومنذ صرخته الأولى ومضخة قلبه تصارع الشلال القوي.. ويموت ليحيا في تياره المتساقط (وجعلنا من الماء كل شيء حي).. إنه الصمود القوي والكون الغير القابل للتزحزح (بزُرقة ماءه وفضائه).. إنه عالم الواقع والغير المتخيل الذي نفخ فيه الكاتب من روحه.. وحركه بعد تشكيله (الكرسي/ الأزرق)..

هذا المرتع يتحول في غالب الأحيان بزرقته إلى مركبة (فضائية/ مائية) حيث غشاوة اللون الأزرق لتناشد العلو وليس التعالي والاستعلاء على القارئ، تهتز مع حركات الموج.. تتقدم وتتراجع مع المد والجزر.. (مبارزة القارئ).. تقارع صخور القاع لتحريك البنية التحتية والمستحثات الرسوبية المترسبة.. ومنها إلى قمة الهرم حيث (المنقار) والسهم الدامي حينما يزمجر مع الرعد وسط (زرقة) الفضاء مرتكزا على سرد (خطي) يجعل التراكمات اللغوية عبارة عن بساط وجسد إبداعي خالي من النتوءات التضاريسية تمكنه من فرض توازنه (وجعلنا الجبال رواسي) بل الأهم من ذلك هو أن التضاريس (الكلامية) تُعَجل بتنظيم مُحْكم لنزال ضروس بين المتلقي والنص ينتهي بالنتيجة المرغوب فيها.. ألا وهي فوز من كانت هزيمته منتظرة..

إنها قمة الإبداع حينما يتمكن الكاتب من الخروج من جلده الآدمي ليصبح (وحيا) يربط السماء بالأرض وإلى (بُراق) يعرج بنا من الأسفل إلى الأعلى في رمشة عين وذلك بفضل آلته الذكية الكاشفة للألغام وحسن اختياره لقوة (زُرقة) اللون.. وهنا يكون من المفروض أن نقول أن هذا الإعجاز المجازي لم يأت من فراغ ولكنه نابت وسط موروث سليم وزاد بمتاع أنطولوجي حديث تجرها قاطرة ثراته يهرب به بعيدا عن المنزلقات (الزنقاوية) التي تجرد اللون من مصدر قوته وإيحاءاته التي خُلِق من أجلها رافضا الاعتراف بالمقولات التي تقول: فلان (أزرق) يعني أنه لا يفقه في الأمور شيئا.. ولو لمست شيئا من هذا لقلتُ لكاتبنا.. يا أخي المتقي.. اتقي الله في خلق الله وسمي الأشياء بأسمائها وفي عالم التشكيل أيضا يكون اكتساح لون معَين للوحة راجع إلى ميكانيزمات لاشعورية تجعل المكان يلبس لونه بعد مخاض عسير وسط تفاعلين اثنين (ظاهر/ باطن) ينتج عنه ثنائية (تأكيد الذات/ اختباء وهزيمة).. (العنصرية/ السواد).. (السلام/ لبياض).. (الزرقة/ اتساع المكان) وهذا أعتبره تأكيدا لذات مُعَينة.. أما الألوان (الحر بائية) فهي انصهار الذات في المكان قصد الاختباء والاحتماء فيه...

أليس هذا تحريك لجغرافية معقدة لا يتحقق إلا بالتزام صادق مع الألوان.. ؟؟

الكرسي الذي يقف على رجليه، يبدو الآن مستلقيا على قفاه قرب الباب) (حركة في المكان
الكرسي الأزرق يقطب جبينه الآن )..( حركة في المكان والزمان) (الجسد/ الروح

نص ( الكرسي الأزرق) ص (67).. كما أن غرفة صغيرة تتحول إلى قضاء واسع بومضة (زرقاء ) سريعة تتبنى عدة ارتدادات مستعجلة ومتلاحقة يعجز عن رصدها سُلم (ريشتر) الزمني... ( تملصتْ منه برفق، وانسحبتْ إلى مرآتها مُخلفة خلفها ما يُشبه الإ شتعالات.. صففتْ شعرها.. رشتْ إبطيها برائحة الجنة..) نص (علبة زرقاء) ص (50) ويصل ألحكي ذروته في عزف سيمفونية اللون وعلاقته بمساحات المكان (جغرافيا/ زمنيا) حينما يتحول فرد آدمي إلى ذاكرة تاريخ يُعنى بتسجيل الأحداث والتطورات عاشها شعب أو أمة بكاملها.. (التاريخ/ صانعه).. حركة (زمان/ مكان )

[قال الأب :

— هذه صومعة حسان

— وبناها يعقوب المنصور

و بعد لحظة، استدار الطفل فوقعتْ عيناه على شيخ منهك في بذلة (زرقاء) يلمع باب الصومعة تم عاد الطفل ليسأل أباه :

— هذا الرجل (الأزرق) هو خالي منصور..؟؟] نص (منصور) ص (45) وحينما يولج الكاتب (البستاني) في (البستان).. والعكس صحيح ويربط حياة شخص بمكن وبذلة (زرقاء) تشير إلى عمل معين فإنه يؤرخ لتمدد حركة (زمكمانية) تُحَول متر واحد من خطوة عامل بسيط إلى آلاف الكيلومترات في حقل برمزية مضبوطة يحتفظ اللون (الأزرق) بسريتها.. [البستاني يشذب الطفيليات بمقص صدئ يتصبب العرق من أساريره،يمسحه بكُم قميصه (الأزرق)] نص (غضب) (28).. [أمي تسرح شعرها بالزيت ا لبلدي.. أبي يرتق بْلوزَتَهُ (الزرقاء) بخيوط بيضاء] نص (دادة) ص (15)

ومن المفارقات المحمودة هو اكتشاف لتمرد على العرقية ة القومية داخل عوالم هذه المجموعة ولانفتاح على ثقافة الآخر لو كانت بالمرموز تحت جلباب عيون الشقراوات.. وهذا المطياف اللوني الذي يعتصر دبدبات ضوئية مصدرها عين الكاتب ا لثاقبة التي تجعل قوس قزح يُعاني من استنزاف لونه من قبل الذات الجامدة كذلك.. لكنني أشعر وكأن هذا التمازج (العصيدة) والمأكولات المحلية التي يطبخها الكاتب مع كمية زائدة من زيت الزيتون بقدر ما تزيد في لذة مذاقها على مستوى اللسان بقدر ما تتسبب في بعض الإنزلاقات فوق مائدة الأكل لأن مطبخ (الآخر) بمجال ضيق لا يتسع لصحون وأطباق مختلفة دسمة تفوق دهنياتها الحد المطلوب يجعل معدة الأجنبي الغير الملقحة تعجز عن مسايرة هذه الوصفات الغريبة فمثلا.. ثنائية (العانة/ الفراشة) تختزل جمال الجناح السماوي المزركش للفراشة في حُلكة شعيرات سوداء ترتبط بهامشية الأمكنة الجسدية المسكوت عنها وعن معاناتها التي لا حول لها ولا قوة على الطيران ولو عبر عبارات متناثرة بواسطة شفاه يعلوها لون (احمرار) الخجل،الحشمة والحرج وسط جلسات حميمية أسرية.. (حكى الرجل عن عانته، فراشته، وطفولته المشاغبة، ضنت المرأة أن الرجل احتساه النبيذ..) نص (زغب الشيطان) ص (13)... فالتواطؤ هنا على التستر وابتلاع مجموعة من الحقائق بواسطة قفزة (طولية) تربط بين القطبين (العانة/ الفراشة ).. كتحويل جناح الفراشة إلى مسحوق في رحاب مختبر الصبا للتعجيل بظهور شعر (العانة) أعتبره انزواءا مردوما قهرا غالبا ما يجعل الذاكرة تُسائل نفسها ويزداد (السؤال/ جواب) حدة في غياب تجارب طفولية ذات نطاق أوسع أو فضاء أسري ذو مجال ضيق مكبل بتقاليد وعادات معكوسة تسكتُ عن (المعلوم) وتنطق بالمسكوت عنه لكن الدخول القوي للكاتب باستعماله كلمة (الكرسي) كمكان ثابت هذه القبضة التي تتحكم في العالم بجميع مكوناته.. من مجلس للراحة.. إلى مجلس القرار والحكم.. ومجالس الإدارات حيث مصير العمال مجالس الأمن الدولي ومصير الشعوب.. مجالس الاعترافات.. الكرسي المتحرك.. الكرسي الكهربائي وتعذيب.. الكرسي الخلفي الذي يحطكَ دائما وراء الظهر كل هده الصوَر الكابوسية التي يحملها الشريط بالأبيض والأسود وبالتصوير البطيء لتؤدي بالقارئ إلى الموت البطيء أيضا يكون( مقص) عبد الله المتقي هو الأسرع في ممارسة رقابته بتلوين كرسيه ب (زرقة) الحلم متمسكا بقوة خالق الكون ملتمسا الرحمة لسائر العباد( آية الكرسي) الكريمة..[وسع كرسيه السماوات] وكأن الآية تأتي لتفك لغزا وتقضي في نزاع (مدني) يكون الحُكم فيه يرضي الطرفين (الكاتب/ القارئ) وهكذا تكون ثنائية ( الكرسي/ السماء) ثتلج القلوب بالغيث وتحيي الأرض بعد موتها.. وتعود الأحلام الوردية كلما وجدنا أنفسنا أمام (الكرسي/ الأزرق) مكان مُتحرك يسعى لجلسة مريحة ومطمئنة..

فإذا وضعنا جل النصوص تحت المجهر فإن الرؤية المدققة ترصد حركات (الكرسي) بالرغم من ذوبانه في نار تكون بردا وسلاما على القارئ بفعل برودة الزجاج الواقي ل (الصفيحة) نص (غــرقى) ص (23) [التلاميذ يكتبون على الدفتر] نلاحظ هنا بأن (التلاميذ/ الكتابة/ الدفتر) كل هذه الأشياء ماهي إلا اعترافات وتبليغات من طرف (النص/ الشاهد) عن ضمير مستتر لا يمكن الاستغناء عنه ومن الواجب مكاشفته الا وهي ثنائية (الطاولة/ القسم) مع التأكيد على زرقته مرة ثانية.. ذلك اللون الثابت على رمزيته البعيدة المداهنات المجانية.. [يخرج الطفل أقلامه الملونة،يرسم (بحرا) وقاربا] نص (غــــرقى) ص (23) (الكرسي/ زرقة البحر) وتأتي الومضات قصيرة جدا في( التوقيت ) وليس في (الهيئة) لتسافر بالمتلقي سريعا في (الزمن) وليس في (المكان) لأن ما يتحقق في الحلم يعجز عنه الواقع وهذه ي لعصا السحرية التي شقت البحر لتسلك المجموعة مسلك النجاة.. وتُصنف من بين أجود ما كُتب في مجال (القصة الومضة )..

[ها هي....هاهو...] نص (غشت) ص (49) إنه دخل يلتهم المكان في وقت وجيز.. كعداء المسافات
القصيرة جدا...

هو..

كان مستلقيا فوق السرير

هي..

كانت في المطبخ تغسل

هو..

يتنصل من ملابسه و..

هي

توغلت الكحة فيها... نص (مدونة) ص (48)

فكل هذه الهمسات تستمد شعائرها من المرجع الرباني (القرآن الكريم) [يذكرون الله قياما و(قعودا)] وهكذا نسافر رفقة الكرسي عبر تشكيلات عنقودية

هي) وضعت حقيبتها فوق (الكرسي) المقابل..) ( استيقظت (هي) فزعة،التفتت يمينا وشمالا لم يكن هناك) نص (نافذة القطار) ص (42) نلاحظ نهاية النص مع استمرارية الجلوس (الكرسي )..

إن كلمة (الكرسي) كعتبة موازية لنصوص المجموعة تم اختيارها مع سبق الإسرار لأن القارئ يشعر وكأن الأداة عبارة عن قطعة مغناطيسية سالبة من هذا الطرف.. وموجبة من الآخرلتجتدب لها ما هو ضروري لتأتيت المكان والدفع بالزائدات إلى الخلف وهكذا يأتي الحدث بالصورة في مكانه المناسب وآثاته المناسبة [(القطار/ السفر قعودا) نص (نافذة القطار) ص (2

.. (وقفتْ سيارة أجرة بيضاء، وصعد الرجل..) نص (جنون) ص (58) (السيارة/ الكرسي) دائما في تأتيت المكان بما يناسبه والتزام النصوص واستسلامها لهيمنة العنوان..كما يتكرر ذلك في نص (خنز) ص (60) [لم يجمع وقفته..لم يتفقد فم المرحاض]..( عدم الوقوف/ المرحاض/ جلوس) وهكذا نلاحظ بأن الكرسي يظهر ويختفي... وتسير الأمور على نفس المنوال في نص (طوق الحمامة) [يضع الرسالة فوق المكتب الحائل] لكن بالرغم من هذه السهولة المفتعلة فهناك امتناع دفين لايعرف سره سوى صاحبه ولهذا يجب علينا التأكيد بأن هذا الاتحاد بين أغلب النصوص والتفافها حول التمرد يجعل القارئ العادي تصعب عليه ملامسة القضية الأم.. لأن عدد القضايا يأتي بعدد نصوص المجموعة مع طرح عنصر التفرد كواجب واستقلالية الخطاب في أهدافه ومراميه.. وهنا تكن صعلكة النصوص لقصيرة جدا لأن المجموعة ككل أعتبرها (سورا) يبدو من الظاهر بملامح واحدة.. لكنه من الداخل يقف على أحجار لكل واحدة لها خصائصها ومميزاتها وأن الكتابة ب (الإيجاز) كالغطس في مسبح ضيق يعتد على العقل وسرعة البديهة.. عكس مقارعة الأمواج وتيار البحر حيت تكون قوة العضلات حاضرة...

وفي الختام يمكنني أن أقول بأن المجموعة تقف أمامي كمغارة علي بابا بألغازها لا تستسلم إلا لصاحبها و مفاتيحه السحرية.. لأنني كلما حاولتُ التمكن منها، تتملص.. وكلما حاولت أن أجد (نهاية) لهذا أعود إلى (0).. لأن المجموعة بزرقة فضائها وبحرها يشكل (اللا نهائي) ( ) ووقوفي بمفردي عليه يُحولني إلى المعادلة التالية

اللا نهائي )/(1

( 1/∞) التي تكون نهايتها هو (0) الصفر.../

منشورات مجموعة البحث في القصة القصيرة بالمغرب

تفاعل الأمكنة (الكرسي).. مع حركية اللون (الزرقة) في نصوص المجموعة..

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى