الاثنين ٢ آب (أغسطس) ٢٠٢١

قراءة في رواية «أسرى وحكايات» للأسير أيمن الشرباتي

صالح حمدوني

ينقطع الفعل الإنساني في حالتين: السجن والموت.

والفعل الإنساني في أسمى تجليّاته هو تأكيد الحضور، إثبات الوجود، مثل طبعة البصمة في ملف الحياة.

الموت هو حالة الغياب الكلّي، غياب الجسد والروح، الفعل والأثر، غياب الزمن وانتفاء المكان، ومعه ينتفي الجسد.

لكن الفلسفات الأرضية والسماوية أكدت أن الروح تنتقل إلى عوالم أخرى أو أجساد أخرى.
في الأسر ترفض الروح إلا تأكيد وجودها. لذا تتحوّل الكتابة إلى فعل تُقاوم الروح من خلاله لتأكيد حضورها، وإصرار جسدها على البقاء من خلالها.

الكتابة ملاذ أخير، وربما وحيد، ليقول الأسير بعد 24 عاماً من الأسر، أنه موجود وحيّ.
24 عام في حالة أيمن الشرباتي، تُحيل السؤال عن ما هية الكتابة أو ما أهميّتها إلى سؤالٍ هزليّ. فهي والحالة هذه كل شيء.

أيمن الشرباتي، أسير فلسطيني يقضي حكماً بالسجن المؤبد منذ عام 1998، يحكي في كتابه حكايات عن السجن ومن السجن.
بحسب ترتيب زمني للنصوص فيه، نجد أن أوّلها كُتب في عام 2008 بعنوان "عتمة الزنازين وضوء القناديل "، وفيه يعرض مفردات السجن، أي المفردات التي تجعل أي مكان على هذه الأرض سجناً موغلاً في الوحشة والألم، فيه "استصلح السجّان أجسادنا وحوّلها إلى مزارع للوجع ". ص18 من النسخة الإلكترونية

يتحدث فيه عن الليل والسكون والقيد والضجر "المعلّق بين رئتين "ص19، يحكي فيه عن الفجر الذي يتحوّل الى بحر هائج يبتلع السفن، ويحكي عن اليأس والدموع مقابل دفء الروح. مفردات تحوّل السجن إلى غول يحاول أن يكسر الأسرى ويسلب أرواحهم وينكّل بأجسادهم.
هذا الفصل الذي كتبه أيمن الشرباتي في سجن هداريم حسب ما يؤرخ له، هو نصّ ذاتيّ، يعمد فيه (المواطن) أيمن حسب التسمية التي اشتهر بها في السجون، إلى التداعي و البوح ليقول تفاصيل عن حياة الأسر و مفردات كوّنت له تجربته الخاصة.

يذهب أيمن الشرباتي إلى تدوين سيرة الأسر من خلال الفكاهة، حيث يروي "حكاية سجناء عقدوا العزم على مهاجمة قسوة السجن برقّة الابتسامة، و كسر وحشة الحرمان من الأهل بمدّ جسور المحبة، بعد أن أصبحوا يتحلّون بخبرة واسعة من خيبات الأمل من الحلول السياسية و عمليات تبادل الأسرى. "ص4

وينقلنا في الفصل الأول إلى حالة يعاني منها الأسرى، حيث يحكي عن خبر وفاة شقيقه، والحسرة والحزن والغضب لعدم قدرته على المشاركة في مراسم التشييع، لكن قدرة أحد الأسرى على التقاط بثّ إذاعي من الخليل يتيح له مشاركة التشييع عبر الأثير "فقد انضمت إليها عبر طريقة بريل التي يقرأ بها فاقد البصر.عبرتُ الشارع المذكور بإصبعي مُراعياً حركة المشيّعين وهي تسير بخطىً متسارعة."ص15

وعبر الإبتسامة التي يلح أيمن على تدوينها، يعرض "سفر التنكيل "الذي يتعرض له الأسرى و كيف يتحول السجن إلى "وحش يعتاش على موتك البطيْ، و أنت أعزل إلا من صرخة ألم تُطلقها فترتطم بالجدار الإسمنتي و تهوي و تعاود اجترارها ". ص77

و كيف يتحول مجرد الإنتقال من زنزانة ضيقة معتمة إلى أخرى فيها شباك أكبر يُطل على سماء و أرض البلاد، يتحول إلى احتفال و اكتشاف جديد.

لغة أيمن بسيطة و أليفة و تذهب إلى القلب مباشرة. مع ملاحظة أنه حاول في فقرات إبراز أسلوب خاص به، في بعضها أبرز تأثره بلغة القرآن الكريم "في الفصل الأخير تحديداً "وفي بعضها تبدو الكتابة مُتكلّفة ومُصطنعة. وفي أخرى هناك استرسال في الحوار وعرض وجهات نظر المتحاورين، تحديداً في فصل "روح الجبل "الذي ينسج فيه قصة مجموعة كشفية فلسطينية، ويقدم فيها أسئلة مهمة تتعلق بوعي الجيل الجديد من الشباب، وفهم طبيعة الصراع مع العدوّ، والتردد بين قبول أو رفض تقديم المساعدة للعدوّ من منطلق إنساني. كما أكّد على فكرة الحوار الواعي والضروري لتوحيد الأفكار لإجتراح خطط العمل اللازمة.

في فصل "تكنولوجيا الأساطير "والذي كتبه في سجن نفحة الصحراوي، يستعرض - وعبر الفكاهة أيضاً - قدرة الأسرى على تعلّم تكنولوجيا لم يعيشوا مراحل تطورها، مثل الهاتف النقّال، وكيف يتحول الهاتف الذي تمّ تهريبه إلى السجن لملاذ ومنقذ.

في هذا الفصل يعرض أيمن مشاعر وآمال الأسرى حين يتم الحديث عن قرب إنجاز مفاوضات تبادل الأسرى. وما يُعانيه الأسير من حزن وأمل حين يسمع ما يرشح من شروط واحتمالات شمول البعض فيها. كما يؤكّد غير مرّة على إنهاء الإنقسام الذي يؤثّر حتى على حالة الأسرة أنفسهم داخل المعتقلات.

المقاربة الأعلى في كتاب أيمن الشرباتي هي مقاربة حالة الأسير بحالة السيد المسيح، فيقول:

"أنت أشبه بالمسيح، والذي شُبّه لبعض النّاس أنّ الرّومان صلبوه في القدس، وأنت مصلوب في هداريم. صليبه من خشب وصليبك من حديد.

ولائحة اتّهامه كانت باللّغة العبريّة وأنت كذلك.

المسيح اتُّهم بالهرطقة الدّينيّة، والمساس بأمن الهيكل، وأنت متّهم بالهرطقة القوميّة والتّشكيك بوجود الهيكل،

وسيّدتنا مريم هزّت بجذع النّخلة لتأكل وتطعم ثمرة بطنها المباركة، وكذلك أمّك رحمها الله هزّت غصن الزّيتون وهي تحملك جنيناً في بطنها لتأكل وتطعمك من ثمارها.

فهنيئاً لنا ظهورك بيننا في سجن هداريم، فهذا يعني أنّنا سنكون تلاميذ "المسيح "العائد بعد ألفي عام من الغياب ليحارب الظّلم ويقيم العدل.... وهذا الطابور طابوره الأخير ". ص98

صالح حمدوني

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى