الجمعة ٢١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
في حوار مع علي جمعة الكعود
بقلم بسام الطعان

قصيدة النثر جلطة أصابت قلب القصيدة العربية

الشاعر السوري علي جمعة الكعود إسم غني عن التعريف في المشهد الشعري السوري. صدرت له أربع مجموعات شعرية وديوان بعنوان قصائد آيلة للسقوط. حاز على عدة جوائز أدبية، وينشر نتاجه في الصحف والمجلات العربية.

* يقولون إن الشعر كثيرا ما يكون بداية لتشكيل ملامح المبدع في حالتها الأولى، وبعد ذلك يكون النضوج أو الاكتمال، وكثير من الشعراء بدؤوا بالشعر ثم تحولوا إلى كتابة أجناس أدبية أخرى. هل فكرت بهجر الشعر والاتجاه نحو الرواية أو القصة مثلا؟

** الشعر شقيق لي ولدنا معا وترعرعنا معا، أشكوه همومي ويشكوني همومه.. وهموم الشعر كثيرة أبرزها هو تلك الفوضى التي تجردت من أصالته المعهودة، وأنا لا أجد نفسي إلا في الشعر حيث الموسيقى والحياة، ولم أفكر بكتابة أجناس أدبية أخرى لإحساسي بأن ذلك يعد خيانة روحية لشقيقي الأبرز ألا وهو الشعر.

* كيف تنظر إلى الشعر بكل أشكاله، هل هو قادر على وقف نزيف الجرح العربي المعبأ بالهزائم والخيبات والانكسارات؟

** إن الجرح العربي عميق جدا ولا يستطيع الشعر سبر أغواره، كما أن النزيف المتدفق أغرق كل شيء ولم يسلم الشعر من الغرق، فالشعر مرتبط بالروح، وما يحدث هو تدمير للروح البشرية الحاضنة للقصيدة، وهذه الأخيرة قد أجهضت بدورها.

*أين تجد نفسك اكثر، في القصيدة الكلاسيكية ( العمودية) أم في قصيدة التفعيلة، أم في النثر؟ ما رأيك بقصيدة النثر وما مصيرها، وماذا يمكن أن تسميها؟

* *الشعر الكلاسيكي العمودي وقصيدة التفعيلة شكلان متلازمان.. والفرق بينهما عملية توزيع للتفعيلات على السلم الموسيقي فقط.. حيث الرتم موجود فيهما مع بعض الفوارق الطفيفة.. وأنا أجد نفسي في هذين النوعين معا.. أما قصيدة النثر فهي جلطة أصابت قلب القصيدة العربية، وهي غير شرعية وخارجة عن العدالة وما زالت سيوف الأصالة تطاردها في كل مكان.

* اتحاد الكتاب العرب في دمشق، هل هو لكل الكتاب السوريين أم للبعض فقط؟ ما دوره في المشهد الثقافي السوري، وهل كل أعضاء هذا الاتحاد يدخلون في عداد المبدعين؟

** اتحاد الكتاب العرب مؤسسة ثقافية مرموقة جدا وهناك بعض القائمين عليها يعدون من كبار الأدباء في العالم العربي، أما بالنسبة لأعضائها فهم بنسبة 40% لا يمكن تسميتهم بمبدعين حقيقيين، ولكن لأمور مزاجية أصبحوا أعضاءً، وهم معروفون من قبل المثقفين السوريين من خلال نتاجاتهم المنشورة عبر مؤسسة الاتحاد، ولكن هناك 60% مبدعون حقيقيون لا يمكن التنصل أو التنكر لإبداعاتهم.

* عندما تقدم أمسية أو نشاطا أدبيا في مدينة سورية، وتجد أن الفجوة كبيرة بينك وبين الجمهور، ما السبب في ذلك من وجهة نظرك، ومن المسؤول أنت أم الجمهور أم غير ذلك؟

** بالنسبة للأمسيات الأدبية ليست هناك فجوة بيني وبين الجمهور، ولكن هناك قلة في الحضور هذه الأمسيات من قبل الجمهور، ولكن الجمهور على قلته أحس بتفاعل حقيقي بيني وبينه من خلال فرض متطلبات الذائقة الشعرية، وهذا ما حفزني على الاستمرار وعدم الإحساس بالخيبة.

* إذا أردنا أن نختار من أحد الأجناس الأدبية التالية، الشعر، الرواية، القصية القصيرة، ليكون سلاحا في وجه الطغيان والظلم وقوى الشر والظلام، أي جنس تختار ولماذا؟

** لا أحد يستطيع الاختيار بين مدى جدية جنس أدبي عن آخر، لأنه ليس هناك عمليات فرز أو اختلال بينها، فلكل جنس أدبي مكانته الخاصة به وجمهوره الخاص به أيضا، أما ما يشاع عن أن الرواية هي ديوان العرب الحالي فهو أمر فارغ وعار عن الصحة لأن هناك شعراء كتبوا الرواية وليس العكس واستطاع بعضهم عن طريق كتابة رواية للمرة الأولى الحصول على جوائز عربية مرموقة، أمثال الشاعر"عادل محمود" عن روايته /إلى الأبد ويوم / الحاصلة على جائزة دبي الثقافية مؤخرا ، فالشعر كان وسيبقى وسيظل ديوانا للعرب.

* هل لديك مشكلة ما بعد هذه المدة الطويلة من الكتابة؟

** المشكلة اقتصادية بالدرجة الأولى، فالوضع الاقتصادي الراهن يؤثر على السوية الإبداعية، ومقولة/المعاناة توّلد الإبداع/ هي مقولة ناقصة للأسف الشديد، لأن المعاناة العاطفية مثلا قد توّلد إبداعا، أما المعاناة الاقتصادية فتولد المعاناة في الكتاب، فالرأس المليء بالبحث عن الخبز والغاز لا يمكن أن يمتلئ بالإبداع، أضف إلى ذلك أزمة النشر والإعلام الثقافي الذي تتحكم به عقول جاهلة أحبطت الشباب العربي المبدع.

* أنت شاعر متميز، تشهد على ذلك إبداعاتك المطبوعة والمنشورة، هل تأثرت بشاعر أو أديب خلال مسيرتك؟ من أين تأتي بصور أشعارك، من الواقع الذي تعيشه أم ترسمها بخيالك على الورق؟

** الشعر عندي إحساس خفي قد يتبلور وقد يصيبه الإجهاض، سواء كان من الواقع أم من الخيال، فلا يوجد منبع واضح يمكن استدراكه، المهم أن القريحة مفعمة بكل ما هو جميل وخلاق ويستحق الحياة، أما تأثري الشعري فأنا أتأثر بقصائد أكثر من التأثر بالشعراء، لأن الشاعر كالبحر قد ينتج شعرا جميلا أو شعرا لا حياة فيه، وهذا لا ينفي كوني احب نتاج شعراء عري كثيرين أمثال: فايز خضور وعبد القادر الحصني وعبد النبي التلاوي من سوريا، ومحمد أبو سنـّة وعزت الطيري من مصر، وتميم البرغوثي ومحمود حامد من فلسطين، وغيرهم.

* لماذا اخترت الشعر لتعبر من خلاله عن همومك وأحزانك؟ ما الذي يميز القصيدة عن الأجناس الأدبية الأخرى؟

** أنا لم اختر الشعر بل الحياة اختارتني لأن أكون شاعرا، وأنا سعيد بهذا الاختيار كون الكتابة الشعرية تنتشل الوجع المخبوء في داخلي، وتنثره على الورق فتشعرني بالراحة ولو قليلا.


* ما السؤال الذي كنت تريد أن أسألك إياه، وما جوابه؟

** السؤال الذي أود أن تسألني إياه: ما رأيك بالموت؟ وأقول لك: الموت يعيش في داخلي يوميا، لأنني أموت عشرات المرات وأبعث من جديد إلى حياة ميتة هي الأخرى، فالموت سلسلة متتابعة تبدأ من الصباح وتنتهي في المساء، أما الحساب على الأفعال والأفكار فإن الكوابيس كفيلة به.

* كلمة أخيرة، ماذا تريد أن تقول للقارئ العربي؟

** أقول للقارئ العربي توقف عن القراءة، لأن الكتـّاب أنفسهم توقفوا عن القراءة، فهم لا يقرأون إلا لأنفسهم، وأقول للكتاب توقفوا عن الكتابة وكفى الله القارئين شر القراءة.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى