الجمعة ٤ نيسان (أبريل) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

كابتن أبو الرائد

قدرة الطبقة الفقيرة على تغيير واقعها محكومة بالفشل

في غياب صناعة سينما أردنية، وبعد انقطاع طويل تجاوز 15 عاما عن أفلام فردية (آخرها فيلم”حكاية شرقية”إخراج نجدة أنزور)، تطل علينا شركة (ورقة وقلم) الاردنية بانتاج باكورة أفلامها”كابتن أبو الرائد”2007، كتابة واخراج امين مطالقة، الذي يعرض الان في صالات السينما الاردنية، بعد أن جاب عدة مهرجانات دولية، وحصد جائزة الجمهور لأحسن فيلم أجنبي في مهرجان صندانس الأميركي مطلع العام الحالي، وكذلك جائزة أحسن ممثل للفنان نديم صوالحة في مهرجان دبي السينمائي.

أبو الرائد (نديم صوالحة) يشتغل كعامل نظافة في المطار... عامل نظافة فقير ماديا، ولكنه ليس بالرجل البسيط نسبة للمعرفة والوعي الذي اكتسبهما من مطالعة الكتب التي تُغني بيته، يجد في إحدى النفايات أثناء عمله طاقية كابتن طيار فيأخذها ويرتديها، وفي طريق عودته إلى البيت يشاهده طارق (عدي القديسي) أحد أطفال الحي، فيظن أنه طيار ولا يرغب في تصديق عكس ذلك رغم محاولات أبو الرائد المتكررة للتوضيح بأنه ليس طيارا، إلا أن إلحاح طارق وفتيان الحي عليه بأن يسرد لهم قصص رحلاته، تجعله يداعب هذه الرغبة لديهم بالسفر والمغامرة والمعرفة فراح بعدها يقص عليهم حكايا كابتن أبو الرائد، التي بدورها نسجت بين الطرفين علاقة مودة وصداقة، جعلت من أبو الرائد مطلعا على مشاكل وهموم أطفال حيه الفقراء، محاولا تقديم المساعدة الممكنة لهم بقدر استطاعته.

شخصية أبو الرائد شخصية محورية ومؤثرة، فهي العامود الذي تتكئ عليه كل الشخصيات، حيث لم يقتصر الامر على التجاء اطفال الحي الفقراء والمقهورين ليبثوا اليه مشاكلهم وهمومهم، إنما يمتد الأمر ليشمل نور (رنا سلطان) المنحدرة من أسرة ثرية والتي تعمل كابتن طيار، فتبادر بالتعرف عليه بعد أن لفت أبو الرائد انتباهها، وتنشئ معه علاقة صداقة تجعلها مرتاحة أن تشكو إليه همومها.

وكما يبدأ الفيلم كذلك ينتهي بمراد الكابتن الطيار واقفا أمام إحدى نوافذ المطار، بعد أن استرجع حكايته (فلاش باك) مع كابتن أبو الرائد الذي ترك أثرا عميقا لا في نفسه وحسب إنما في نفس جميع اطفال الحي.

نماذج متنوعة

من الأمور التي تحسب للمخرج إدارته لممثلين اغلبهم من غير محترفين، ولا يمكن تجاوز أداء الممثل نديم صوالحة المتميز والذي جاء هادئا وعفويا بما يليق بشخصية أبو الرائد الحنونة والحكيمة، وتتنوع النماذج التي يطرحها الفيلم من السلبي إلى الإيجابي، وايجابية أبو الرائد كانت طاغية ومؤثرة والتي من بين ثناياها تطرح تجاوز ثقافة العيب، فامكانات ابو الرائد المعرفية كبيرة لكنه لا يجد ضيرا من ان يشتغل كعامل نظافة في المطار، وكما انه يحفز داخل المشاهد الرغبة في المطالعة والمعرفة من خلال الكتب التي يطالعها.

كما يعرض الفيلم نماذج متباينة للمرأة؛ فمن أم مراد (دينا رعد) التي تجسد المرأة المقهورة التي تقابل العنف الذي يمارس عليها بالصمت إلى أن يدفعها أبو الرائد لوضع حدا لذلك بهروبها مع وأولادها، إلى نور المرأة المتعلمة والتي تعمل كابتن طيار وهو المجال المعروف باحتكار الرجال له والتي لا تَسلَم من مضايقات المجتمع والأهل بالضغط عليها بالزواج بعد أن تجاوزت الثلاثين.

كما أن هناك عدد من اللقطات الجميلة والموحية، والتي تحمل مستوى آخر من الدلالة كلقطة أبو الرائد على شرفة منزله وفي خلفية الكادر تظهر عمان القديمة، وتلك العلاقة المتبادلة بينهما، ادراج الحي الذي توحي زوايا تصويرها بالمعاناة اللامنتهية...

الا أنه ما كان للمخرج ان يغفل عن تفصيلة الزي المدرسي لفتيات الحي الفقير، الذي يدل على انهن يذهبن الى مدرسة خاصة، بما يناقض وضع اسرهن المادي.

أما الموسيقى التصويرية فهي جميلة ولكنها تبقى غريبة عن روح المكان.

الحضن البرجوازي... الطبقة الودودة!!

يشكل أبو الرائد نموذج الرجل الطيب والحكيم والمتنور الساعي بقلبه الذي يعمّره الحب والحنان الى حل مشاكل الاخرين- منهم اطفال حيه الفقراء- من اجل تغيير الحياة للافضل حتى لو كلفه ذلك حياته، لكن مساعي ابو الرائد لا تخرج عن طور المبادرة الفردية لحل بعض المظاهر الناتجة عن الفقر، والتي لا تكلل بالنجاح، ولم يحاول كاتب ومخرج الفيلم ان يتناول موضوع الفقر بشكل عميق، فالفيلم يستعرض الفقر دون ان يتعرض لاسبابه، كما يُبقي الطبقة البرجوازية بمنأى عن المسؤولية، لا بل يظهرها كطبقة ودودة فيقترح حلا للمشكلة يعتمد على؛ الصدفة، والحظ، والتصالح الطبقي، وهذا ما يذكرنا بالفيلم المصري”افواه وارانب”اخراج هنري بركات انتاج منتصف سبعينات القرن الماضي – فترة الانفتاح الاقتصادي في مصر- حيث في نهاية الفيلم تحل مشكلة الاسرة الفقيرة بزواج الفتاة نعمت (فاتن حمامة) من الرجل الثري (محمود ياسين) وانتقال اسرتها الفقيرة للعيش معه في العزبة، كذلك في”كابتن ابو الرائد”فبعد فشل محاولات ابو الرائد المتعددة لحل مشاكل بعض الاطفال بما فيها محاولة اللجوء الى الشرطة لردع والد مراد (غاندي الصابر) عن ممارسة العنف على طفله مراد (حسين الصوص)، يلجأ في نهاية المطاف الى الكابتن الطيارة نور (رنا سلطان) المنحدرة من أسرة ثرية لتساعده في ايجاد حل لمشكلة مراد وأسرته (أمه وأاخيه) التي لم تسلم من عنف الأب، وبالفعل تنقل نور بمساعدة أبو الرائد الأسرة -خلسة عن الأب- إلى منزلها ليسكونوا معهم، ولولا هذا لما تمكن مراد من تحقيق حلمه لاحقا بأن يصبح طيارا.

نعم...الفيلم عن ذلك النموذج الطيب الذي يجسده (كابتن أبو الرائد)، لكن نظرة أعمق للفيلم تُظهر بأن قدرة الطبقة الفقيرة على تغيير واقعها محكومة دائما بالفشل، ليس الإ بالالتجاء إلى الحضن البرجوازي والتصالح معه كطبقة وحده الكفيل بتغيير الواقع وتحقيق الأحلام.

هل يمكن للحل أن يأتي على هذا النحو؟

هل يمكن لصداقة ان تجمع بين الطبقتين كما يبشرنا الفيلم، متمثلة بصداقة كابتن الطائرة نور الثرية وعامل النظافة الفقير أبو الرائد من ثم أسرة مراد؟

لربما هذه العلاقة قابلة للتحقق لكن فقط في الأفلام... فعلى أرض الواقع هناك صراع أزلي ومسافة حقيقية تفصل بين الطبقتين.

في النهاية وأن نختلف في رؤيتنا مع الفيلم، الا أننا سعيدون بعودة الانتاج الأردني الذي نتأمل أن يستمر، لنرى أعمالا جديدة نتفق أو نختلف معها، لكن بالضرورة أنها تراكم لدينا خبرة ومعرفة.

قدرة الطبقة الفقيرة على تغيير واقعها محكومة بالفشل

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى