الأحد ٩ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠١١
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

كاتب إعلامي زاده الأدب

.. و إلى أي حد تستفيد إذاعتنا الوطنية من الكفاءات الإعلامية المتوفرة لديها من أجل ترقية مستوى منتوجها الإعلامي والثقافي قبيل إنطلاق الإذاعات الخاصة والمتخصصة؟.. تساؤل مثير للجدل واجهني وصافحني هذه الأيام بعد قراءة الحوار الرصين الرزين الذي أجري مع الكاتب الإعلامي المعروف: خليفة بن قارة، من طرف الأستاذ المحترم: عباس بومامي، ونشر منذ أيام قليلة بموقع أصوات الشمال.

وما لفت نظري كثيرا تقييمه لواقعنا الثقافي،حيث أشار الى أن معظم مراكز القرار الثقافي بيد من لا يمت إلى الثقافة أو ثقافة الشعب على الأقل بصلة، أو من هم متشبِّعون بثقافة التغريب، والذين لم يُخفوا تنكّرهم لكل ما هو جزائري بملامحه المتوارثة منذ أكثر من خمسة عشر قرنا، فكانت الهجانة الثقافية التي ضربت في كل مكان وما زالت، وما لم يتمّ تطهير هذه المرافق، وقبل فوات الأوان، من أعلى المستويات إلى أسفلها- من الطحالب العالقة الضارة فإن مصيرا مؤلما ينتظر هذا القطاع، ويُهدِّد التطور السليم للمجتمع كله بنكسة لا يمكن التنبّؤ بنتائجها ..

و صاحبنا المعزز، خليفة بن قارة يتولى منصب مدير الإذاعة الثقافية، ويجتهد لإعطائها نفسا جديدا متجددا، وقد صدر له مؤخرا كتابه الجديد بعنوان: الجزائر التي بإمكانها أن تقلع.. هو يجمع ما بين الكتابة والإذاعة، يعطي لكل منهما حقه، يحاول أن يعدل في معاملته وممارسته لمهنة المتاعب من جهة، ولحرقة الكتابة من جهة أخرى، هو صحفي معروف بصوته الإذاعي المتميز، وبمقالاته الأسبوعية بجريدة صوت الأحرار. ظل و لا يزال مخلصا وفيا لمحبوبته الإذاعة، فقد ساهم في تأسيس عدة محطات إذاعية جهوية، من ورقلة إلى بسكرة، ويشغل حاليا منصب مدير الإذاعة الثقافية منذ شهور قليلة، بالإضافة إلى ممارسته لمهنة أستاذ مشارك و محاضر في بعض المؤسسات العمومية والخاصة.

تربطني بصاحبنا المحترم خليفة بن قارة علاقة صداقة متينة منذ أزيد من عشرين سنة، وجمعـتني به عدة ملتقيات إعلامية وثقافية، وأعتز كثيرا بكتبه التي تزين مكتبتي الخاصة، بعناوينها البراقة: أحاديث جزائرية، الجزائر والصديق اللدود، عرب الهزيع الأول من الليل، في انتظار الحصول على كتابه الجديد المعنون: الجزائر التي بإمكانها أن تقلع.

و ظلت الإتصالات الهاتفية والمراسلات الإلكترونية بيننا قائمة ثابتة ولا تزال ، وقد سألته مرة عن كيفية التعامل مع اللغة في كتاباته المختلفة ،فأجاب حرفيا:

اللغة هي حالة من الفوضى الكبيرة، ولكنها فوضى الإبداع في المباني والمضامين، وكثيرا ما يجد المرء نفسه منزلقا عبر مبانيها المتقنة، ليكتشف نفسه في مضامين جديدة، يكون هزّه إليها هزا ُبعْد المعاني وجمال الصور وعذب الكلام .

اللغة يا صديقي مجاديف قوية لتهريب الأفكار من حيزها الضيق إلى الآفاق الرحبة، عندما تسيطر فكرة ما على الإنسان تضربه الحمى من كل جهاته، ولا يستطيع أن يخفض درجة حرارتها إلا بترمومتر اللغة التي تبدو في بعض الأحيان طيعة ذلولا، وفي أحيان كثيرة كالمهرة الشرود التي يراد ترويضها ولا تطيع إلا الفارس الخبير بعالمها اللامتناهي. لا يمكن أن يبدع المبدع إلا بالتوليفة التي تتيحها له اللغة، ليرسم بالكلمات ويصور بها ويرجم بها أيضا ، إنها حالة مشتركة لمجموع الناطقين بها ولكنها لحظة التفرد التي تميز هذا عن ذاك. إنها تتكون من بضع حروف ولكنها تلد ملايير التعابير، وتنجب مثلها من الصور، وتضيف ما يماثلها من المعارف والعلوم والنظريات، إنها عالم غير محدود لا يأخذ فيه أيٌّ كان حيزه إلا بقدر فهمه للغة وبقدر ما يبادلها فيه من دلال وعشق وعطاء..

ومن هنا يحرص كاتبنا خليفة بن قارة على جودة لغته البليغة،بأسلوبه الأدبي المتميز،مثل تميز صوته الإذاعي،ولعل المتتبعين لمساره الإعلامي يدركون هذا جيدا.

وقد أثار كتابه عن الجزائر والصديق اللدود اهتمام الإعلام والمثقفين عموما، خاصة وأنه يضم مجموعة مقالات تعالج العلاقات الجزائرية الفرنسية. وهي مقالات كما يشير الدكتور محمد العربي الزبيري في كلمة التقديم، تكاد تكون متساوية من حيث الدقة في التصوير والبلاغة في التعبير، ومن حيث الأسلوب السهل الممتنع الذي يشد القارئ شدا، ويمنعه من التوقف قبل الإنتهاء من قراءة الجملة الأخيرة.

فالقاسم المشترك و الخيط الرفيع الذي يجمع صفحات الكتاب، يبرز في تلك الفقرة الواردة في مقالة: العملاقة التي لم تلد عمالقة، حيث يقول الكاتب الصحفي خليفة بن قارة: عندما فرطنا في تاريخنا كدنا أن نضيع، فإعادة التأطير السياسي و ترميم بناء الدولة يبدأ بتخليص التاريخ من سطوة السياسة، وفكه من مخالب المصالح المتداخلة، وتحفيز الأقلام الجزائرية للخلق في مختلف مجالات الإبداع.

إن الدعوة لكتابة تاريخ الثورة التحريرية ينبغي أن تقترن مع جمع و نشر ودراسة كل مصادر وآثار هذه الثورة الجبارة في الآداب والفنون، وفي أخاديد الحقول الثقافية عموما، كما أشرت في مقدمة كتابي عن الأدب والثورة، ذلك أن ما ظهر من كتابات جزائرية عن هذه الثورة، قليل جدا بالقياس إلى ما يجب أن يكتب ويظهر مما خلف ذلك الفراغ الكبير في مكتبتنا الجزائرية.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى