السبت ٥ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨
بقلم عبد السلام العطاري

كان هنا...كان يشبهني

قالتْ

"رِسالتُكَ جنونٌ وإعصارٌ وقبضةُ حياةٍ...حاوَلَتُ أن أصلَ بموجةٍ كيْ ترمِيَ نبضتَهَا عَلَى وجهكَ لعلّهَا تفتحُ نافذةَ صحوتِك...لكنَّكَ لمْ تكنْ هناك على الإطلاقِ...كان الصّمتُ يَزيدُني حُزنًا".

عزيزتي سهيلة  [1]

تَجَانسُ الرؤى/ تقاربُ النّبضِ وخفقةُ القلبِ الدفوقِ الذي يحسُّ ويجسُّ حبّاتِ الوجعِ/ يرسمُ لونَ اللازورد المعشّقِ بشقائقِ النعمانِ وطعْمِ الزّعْتَرِ البريّ الذي يستعجِلُ خطىً متأخرةً عنْ موعدِهَا؛ ليضمّدَ جراحَ الأمسِ المرّةَ التي باتتْ تختلطُ بين قبضاتِ الأصدقاءِ الرابضةِ على مقْربَةٍ دائِمَةٍ مقيمَةٍ من الصّدْرِ والسّنَابلِ/ بالقربِ المّكينِ من القلبِ تدثرتُ بالصّورِ التي تجعلُنِي أحلمُ أنّ الشّعرَ موطني وأنّ الشّعْرَ روايتِي التي ما زالتْ تكتبني.

أنتِ – إذاً- من تركَ هذا الصَّمتَ هُنَا / كادَ يرنُّ ... كان يرنُّ / يشبهُ جرسَ بابا نويل الفلسطينيّ كانَ يشبهُكِ تمامًا/ أدركتُ أنَّهُ الأجملَ الّذي أتَى وتركَ لي غناءً أشتهِيهُ/ تركَ لي أنشودةَ الميلادِ... أنشودةَ البِلادِ/ تركَ لي بَهْجَةَ العيدِ التي غادرَتْنِي مذْ كنتُ طِفْلا / أذكرُ أنِّي كنتُ كذلكَ... أذكرُ أنِّي كنتُ الطّفْلَ الذي يشبهُ العيدَ حينَ يغادِرُ الكونَ كأرجوحتِهِ الحرّةِ الطليقةِ/ لا أذكرُ إنْ كانَ لي مثلُ هذا العيدِ... أو كانَ لي مثلُ هذا الصّمتِ الّذي تركتيه هنَا صمتٌ يشبهني /يُشْبِهُ ذاكرةً كانتْ تُجَالِسُنِي قربَ نافذَةِ شتَاءٍ يأتي من قصي / يأتيني ببرتقالِ يافَا...كانَ لهُ رائحةُ البَحْرِ /كان له طعْمُ أنثى لم يمسسْها الحنَّاءُ بعدُ/ تداعياتٌ ... هي التداعياتُ/جميلٌ أن يتَدَاعى الوعيُ المنسيُّ أحيانًا على وقعِ حزنٍ عتيقٍ مجهولِ النّبرةِ لنكتشفَ بعد حين أنّه الأجمل ...

الأشياءُ الجميلةُ نشتاقُهَا لم تعدْ بيننَا / أتذكرينَ حينَ كانتْ الطُّفولةُ تسابقُ الأيائلَ في صعودِهَا للسَّمَاءِ وتجرُّ عربةَ الفَرَحِ وتشقُّ ثلجَ الكونِ الّذي تزْيَّنَ لميلادٍ لم نفهَمْ معنَاهُ إلاّ لرقصٍ مجنُونٍ ودقّ دفوفٍ وسهرٍ يتعبُنَا حتّى يشقُّ الفجرُ عنْ عيونِ الصّحْوَةِ غفْوتَه.../ لم تتعبْنَا مسالكُ الحياةِ الضيقةُ...أتعبتنا الذاكرةُ الجميلةُ الّتي لا تأتي ... ولن تأتيَ/ لا ندْرِي هلْ تودِّعُنَا أمْ تستقبلُ الفائتَ منَّا / وهُنَا/ ما زلتُ أردِّدُ لعلّ الصوت يعيدُ لي صمتَكِ الّذي جاءَ / ... / لماذَا تركتِ الصّمتَ / لماذا تركتِ لي هذا الحزنَ هنَا.


[1سهيلة بورزق / كاتبة جزائرية تقيم في واشنطن


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى