الثلاثاء ٢٥ آب (أغسطس) ٢٠٢٠
قراءة في المجموعة القصصية

«كتاب الأسرار» للقاص المغربي عبد اللطيف النيلة

عبد المجيد ادهابي

“كتاب الأسرار”للقاص عبد اللطيف النيلة كتابة وسط الكتابة

عبد اللطيف النيلة في مجموعته القصصية بين التلميح والتكثيف

عندما يخط الكاتب طريقا صحيحا نحو معترك الكتابة كهم يومي.

منذ البداية يختار القاص عبد اللطيف النيلة أن يفاجئنا باختياره لنمط كتابي يستحضر الكتابة وسط الكتابة، حيث يحس القارئ أنه تائه بين حقيقة النص المتخيل كنص سردي لكاتب مفترض معروف و بين كاتب غير مفترض يتحكم في صيرورة الفعل المتخيل، حيث تتشابك الرغبات بين الكتاب، في وفاق تارة وفي اختلاف أخرى، و بالتالي تتغير الأحداث و تتسلل خارج المنتظر دون التحكم فيها مما يولد المفاجأة والدهشة، كما جاء في بداية المجموعة في قصة”لعبة الظلال”صفحة 10.

ولن يتوقف القاص عبد للطيف النيلة من مفاجأة القراء حيث يلجأ هذه المرة إلى تقنية تحريك الأفعال في سياقات و أزمنة تلفت الانتباه، حيث نجده في القصة الثانية يستخدم فعل الأمر وهذا نادر الحدوث في مجال القصة والسرد، باعتبار عملية الحكي/ القصة أحداث من الماضي، و بالتالي يغلب فعل الزمن الماضي في تحريك الأحداث ناحية الحاضر، لكن القاص هنا في مجموعته القصصية”أسرار الكتابة”يوظف فعل الأمر / زمن المستقبل ليجعل من المتخيل السردي متخيلا متحركا في الحاضر في اتجاه المقبل، وبالتالي إعطاء للقارئ رغبة في المساهمة و رغبة التدخل في الأحداث ولو عن طريق التخمين، إضافة إعطاء للعمل السردي حياة أطول، و هذا ما تميزت به قصة”علبة الثقاب”صفحة 16.

لا تتوقف رحلة الكتابة والدهشة لدي القاص حيث يأخذنا هذه المرة في رحلة نقدية من خلال رؤية القاص للواقع، ففي قصة”المستوحشون”إشارة قوية إلى غربة الكتاب و القراءة، عندما يصبح فعل القراءة موحشا، وفي علاقة ذكية يربط انقراض المكتبات بولادة المحلبات في إشارة أخرى عميقة هذه المرة إلى انتقال الإنسان من التغذية الروحية نحو تغذية جسدية سطحية، كما يضيف ليشكل قناعة للقارئ لا تحتمل الشك، عندما يذكرنا باختراع آلات مفرطة في القوة تعجن وتطحن الكتب من أجل صنع أوراق المسح والتمخيض الصفحة 30.
ولا يمكن و نحن نتابع أحداث هذه المجموعة دون التوقف قليلا على خاصية الإيحاء والإيحاء المكثف من خلال الحضور القوي للصورة الشعرية اختزالا للزمان والأحداث، كما نؤكد أن القاص عبد اللطيف النيلة امتاز في كتاباته على إعطاء لأسلوبه السردي روحا تستشعر القارئ بالحياة و التواجد وأنه غير ملغى من اهتمامات الكاتب من خلال استحضار المونولوج و الحوارات في عديد من قصصه ضمن المجموعة.

و يبقى القاص عبد اللطيف النيلة من الكتاب الذين رسموا طريقا واضحا لتجربتهم الإبداعية بكل عزم وإصرار، خاطا طريقا صحيحا نحو معترك الكتابة كهم يومي أزلي، و تستمر التضحيات من أجل بناء مجتمع قارئ.

قراءة ممتعة.

عبد المجيد ادهابي

مشاركة منتدى

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى