الأحد ٢٠ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
مصافحة..
بقلم بلقاسم بن عبد الله

كـتـبـكـم مـهـمـشة مـهـشـمة

.. وهل يستطيع الكتاب مهما بلغ حجمه ووزنه أن يسترجع قيمته الحقيقية لينافـس اهتمامات المولعين بكرة القدم هذه الأيام؟.. وإلى أي حد يستفيد الكُـتاب من إيجابيات مباريات كرة القدم، لمراجعة خـطة عملهم من أجل جودة إنتاجهم لفائدة قراء متميزين في عصر متعدد متغير؟.. وهل سيكمل الكتاب الإلكتروني ما نقص من جواهر الكتاب الورقي الذي تضايقه حاليا وسائل الطبع والنشر والتوزيع والإنتشار؟.. تساؤلات مشروعة صافحتني هذه الأيام، وأنا أواجه صاحبي العزيز المعزز بحديث ذي شجون وشؤون عن الكتاب غذاء العقل والروح..

لا تجهد نفسك كثيرا، يكفيك ما عانيت، كم استهلكت من حبر وسودت من أوراق، وأرهقت الفكر والأعصاب؟. ومع ذلك فالأبواب موصدة، حتى إشعار آخر.. ارشف قهوتك قبل أن تبرد، اجمع أوراقك المتناثرة، ضع القلم جانبا، ليستريح ويريح.. وقبل أن تقدم على متابعة تأليف كتابك المنتظر، وتسلمه لإحدى دور الطبع أو مؤسسات النشر، ليخزن هناك في ثلاجتهم، وليظل ومهمشا مهشما قبل أن تلتفت إليه الأيادي البيضاء الكريمة لتنتشله من الضياع والإهمال.. تريث قليلا يا صاحبي الكريم، واستمع بإمعان إلى حكايات صغيرة ذات دلالات كبيرة، تبوح بأسرارها المكنونة..

الحكاية الأولى

مدير سابق لمؤسسة وطنية للنشر كتب ذات يوم في مذكرته الشخصية ما يلي: زارني هذا الصباح شاب وسيم أنيق، واستدرجني في الحديث عن شؤون الطباعة ببلد شقيق، واستفسرني عن الوضع عندنا، فتحدثت إليه مطولا، وقاطعني بالسؤال عن حقوق المؤلف، فقدمت له نموذجا من عقد النشر، قبل أن يحرجني بسؤال عن مدة الطبع.. وهنا قاطعته: هل لديك مخطوط معد للطبع؟.. وكم كانت دهشتي عظيمة عندما قال لي وبالحرف الواحد: أنوي كتابة رواية اجتماعية وأريد مسبقا أن أعرف هذه الأمور قبل أن أتعب نفسي.

وتحت هذه الواقعة كتب هذا المسؤول هامشا صغيرا: إما أن يكون صاحبنا عبقريا أو مغرورا، أو من الذين يكتبون تحت الطلب أو حسب الحاجة والمنفعة.

الحكاية الثانية

كاتب جزائري يصرح بأنه دفع لمؤسسة وطنية للنشر منذ سنوات، نسخة وحيدة من باكورة إنتاجه الشعري، ولما سأل عنها بعد سنوات، قيل له بأنها ضاعت وسط الزحام. فما كان منه إلا أن تحسر على زبدة إبداعه وعصارة أحلام شبابه وهي تتلاشى.. ليت الشباب يعود يوما..

الحكاية الثالثة

كاتب جزائري علم بصدور كتابه عن طريق خبر بصحيفة وطنية، رغم أنه من سكان الجزائر العاصمة. وأديب آخر، مل طول الانتظار، إلى أن فاجأه صديق حميم بنسخة مطبوعة من مجموعته القصصية، مع إهداء طريف: لأن الأديب في بلادنا كالزوج آخر من يعلم بتحركات وتصرفات زوجته في الأسواق، فهاهي ذي نسخة من كتابك، هدية متواضعة مني إليك.

الحكاية الرابعة

حدث لأديب جزائري أن سافر إلى بيروت في عطلة الصيف، ومكث هناك شهرا كاملا، سلم أثناءه مخطوطه الأدبي.. وتابع خطوات طبعه، قبل أن يعود وهو يتأبط مجموعته القصصية في كتاب أنيق في حدود 100 صفحة..

الحكاية الخامسة

حدث أحدهم قال: بعد ثلاثة أشهر فقط وصلتني برقية مستعجلة من مؤسسة النشر، تطلب مني الحضور، قلت في نفسي: لعل مخطوطي قد رفض أو يتطلب التنقيح والتعديل.. لكن، كم كانت دهشتي عظيمة عندما استقبلني المدير وفاجأني بصدور كتابي، في سرعة قياسية، وقبل أن أمد يدي لأتسلم منه الكتاب.. كانت الزوجة توقظني قائلة: انهض، إنها السابعة صباحا..


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى