الخميس ٢٦ شباط (فبراير) ٢٠٠٩
بقلم حبيب فارس

كفى إهانة للمهاجر اللبناني

على عكس ما تروّج له، تاريخياً، شرائح أساسيّة من الطبقة السياسيّة اللبنانيّة، بأن هجرة اللبنانيين تعود إلى دوافع (الطموح)، (حبّ المغامرة) و(الإستكشاف) لدى اللبنانيّ، وما إلى ذلك من مواصفات (تبجيليّة) للمهاجرين ممن يحلو لها تسميتهم ب(المغتربين) كأحد أجناس فنون الغش والرّشوة التي تتقنها جيداً، وأباً عن جد، على طريقة (من دهنو قلّيلو)، بقصد إطعام هؤلاء (جوز فارغ)، يبغي أوّلاً وأخيراً، ذرّ الرّماد في العيون، كي لا تنقشع جرائم تهجيرهم الثابتة منذ تثبيت دعائم النظام الإقطاعي – الطائفي، والموسميّة، مع وإثر كلّ حرب أهليّة دمويّة، هي جزء لا يتجزّء من ديمومته. على عكس كلّ ذلك، تعرف الغالبيّة العظمى من المهاجرين اللبنانيين، أن هجراتها المتواصلة والمتتالية، ما هي إلاّ للبحث عن لقمة العيش الكريمة أو عن شروط المواطنة الحقّة والأمن والسلام، أو كلّها مجتمعة، وهي ما عجزت الطغمة السياسيّة المتعاقبة على الحكم عن توفيرها للبنانيين. وتعرف جماهير المهاجرين، بحكم تجاربها المريرة، وبحكم تعلّقها بوطنها الأمّ وتحسّرها الدائم للعودة إليه والعيش في ربوعه، أنّ هجرة الإنسان – أو تهجيره – من وطنه الأمّ، هي أكبر الإهانات التي يمكن أن يتلقّاها في حياته.

بيد أنّ تلك الشرائح لا تكتفي بدفع (مواطنيها) لتلقّي أمّ الإهانات، بل هي تلاحقهم بإهاناتها المتتالية، حيث ذهبوا. إهانات من لا يعرف أو يتعرّف على مهاجريه، إلاّ في مواسم (الشحادة) التي تتطلّبها مقتضيات تدعيم الأوّلين لمواقع نفوذهم وتسلّطهم على رقاب اللبنانيين المقيمين، المغلوبين على أمرهم، ممن لم "يحالفهم الحظ" بالحصول على (شرف الإغتراب). آخر الإختراعات (الإهانيّة) لهؤلاء، وبنوع خاص قوى ما يسمّى بفريق 14 آذار، هي النشاط الحثيث لزجّ المهاجرين اللبنانيين في أفقع وأبشع عمليّة تزوير لأخطر استحقاق انتخابيّ نيابيّ لبنانيّ منذ عدّة عقود. وأمّ فضائح هذا النّشاط التزويري السافر، أنّ أحد شعارات معركته الرئيسيّة هو (من أجل بناء دولة السيادة والقانون). فتحت هذا الشّعار (السياديّ – القانونيّ) لا تتوانى الماكنة الإنتخابيّة لهذا الفريق السلطوي عن ارتكاب أفحش منكرات الإعتداء على السيادتين اللبنانيّة والأستراليّة وعلى قوانين لبنان وأستراليا، على حدّ سواء.

لقد شهدت أستراليا، في الأشهر الأخيرة، كغيرها من بلدان مهجر، ما يشبه الجسر الجويّ لأقطاب وأعضاء بارزين في فريق (الحريّة والسّيادة والإستقلال)، ليس آخرها إلاّ زيارة الدكتور أحمد فتفت (الذي من المفترض أنّه يخطب في مهرجان ل(تيّار المستقبل) بمدينة سيدني أثناء كتابة هذه السطور). ولقد حرص هؤلاء (القياديون) على اصطحاب مجموعة من المخاتير والمفاتيح الإنتخابيّة مع "دستات" من استمارات الإستحصال على بطاقات الهويّة اللبنانيّة، بهدف إعادة "لبننة" ما أمكن من المهاجرين، كمقدّمة للتصويت نيابة عنهم خلال استحقاق حزيران الإنتخابيّ. وبينما كان من المفترض أن تجري هذه العملية التزويريّة بشكل سرّيّ للغاية، عجزت الماكينة "الأربعتعشآذاريّة" عن إبقائها موضع الكتمان، بسبت اتّساع الحملة من جهة، ومن جهة أخرى رفض العديدين من أبناء الجالية، بما فيهم عدد كبير من الذين كانوا بالأمس من أنصار هذا الفريق، ليكتشفوا فجأة خداع شعاراته.

وما إن ابتدأت رائحة هذه الفضيحة تزكم أنوف المهاجرين والمقيمين اللبنانيين في آن، حتى بادر– وعلى الطريقة المألوفة لأرباب السلطة اللبنانيّة – بعض مسؤولي هذا الفريق وأجهزة إعلامه ومناصريه هنا، إلى عملية هروب للأمام، مبررين الأمر، بأنه "تقليد لبناني يمارسه الجميع"، دون أن تفوتهم المفاخرة ب"شطارة هذا الفريق مقارنة بغباء خصومه السياسيين". ما لم ينتبه له هذا الفريق "الشاطر جداً"، في تبريراته، أنه بين اللبنانيين المهاجرين، هناك عشرات الآلاف ممن هم وبحكم إقامتهم الطويلة في بلد ينعم بالسيادة وبسيادة القانون، قد "خرجوا عن ذاك التقليد" وتمرّسوا في تطبيق واحترام القانون والتمنّع عن الإساءة لسيادة وطنهم الثاني.

من مخالفات أصحاب مشروع "بناء دولة السيادة والقانون" للقانون اللبناني، هي تعدّي المخاتير اللبنانيين حدود صلاحياتهم و"توسيعها" لتطال مواطنين لا يقيمون في دوائرهم الإنتخابيّة، بل ولا حتى على الأراضي اللبنانيّة، وبالتالي تعدّيهم على صلاحيات البعثات الدبلوماسية اللبنانيّة، صاحبة الحق بإنجاز معاملات الحصول على الهوية اللبنانيّة. ومن مخالفات القانون اللبناني أيضاً، تبييت هؤلاء لعمليّة التصويت نيابة عن المهاجرين. ومن مخالفات القانون الأسترالي والتعدّي على سيادة أستراليا، ممارسة هذه العمليّة خارج التنسيق الرسمي بين حكومتي البلدين. ناهيك عن أن هذه المخالفات والتعدّيات تشمل تشغيل "مفاتيح انتخابيّة" داخل الجالية اللبنانيّة، من أعضاء مجالس بلديّة من أصل لبنانيّ، انتخبوا إلى المواقع التي يحتلونها بأصوات أسترالية، ليمثلوا ويخدموا ناخبيهم المقيمين في أستراليا، وعدم تجيير خدماتهم وتمثيل مواطنيهم أو ولائهم لسياسيين في دولة أخرى. وهناك عدد لا حصر له من إساءات وخروقات هذه الممارسات الفظة، للتقاليد والأعراف الدبلوماسية والبروتوكوليّة القائمة بين البلدان ذات السيادة. لكنّ الإساءة، بل الإهانة الأكبر، هي تلك التي يوجّهها، من جديد، وبدم بارد، أقطاب هذا الفريق لكرامة جماهير الجالية اللبنانيّة، عن طريق الإستخفاف بذكائها ومحاولات شراء ذمم بعض أعضائها أو زجهم من جديد في عمليات فساد من النوع الذي كان من أسباب ابتعادهم - أو إبعادهم - عن الوطن الأمّ.

من مفارقات "مجوقلي" الرابع عشر من آذار، أنهم في جميع لقاءاتهم الشعبيّة والإعلاميّة، يَعدون مناصريهم بفوز فريقهم، الساحق والأكيد، في الإنتخابات النيابيّة القادمة، ما جعلهم وفريقهم، موضع تندّر غالبية أبناء الجالية، حيث بإمكان المرء، أينما تواجد بين أبناء الجالية، أن يسمع نفس التعليق:"إذا كانت المعركة النيابيّة محسومة، سلفاً، لصالحهم، لماذا لا يريحونا من رائحة ضراطهم!".


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى