الثلاثاء ١١ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم رامز محيي الدين علي

كلّيَّاتٌ للمُطارحةِ الفكريَّةِ

كلُّ رغيفِ خبزٍ تتوقُ إليهِ النَّفسُ، ولا تجدُهُ إلّا معجوناً بعرقِ الجبينِ ونزيفِ الوريدِ، هو حبَّةُ قمحٍ تُغربلُها غرابيلُ السِّياسة!

كلُّ قطرةِ ماءٍ لا تنهمرُ من السَّماءِ، ولا تنبجِسُ من قلبِ الصُّخورِ إلّا بدموعِ القهرِ والحرمانِ، هي قطرةٌ مأسورةٌ في كؤوسِ السّياسة!

كلُّ حفنةِ دواءٍ لا تصلُ إلى جراحِ المرضَى وآلامِهم إلّا بدموعِ الثَّكالى وآهاتِ الطُّفولةِ، هي وصفةٌ تصنعُها معاملُ السِّياسة!

كلُّ طفلٍ حُرمَ من الحياةِ قبلَ أن يُولَدَ، هو من جشعِ السّياسةِ واستئثارِها بأنفاسِ الحياة!

كلُّ طفلٍ حرمَتْه الحياةُ قلماً يخطُّ به حروفَه الأُولى على دفاترِ العلمِ، هو من جهلِ السِّياسةِ وغبائِها أو خُبثِها ودهائِها!

كلُّ طفلٍ حُرمَ مقاعدَ الدّراسةِ، ولم تصِلْ أشعَّةُ النُّورِ إلى عينَيْهِ، هو جريمةٌ خِنجرُها بيدِ السِّياسة!

كلُّ مخلوقٍ بشريٍّ حُرمَ من إنسانيَّتِه وكرامتِه، هو كارثةٌ بشعةٌ تحملُ آثارَها مباضعُ جزَّاري السِّياسة!

كلُّ تفرقةٍ عنصريَّةٍ بينَ أطيافِ البشرِ في الحقوقِ والواجباتِ والعملِ والأجرِ، هي شهادةٌ مصدَّقةٌ بتوقيعِ السِّياسة!

كلُّ معاملةٍ خدميَّةٍ تُرهقُ كواهلَنا، ثمَّ تُلقَى في حاويةِ النِّسيانِ، تحملُ في طيَّاتِها وشمَ أحابيلِ السّياسة!

كلُّ فنجانِ قهوةٍ يُقدَّمُ لكَ معَ ابتسامةِ شفَّافةٍ مثلَ ابتسامةِ الموناليزا في أروقةِ المنزلِ أو ساحاتِ العملِ، هي بُنٌّ يحملُ نكهةَ مطحنةِ السّياسة!

كلُّ لباقةٍ وكَيَاسةٍ تستقبلُكَ به موظَّفةٌ في دائرةٍ من دوائرِ المصائبِ الكُبرى، هي سياسةٌ تحملُ في لعابِها زرنيخَ السِّياسة!

كلُّ خُطبةٍ تُلْقى إلى أذنيكَ، وأنتَ غارقٌ في أحلامِ اليقظةِ وكوابيسِ فواتيرِ العيشِ، هي من تأليفِ وإخراجِ أساطينِ السِّياسة!

كلُّ فاتورةٍ تستَنضِحُ عرقَكَ وتستقطِرُ قطراتِ دمِكَ، وتستنزفُ مآقيكَ أرقاً وبؤساً، هي من تصميمِ مُرتزقةِ السِّياسة!

كلُّ بقرةٍ لا تخورُ إلّا حينَما يُذبحُ عجلُها أمامَ عينَيْها هي من تدجينِ حظائرِ السِّياسة!

كلُّ عجلٍ يُناطحُ أخاهُ في مرابعِ الخيرِ؛ كي يستأثرَ بكلِّ خيراتِ المراعي، هو عجلٌ محقُونٌ بفيروسِ جنونِ السّياسة!

كلُّ بغلٍ مجهولُ الأصولِ وصار حصانَ طروادةَ بين عشيَّةٍ وضُحَاها، هو أسطورةٌ صنعَتْها أساطيرُ السِّياسة!
كلُّ حمارٍ ينهقُ وكأنّهُ أحدُ بُلغاءِ العالمِ، ولا يملكُ من خصائصِ البلاغةِ إلّا البلاهةَ، هو ترويضُ أحدِ إسطَبْلاتِ السِّياسة!

كلُّ دولارٍ تتطلَّعُ إلى ادِّخارِه لأيَّامِ المحنِ السَّوداءِ، وتحرصُ عليهِ حرصَكَ على أبنائِكَ، فتَختطِفُه أخطبوباتُ الجبايةِ الممنهجةِ؛ لتحرمَهُ نعمةَ الاحتباسِ الحراريِّ في جعبتِكَ، هو دولارٌ مبرمجٌ ببرمجيَّاتِ السِّياسة!

كلُّ فكرةٍ تطيرُ في الآفاقِ طيرانَ أشعَّةِ الشَّمسِ في رحابِ الفضاءِ، هي فكرةٌ من يورانيُوم السِّياسة المنَضَّبِ!
كلُّ همٍّ من همومِ الدُّنيا ينخُرُ فكرَكَ، وأنتَ تلهثُ وراءَ شمعةٍ من شموعِ السَّعادةِ، هو من أعباءِ غطرسةِ السِّياسة!

كلُّ حلمٍ جميلٍ يحترقُ في سُباتِكَ فتنقلِبُ اللَّذَّةُ إلى ألمٍ، والسَّعادةُ إلى شقاءٍ، والفرجُ إلى كابوسٍ، ولمّا يَنْتهِ فصلٌ صغيرٌ من فصولِ أحلامِكَ، هو من ضبابٍ يخْتنقُ في أوديةِ السِّياسة!

كلُّ يأسٍ ينهمرُ إلى ذاتِكَ الّتي تتربَّعُ ذؤاباتِ الجبالِ، ويحملُكَ كالأتربةِ خانِعاً إلى أعماقِ البحارِ، هو يأسٌ تحملُه عواصِفُ السِّياسة!

كلُّ تفاهةٍ تتربَّعُ قممَ ناطحاتِ السَّحابِ، وتُلْقي بالحقائقِ في سرابِ الأوهامِ، هي تفاهةٌ تصنعُها تُرَّهاتُ السِّياسة!

كلُّ علمٍ أبدعَتْه أفهامُ جهابذةِ الفكرِ لإنقاذِ البشريَّةِ، وغدَا رعْباً من الدَّمارِ الهائلِ، هو علمٌ امتطَتْه أحابيلُ السِّياسةِ وحوّلَتْه إلى فتيلِ حربٍ وفَناء!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تقولَ الحقيقةَ، ولا تحملُ حرفاً من حروفِ أبجديَّةِ الشَّجاعةِ والحرّيّةِ الإنسانيَّةِ، هي كلمةٌ من صناعةِ كهنوتِ السِّياسة!

كلُّ كلمةٍ تتَوارى خلفَ عباءاتِ الظَّلامِ خشيةَ أن تَرى النُّورَ، هي كلمةٌ لا تستحِقُّ الولادةَ من رحمِ عقلٍ بشريٍّ سويّ، وإنّما يجبُ أن تُلْقى في حظيرةِ السِّياسة!

كلُّ كلمةٍ لا تعرفُ الاختيارَ بينَ النُّورِ والدَّيجورِ، هي كلمةٌ شوهاءُ بالرَّمدِ، لن تُدركَ قيمةَ النُّورِ، وتظلُّ حبيسةَ وهمِ الدَّيجورِ، هي كلمةٌ ملوَّنة بلونِ رمادِ السِّياسة!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أنْ تُعجَنَ برغيفِ خبزِ القهرِ والإذلالِ، هي جنينٌ ميِّتٌ في أعماقِ الخانعينَ!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تلعنَ عقاقيرَ تخديرِ الأفهامِ؛ لتُحيلَ البشرَ إلى قطيعٍ من الأغنامِ، هي كلمةٌ يائسةٌ في أعماقِ المهزومينَ!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تحملَ عصَا اللَّامِ وسيفَ الألفِ في وجهِ الطُّغاةِ، هي كلمةٌ بلا حروفٍ وخاويةٌ من أيِّ معنىً!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تكونَ بلسماً يُداوي جراحَ المكلُومينَ، هي كلمةُ رقّاصةٍ تُدغدغُ شهواتِ المراهقِينَ والتَّائهينَ في دياجيرِ نفوسِهم!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تعبِّرَ عن همومِ وآلامِ المسحوقينَ في العالمِ، هي كلمةٌ تتجمَّلُ بمساحيقِ التَّجميلِ المروِّضةِ لأحاسيسِ المخبُولينَ في أحضانِ اللَّذّةِ العَمياء!

كلُّ كلمةٍ تتلبَّس بلباسِ الإنسانيَّةِ الجوفاءِ، هي كلمةٌ تدقُّ السِّياسةُ مساميرَ حروفِها في نعشِ الإنسانيَّة!
كلُّ كلمةٍ لا تستنهِضُ هممَ الأرواحِ كي تبعثَ الحياةَ من جديدٍ في الأجسادِ الّتي حطَّمَتْها أعاصيرُ المارقينَ، هي كلمةٌ آسنةٌ في مستَنقعِ ظلامِ الفِكر!

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تصِفَ الدَّمارَ الّذي خلَّفَتْه حروبُ السِّياسةِ وصراعُ بُلَهائِها، هي كلمةٌ لا تحملُ معنىً من معَاني الإنسانيَّة.

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تُعرّيَ جنونَ طغاةِ الحروبِ، وتكشفَ أعماقَهم المتْخَمةَ بشهوةِ القتلِ والإجرامِ، هي كلمةٌ لا تمتُّ إلى الأدبِ بوشيجةٍ.

كلُّ كلمةٍ تَخْشى أن تصوِّرَ مآسيَ الإنسانيّةِ في الفقرِ والبؤسِ والحرمانِ والظُّلمِ والغطرسةِ والعدوانِ، هي كلمةٌ عمياءُ يجبُ أن تُرْمى بينَ قمامةِ الكلماتِ الخَسِيسةِ.

كلُّ كلمةٍ لا تَرى في الحياةِ إلّا لوحةً سرمديَّةً موشَّاة بفُسَيفساءِ القضاءِ والقدرِ، ليسَتْ إلّا تأْتأَةً على لسانِ ببَّغاءَ.
كلُّ كلمةٍ تعجزُ عن وصفِ آلامِ وعذابِ المشرَّدينَ عبرَ البحارِ والمحيطاتِ ليسَتْ سِوى هرطقةٍ يتسربلُ بها الجُبناءُ.

كلُّ كلمةٍ لا تميِّزُ بينَ الجَاني الحَقيرِ وبينَ أسطورةِ شعبٍ ذُبحَ بالملايينِ من أجلِ كرامةِ وجودِه، هي كلمةٌ مزوَّرةٌ يجبُ أن يُقامَ عليها الحدُّ ببترِ لسانِها الآثمِ.

كلُّ فكرٍ ضبابيٍّ يَرتَضي أن يعيشَ ذليلاً في هدأةِ سلامِ الجدرانِ، هو فكرٌ سرطانيٌّ يجبُ أن يُستأصلَ من جذورِه كي لا ينتشرَ في بنيانِ الفكرِ الإنسانيِّ الحُرّ.

كلُّ فكرٍ ظلاميٍّ يَرتَضي أن يترعرعَ في الدَّياجيرِ عليهِ ألّا ينتظرَ هُنيهةً بزوغَ نورِ فجرِ الخلاصِ وسطوعَ أشعّةِ ذُكَاءِ الحُرّيَّة.

كلُّ فكرٍ يتبجَّحُ بماضيهِ التَّليدِ ويَنْسى حاضرَهُ البائسَ، عليهِ أن يدفُنَ رأسَهُ في الثّرى كالنَّعام.
كلُّ فكرٍ كهنُوتيٍّ ينتظرُ الخلاصَ من السَّماءِ دونَ أن يقدِّمَ عملاً يخدمُ الإنسانيَّةَ في الخلاصِ من آلامِها ومآسِيها هو فكرٌ مدجَّنٌ بألاعيبِ كهنةِ السِّياسةِ والدّينِ.

فهل منْ مُجيبٍ: أكلِمَاتي نكهةُ قهوةِ سياسةٍ، أم شهوةُ رغيفِ خبزٍ، أم لعنةُ دمٍ مسفُوكٍ، أم صرخةُ مهاجرٍ مشرَّدٍ تبتلعُه البِحارُ، أمْ عبثٌ مثلَ عبثيّةِ الخانعينَ في ظلالِ الجدرانِ؟!


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى