السبت ٢٢ تشرين الأول (أكتوبر) ٢٠٢٢
بقلم عبد الكريم المحمود

كنوز قارون

أتى جمع قارون يختال كِبرا
فماج به البرّ وانساب بحرا
بسبعين ألفاً من الراكبين
خيولاً تحلّت لُجيناً وتبرا
يُشاهَد آخرها ساكناً
وإنْ هو حثّ الأوائل سيرا
وأبرق من صهوات الجياد
بريقُ سروجٍ ترصّعن درّا
فجاءت تميس بفرسانها
مرفّهة الخلق بيضاً وشقرا
وشعّ من الركب وهجُ الحرير
بروداً تَماوَجُ حمراً وصفرا
وفيهم بدت فتنة الغانيات
تزينّ بالحلي وازددن بهرا
تباهَينَ في قُطُف الأرجوان
وأظهرنَ منها المفاتن جهرا
تحلّين من بطرٍ لؤلؤاً
وبالذهَب الصِرف زيّنّ نحرا
فأبهرنَ بالحسن لبّ الرجال
ومن كل حسناء أوغرن صدرا
وفي كل قلبٍ دنيّ غدت
أمانيه بالمثل تنهار حسرى
وناءت مفاتيح تلك الكنوز
بجمع البغال وجاهدن وقرا
فقهقه قارون مستهزءاً
بكل فقير يكافح عسرا
ونادى الا أيها المؤمنون
بموسى وأنتم تقاسون ضرّا
فحتّام من بئره تشربون
شراب المذلّة صعباً ومرّا
يطالبكم توبةً تائهين
ويطلب منكم على الذلّ صبرا
يمنّيكمُ في غدٍ جنةً
اذا ما غدوتمُ لله أسرى
فلا تُقرفوني بآرائكم
ومن أسر شِرعتكم صرتُ حرا
أتيه بما فيّ من قوةٍ
وجمعٍ لديّ وأضحك بِشرا
بأني سأبقى من الخالدين
وأُذكر في الناس دهراً فدهرا
فما لكنوزي فناءٌ وما
لجمعي زوالٌ ولستُ مُقرّا
بأن الفناء لهذي الحياة
مصيرٌ وأن البقاء لأخرى
وأن كنوزي عطاءٌ لربٍّ
عطاياه تُلزم حمداً وذكرا
وأن أُنفق المال للمعوزين
وأنشرَ في الناس خيراً وبرّا
فكل كنوزيَ من فيض علمي
وما قد عملتُ وأبدعتُ فكرا
وليس لغيريَ حقٌ بها
وإني لبالملك أولى وأحرى
فهلاّ تركتم رؤى النائمين
أما قد شبعتم من الجهل سكرا
ألستم ترون جناني وما
حوته كنوزي من المال وفرا
وبالذهب الجمّ زيّنتُ قصراً
وبالجوهر الفذ شيّدتُ قصرا
وها هم عبيدي كمثل الفَراش
تعالَوا على الخيل زهواً وفخرا
وإني أحطتُ بخير العلوم
وما يمنح المرءَ عزاً وقدرا
فما قدرُ موسى وأتباعِه
بجلبابه الرثّ ينفض شَعرا
ويسكن كوخاً يذرّ التراب
بأركانه الفأرُ يحفر جحرا
ونعلاه جلد حمارٍ ذميم
يخطان في الأرض شؤماً وخُسرا
وليس لديه من الملك إلا
عصاه بها يزجر الناسَ زجرا
فهل أسكنتْه عصاه القصور
وعن تابعيه أتدفع فقرا ؟!
فما هي إلا عصا فتنةٍ
يضلّ بها القومَ إفكاً وسحرا
ويحسدني أن ملكتُ الكنوز
ويفرض فيها زكاةً وسعرا
بدعواه أن ينقذ البائسين
بما قد جمعتُ وأفنيتُ عمرا
وما للمساكين حقٌ سوى أن
يكونوا عبيدي فيعطَون أجرا
وهل تعرفون البغيّ التي
أذاعت لموسى من الفحش سرّا
فها قد أتينا بها شاهداً
لتنبئكم عنه ما كان نُكرا
فبانت عن الجمع تلك البغيّ
ونادت تزيح عن الحق سترا
ألا أيها الملأُ الحاضرون
أصيخوا فإني بقارون أدرى
لقد كاد موسى وقد غرّني
بمالٍ لأنطقَ زوراً وكفرا
وإني تحمّلتُ جمّ الخطايا
وما عدتُ أسطيع إثماً ووزرا
فبالله أعلن حقاً وصدقاً
براءة موسى تقيّاً وطُهرا
وما قال قارونُ إلا خداعاً
وإفكاً يضمان كيداً ومكرا
فردّته بالخزي بين الأنام
وخذلانه حين أزمع غدرا
وعاد الى قصره خائباً
على مُلكه لعنةَ الله جرّا
فكبّر موسى مع المؤمنين
وخرّ ليسجد لله شكرا
وسبّح يدعو بفيض الدموع
بأني ظُلمتُ وأرجوك نصرا
على بغي قارون في قومنا
وإفساده الأرض تيهاً وجورا
فجاء لموسى من الله وحيٌ
مُر الأرض ما شئتَ تؤتيك فورا
فقال ألا أيها الأرضُ هزّي
بقارون عرشاً تطاول شرّا
خذيه وأتباعهَ الكافرين
الى قعرك المتسجّر حَرّا
فزُلزلت الأرضُ بالمجرمين
وظلت من الخسف تُكسر كسرا
أحاطت بقارون غيلانُها
فصاح من الجند يطلب نصرا
ورام المخارجَ من هوّةٍ
بجذبٍ تواريه شبراً فشبرا
ونادى ألا أيها التابعون
هلمّوا فإني سأدفن قسرا
فإن تنقذوني فإني لكم
سأعطي كنوزي وملكيَ طرّا
فما كان منهم سوى صيحةٍ
تصاعد من باطن الأرض حيرى
تقول بأنا عبدنا كنوزاً
ومُلكاً فعنّا لدى الخطب فرّا
فلا منقذَ اليوم من غضبةٍ
أراد بها الله للعدل ثأرا
وأهوى عليهم متينُ السقوف
وما كان في عمدٍ مستقرّا
فكلٌ بزينته قد هوى
وفي الأرض غار حطاماً تفرّى
وغار بقارون عرشٌ مريد
تسافل في ظلمةٍ مستمرّا
هبوطاً يواريه في غيهبِ
من المهل يغلي وبالنار يضرى
وأصبح من قد تمنّوا لديه
مكاناً يفرّون رعباً وذعرا
ونادوا تباركتَ يا ذا الجلال
ويا من لك الكونُ خلقاً وأمرا
تجاوزتَ عن جهلنا منّةً
علينا وآن لنا أن نُقرّا
بأنك أنت الاله فلا
إله سواك وندعوك جأرا
بأن لك الحمد من واهبِ
لمن شئتَ تبسط رزقاً مُدرّا
ومن شئتَ تسلب منه الثراء
اذا ما طغى في غناه مصرّا
وأن لك المجد من قاهرِ
فتمنح من شئتَ عزاً وقهرا
فإن صار يبغي ويختال كِبراً
قمعتَ فصار له الذلّ قبرا
وأنت تعاليت من مالكٍ
يذيق الملوك هواناً وصُغرا
وتجعل عزك للمؤمنين
ومن يتقونك خوفا وحذرا
فتدخلهم جنةً لا تبيد
اذا حُشر الخلق للفصل حشرا
وتحرق أعداءك الفاسدين
بنارٍ تفور من الغيظ فورا
فإياك نعبد يا ربنا
وإياك ندعو ونسأل غفرا
لما قد تفاقم من ذنبنا
فمنّا تقبّلْ متاباً وعذرا


الأعلى