الاثنين ١ آذار (مارس) ٢٠٠٤

كيف يبدو العرب في نظر اليابانيين

رؤية في كتاب

للكاتب الكويتي السيد/ محمد الرميحي– جريدة الحياة يوم الأربعاء 7 كانون الثاني ( يناير)2004 الموافق 15 ذو القعدة 1424هـ/العدد14895

كلما اجتمع نفر من العرب في ندوة علمية أو لقاء ثقافي وجاءت سيرة اليابان وجدت أن غالبية الحاضرين في مثل تلك الملتقيات يقارنون بين النهضة اليابانية المحققة، والنهضة العربية المرتجاة، بالقول أن اليابان استطاعت أن تدخل العصر الحديث، وتحتفظ في الوقت نفسه بثقافتها الاجتماعية!

ويكاد هذا الرأي يشكل غالبية بين المتابعين العرب، ولعله رأي اعتذاري أو تبريري، بأنك تستطيع أن تحافظ بالضبط على موروث اجتماعي، وبناء سياسي تقليدي، وسلوكك عام وخاص لا يتناسب مع العصر، وفي الوقت نفسه تستطيع أن تلج عصر التحديث والعولمة والانتاج.

ومهما قيل ضد هذه الافكار، بأن اليابانيين عموماً قد دخلوا عصراً جديداً بسبب تغيير ما اعتادوا عليه من بنى سياسية وسلوك اجتماعي، وبتبني أفكار حديثة، يقابله البعض باستنكار أو استغراب. هذا الرأي يخلط بغير علم بين الشكل الخارجي ( للثقافة كالمأكل والملبس ) وبين الأمر المؤثر في الثقافة كالسلوك السياسي وبناء المؤسسات.

وقد جاء ياباني بقلم عربي فصيح ليقول عكس ما يظن البعض، هذا ما سرده نوبواكي نوتوهارا في كتابه الذي ما أن فرغت من قراءته، حتى خلت انه من القراءة الضرورية لأي سياسي عربي، يريد أو يعتقد أن الاصلاح لا يزال ممكناً في فضائنا العربي.

شهادة نوبواكي الذي قضى قرابة أربعين عاماً وهو يعيش مع العرب ويلاحظ الثقافة العربية في البوادي والمدن، وقد أجاد العربية كأحد أبنائها، واطلع على الانتاج الادبي العربي وترجم منه إلى اليابانية، هي أول شهادة يابانية – حسب علمي – تكتب عن العرب بلغتهم، وحسناً فعلت دار الجمل في ألمانيا بنشر هذا الكتاب ذي القطع المتوسط والذي لا يتجاوز المئة وخمسين صفحة فقط، ولكنها صفحات مليئة بالملاحظات المهمة، جاءت من عين يابانية محبة ولكن ناقدة. أهم ما في الكتاب هو المقارنة بين ما يقوم به العرب، وما بين ما يتوقعه الياباني المعاصر.

يلاحظ الكاتب هذا التوتر غير الخفي في المدن العربية المكتظة بالسكان، وهو توتر في الشارع العربي يعتقد الكاتب أنه ناتج عن اضطهاد، فالناس تمشي في الشوارع وكأن عيناً تطاردهم، وجوه جامدة وصامتة وطوابير طويلة، حتى في التاكسي يواجه الانسان الاضطهــاد فالسائق يختار الراكب حسب المكان الذي يريد الذهاب إليه، ويرفض أن ينقل الشخص الذي لا يعجبه شكله، أو المكان الذي يقصده، وينتهي الكاتب بالملاحظة أن ( الناس في المدن العربية ليسوا سعداء وليسوا مرتاحين، الناس صامتون لا يتحدثون، لكننا نسمع صرخة من خلال ذلك الصمت الخانق)!

يكتشف الناقد الياباني أن هذا الجو من التوتر هو بسبب غياب العدالة الاجتماعية، ويضيف أن من حقه بعد كل هذه السنوات مع العرب أن يقول شيئاً لهم.

غياب العدالة يعني غيــاب المبدأ الاساسي الذي يعتمد عليه الناس في علاقتهم ببعضهم، لذلك "يكرر الناس في البلاد العربية أن كل شيء ممكن لأن القوانين السائدة غير مطبقة وغير محترمة".

القانون لا يحمي الناس من الظلم لأنه مخترق، ويأتي نوتوهارا على الكثير من الاحداث والوقائـع، فالقمـع هو " الشيء الوحيد الذي لا يحتاج إلى برهان في البلاد العربية"، ومن مظاهر القمع الذي يستغربه الياباني المعاصر أن " الحاكم " يحكم مدى الحياة في الوقت الذي لا يتجاوز عمر رئيس الوزراء الياباني في الوظيفة بضع سنين، وأن الصحف تمنع من بلد إلى بلد، وأن الكتب والمجلات تعرض على الرقابة، مثل هذه المظاهر لا يتوقع الياباني أن يراها في حياته المعاصرة. ثم يستطرد بالقول أن " من زار اليابان لا شك يعرف أن هناك سيارات بمكبرات صوت على نواصي الشوارع تهاجم رئيس الوزراء والحزب الحاكم دون أن يتعرض لها أحد"، ولكن "السلطة والشخص في البلاد العربية شيء واحد " وفي معظم البلاد العربية يقول الكاتب أن " المعيار الوحيد لكرامة المواطن ووطنيته هو مقدار ولائه للحاكم"، وهذا كله غريب علينا نحن اليابانيين في الوقت الحاضر.

وفي تاريخ اليابان الحديث، فإن السيد تاناكا واحد من أقوى الشخصيات التي شغلت منصب رئيس وزراء، ولكن الشرطة اعتقلته من بيته وذهب إلى السجن بالقباب الياباني بعدما اكتشفت الصحافة قضية " لوكهيد".

يعترف الكاتب بأن اليابان في وقت ما كانت خاضعة لنوع من القمع، لكن اليابانيين تخلصوا منه وأصبح تاريخاً. يقول " أعتقد أن القمع هو داء عضال في المجتمع العربي لذا فإن أي كاتب أو باحث يتحدث عن المجتمع العربي من دون وعي هذه الحقيقة البسيطة الواضحة فإنني لا اعتبر حديثه مفيداً وجدياً"
نتيجة القمع يحاول الناس أن يوحدوا آراءهم وملابسهم وبيوتهم وتحت هذه الظروف تذوب استقلالية الفرد، ويغيب أيضاً الوعي بالمسؤولية العامة. فالقمع يولد الخوف وينتج الاحترام الكاذب.

بسبب غياب العدالة، تغيب المسؤولية العامة، فالحدائق والشوارع ومناهل المياه ووسائل النقل العامة يدمرها الناس إعتقاداً منهم أنهم يدمروا ممتلكات الحكومة لا ممتلكاتهم، وكذلك تغيب المسؤولية تجاه أفراد المجتمع" فالسجناء السياسيين ضحوا من أجل المجتمع، ولكن المجتمع نفسه يضحي بأولئك الرجال الشجعان " الناس في البلاد العربية تتعامل مع قضية السجين السياسي على أنها قضية فردية على أسرة السجين أن تواجه أعبائها!

يتسائل الياباني باستغراب " افهم أن تضحي السلطة بأفراد متميزين ومفكرين وأدباء وسياسيين وعلماء وفنانين ولكن لماذا يضحي الشعب نفسه بأولئك الأفراد"!

العربي، يقول الكاتب، يتناول أفكاره من " خارجه " فيما يستنتج الياباني أفكاره من الوقائع الملموسة التي يحياها كل يوم" في اليابان تضاف حقائق جديدة كل يوم بينما يكتفي العربي باستعادة الحقائق التي اكتشفها في الماضي البعيد". الافكار الجاهزة تخرب فهمنا للواقع.

يقارن الكاتب بين اليابان والعـرب فيقول أن اليابانيين" واجهوا تجربة صعبة ومريرة، إذ سيطر العسكريون على الامبراطور والسلطة والشعب وقادوا البلاد إلى حروب... لكننا وعينا خطأنا وقررنا أن نصححه، فأبعدنا العسكر وقررنا أن نبني ما دمره القمع العسكري.. "، لقد تعلمنا أن " القمع يؤدي إلى تدمير الثروة الوطنية وقتل الابرياء، ويؤدي إلى انحراف السلطة والدخول في ممارسة خاطئة "، ثم يضيف أن النقد الذاتي " له قيمة كبرى في حياة الشعوب، والشعوب بحاجة إلى نقد من الداخل ومن الخارج ".

ويقول الكاتب أنه كثيراً ما يواجه بالسؤال من أصدقائه العرب : لقد دمرتكم الولايات المتحــدة بإلقاء قنبلتين نـوويتين على مدنكـم، فلماذا لا تكرهون أمريكا؟ يجيب بأن " علينا أن نعترف بأخطائنا، لقد استعمرنا شعوباً ودمرنا بلاداً كبيرة، في الصين وكوريا واوكيناوا، علينا أن ننقد أنفسنا ثم نصحح أخطاءنا ونزيل الانحراف " أما المشاعر فإنها مسألة شخصية محدودة لا تصنع مستقبلاً ".
يصر نوتوهارا على أن الوعي بالمشاكل هو المدخل الصحيح إلى إصلاحها، لذا يعطف على نظام القيم لدي العربي، ويضرب أمثلة كثيرة على خللها من وجهة نظر اليابانيين.

فالياباني لا يتوقع أن يذهب إلى البنك ليصرف مبلغاً من المال ثم يعطيه الصراف أقل مما يستحق! أو أن يذهب إلى متحف فيعرض عليه مسؤول المتحف بيعه بعض القطع الأثرية.. ويصف نوتوهارا الكثير من الحوادث في كتابه، بل إنه شاهد مره باستغراب راهبة بثيابها الدينية تدفع رشوة! لأنه لا يمكن أن تنهي معاملتها في تلك الدائرة من دونها، فنظام القيم يرى الكاتب أن فيه خللاً كبيراً لا تستقيم معه التنمية المنشودة.

لقد حاولت أن أقدم لمسة سريعة لهذا الكتاب الذي يفتح عين من يريد أن يرى، لأنه يقدم قضيتين : الأولى أن اليابان طلقت كثيراً من قيمها القديمة بشهادة رجل مطلع منها لتدخل عصر التحديث، والثانية أن هناك نظاماً من القيم العربية تستحق المراجعة.

أما أن يكون الاكتفاء بفهم الكتاب من خلال التعليق عليه فأنا لا أدعي ذلك، لكني أعتقد أن لدينا جميعاً حاجة إلى أن نقرأه بعيون وقلوب مفتوحة.

رؤية في كتاب

مشاركة منتدى

  • يا أخي لا يمكن للشعب العربي أن يستفيد من قراءته لهذا .. الذي يمكن أن يغير هو الحاكم العربي المضطهد للشعوب العربية

    • الشعب العربي شعب ذكي لاكن غياب الديموقراطيه والتعصب القبلي هذا سببه وانا عربي سعودي في كندا موظف ومقيم فيها وكل شئ في كندا مختلف بنسبه كبيره عن بلاد العرب من المحيط الي الخليج اااااه العرب اسياد العالم في الماضي وان شاء الله في المستقبل شكرا

  • كل ما تم رصده في كتابه
    نعرفه ولانحتاج الى كتاب
    كمرجعية او توثيق لان
    ماتم رصده قد كون
    جزء من شخصيتنا لذا
    نحن نحفظه عن ظهر قلب

    .. هذا الرصد والاراء
    كما جاء في نظرته اليابانية
    تجعلنا نصف الياباني نوتوهارا
    بانه رحالة وليس كاتب مفكر .

    اليابان افضل لكن
    لانريد ان نكون
    نسخة يابانية لأن
    بيننا اختلاف
    فتاريخنا حضارة
    ومرجعيتنا سماوية
    وعليه : نأخذ منهم
    مايناسب الجانب المادي
    من سياسات وآليات
    في هذا الجانب

    ونتمسسك بتطوير
    جانبنا الروحي
    او المعنوي

    مؤسف
    بعد ٤٠ عام
    في ارض العرب
    ان يخرج بكتاب
    رصد فقط لاغير
    عن مشاهداته
    دون ان يفهم
    علاقتنا بالدين

    ودون تعمق القراءة
    في تعاملات الإسلام
    وعن سماخة الدين
    ومرونته وقدرته
    على ان يعيد العرب
    مرو اخرى الى القمة
    كما فعل اول مرة
    لكن ......

    نشكر الكاتب على مابذله ميدانيا
    ونحن لن ننكر انها فكرة غير مسبوقة
    وقد وثقت تفاصيل مجتمععية
    لفترة زمنية طويلة

    باختصار / الحل بسيط
    وهو : الاسلام من جديد
    بشرط : تطوير الفكر الإسلامي
    من خلال علماء دين حقيقيون
    يبحثون بصدق عن مايواكب
    هذا العصر دون التخلي
    عن مبادئنا او هويتنا

    يقول الملاكم محمد علي كلاي :
    نريد ان نسبق هذا العالم لكن
    دون ان نفقد هويتنا ومبادئنا
    التي اوصانا بها ديننا الاسلامي

    اذن
    الاسلام هو الحل الممكن والافضل
    بدلا من ادخال بلادنا ومنطقتنا
    في نفق مظلم في حال حدوث
    المعارضات و التظاهرات
    التي يتساءل نوتوهارا
    انها لم يراها طيلة
    ٤٠ عام

    وهنا ..
    اختم على طريقته بسؤال :
    هل تشعر ان الثورات هي
    الحل الافضل للقضاء على
    (القمع) الذي شعرت به ؟

    وهل ترىكإنسان حضاري انه
    بالإمكان أن نطفىء النار بالنار ؟

    وهل الثورات حل يناسب
    الالفية الثالثةوعصر السرعة
    كما كانفي الماضي حيث
    الحروب العالمبة والقوة 🌹

أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى