الثلاثاء ١١ آذار (مارس) ٢٠٠٨
بقلم رانية عقلة حداد

كي يكون الأردن أولا

لأسابيع خلت كانت تتردد في أحاديث بعض الأصدقاء، والمعارف قصة امرأة أردنية مسنة تعيش وحيدة في منزلها، لفت انتباه أحد زوارها أنها
 وهي التي تعيش في كنف الأردن وتحمل جنسيته- تحتفي داخل منزلها بنموذج مصغر لعلم أمريكي، أدهشه الأمر كما أدهشني حقا، فليس من المعتاد أن نضع أعلاما داخل بيوتنا لندلل على انتمائنا، وإن كان فلماذا ليس العلم الأردني... فأجابته بأنها اختارت أن تضع علم البلد الذي قدّرها وغمرها برعايته، وأشعرها بأنها إانسانة تستحق الاحترام لمجرد أنها تحمل كرته الأخضر، على الرغم من أنها تسكن على بعد آلاف الأميال عن أرضه وأين... في بلدها الأم!! ولكن يوم داهمها المرض بشراسة لم تجد سواه معيناً وسنداً، فهيأ لها الإسعاف من خلال سفارته، وأعدّ لها اللازم لعلاجها في المستشفى، ولم تغادره إلا برفقة ممرضة تقوم على رعايتها، في حين أن بلدها الأم لم يسمع صوت استغاثتها، ولم يجب, لعل الإسعاف ضل الطريق اليها كما تضل سائر الخدمات طريقها إلينا.

قد لا تكون هذه القصة حقيقية، وإنما افرزها الخيال الجمعي ليعبر من خلالها عن ألمه لذا ما يستوقفني حقا فيها، هي تلك المسافات التي يشعر المواطن أنها تفصله عن وطنه حيث يقف في آخر الطابور على باب أولوياته، وحين يُعييه الانتظار، ولا تسعفه قواه على تحمل المزيد يتهاوى في أقرب حضن يفتح له ذراعيه، ولو كان هذا الحضن أمريكا؛ تلك التي ترعى الاحتلال الإسرائيلي لدولة شقيقة، وتحتل هي دولة شقيقة أخرى، رانيه لتوسيع دائرة الاحتلال تلك من جهة ومن جهة أخرى تستميت من أجل كسب رأينا العام من خلال محطات إذاعية وفضائية، بل قد تمنح مكافأة للذي يدلها على الطريقة التي تستميل بها العقول ما دامت غير قادرة على كسب القلوب، فهل أرشدها إلى طريق القلوب!

مرة أخرى سواء أكانت تلك القصة حقيقية أم إفرازاً لخيال جمعي، أسأل أين هم أبناؤنا، فأضيف انهم في المهجر، أو في طريقهم إليه، فكم تشكل الهجرة إلى أمريكا بشكل خاص هاجساً كبيراً لدى جيلنا نحن الشباب، رغم نظرتها إلينا كإرهابيين ما دمنا نحمل الهوية العربية، ورغم علمنا بسوء معاملتها للعرب المواطنين هناك بعد 11 أيلول... إلا أنها لا زالت تشكل بالنسبة لأغلبنا أرض الأحلام التي نسعى بطرق مشروعة وغير مشروعة للظفر بها، في الوقت الذي ترتفع فيه الشعارات عاليا تحت سماء بلادنا (الأردن أولا)... فهل يطلق المرء ساقيه هكذا طوعا للريح كي تقصيه بعيدا عن بلده الذي يحب ؟! أم أن العذابات التي توحد وجهه بوجوه قاسم حداد، تقصيه فتفجر في الوطن ذات السؤال…"هل نهفو إليك وأنت في غيبوبة الرؤيا ترانا دون أن تحنو على ما ينتهي فينا" ؟

وماذا ينتهي فينا ؟
ألا ينتهي فينا الشعور بالاستقرار حين يهدد ارتفاع الأسعار والضرائب المتطرد احتياجاتنا الأساسية، فلا نقوى على تغطية نفقاتنا في ظل دخول ثابتة سوى من زيادة طفيفة يخجل المرء من ذكرها؟.

ألا ينتهي فينا الشعور بالثقة بغد مشرق يُمنح فيه أبناؤنا حظا وافرا من التعليم الجامعي، ونحن نشهد سعي الجامعات الحكومية التدريجي للحاق بركب الجامعات الخاصة في زيادة الأقساط؟.

ألا ينتهي فينا الشعور بالأمان حين نهرب من واقعنا لنحلم بشيخوخة كريمة... فيرعبنا التفكير بتقاعد لا يغطي نفقات الدواء؟.

ألا ينتهي فينا الشعور بالدفء والحميمية والتواصل عندما لا تُسمع أصوات اناتنا واستغاثاتنا؟.

ألا ينتهي فينا الصبر ونحن نمارس باستمرار رياضة شد الأحزمة على البطون للحد الذي لم يبقَ لدينا فيه بطون لنمارس عليها المزيد من الشد؟.

ألا ينتهي فينا الشعور بالحياة حين تواصل الأوضاع سيرها المحموم للاسوأ، فنفقد معها القدرة على الحلم بما هو أجمل؟.

ألا ينتهي فينا...

ألا ينتهي...

نريد للأردن أن يبقى أولا محمولا في قلوبنا أنّى ذهبنا، لا شعارا نكتفي بتعليقه فوق الصدور أو على لوحات الإعلان، فكي يكون أولا لايحتاج ولانحتاج معه ـ ليستأثر بقلوبنا وعقولنا - لملايين تصرف على حملاته الإعلانية والتي نحن احق بها، وإنما نحتاج أن يحنو علينا قليلا... يحنو علينا... قليلا... ويلتفت الى ما قد ينتهي فينا.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى