الاثنين ٢٦ أيار (مايو) ٢٠٠٨
بقلم أحمد الخميسي

لآخرون .. ترف أم ضرورة ؟

أصبح العالم قرية واحدة صغيرة كل ما فيها سيان سقوط بقرة في بئر أو انفجار مفاعل نووي يصبح معروفا بكل لغات الأرض. لكن المعرفة ليست المشاركة. نعم بفضل ثورة الاتصالات ثمة قرية واحدة يعرف كل ساكن فيها بأدق الأحداث والإشاعات، لكنه يعيش منغلقا على ذاته، يراقب ما يدور حوله، وربما من دون أن يأبه بشيء مما يحيط به.

وكون العالم قرية واحدة لا يعكس بالضرورة أن العلاقات في تلك القرية علاقات ترابط وتعاون إنساني كما توحي كلمة " قرية " عادة . وقد مرت أمام أعين العالم كله كارثة " إعصار نرجس " الذي ضرب في مطلع هذا الشهر " ميانمار " التي عرفت من قبل باسم " آراكان " ثم " بورما "، وتتماس حدودها مع الصين ولاوس وتايلاند والهند ، وهي دولة اتحادية فقيرة من 135 سلالة عرقية موزعة على خمسين مليون نسمة لا يتجاوز دخل الفرد فيها دولارين في اليوم، خضعت للاحتلال والنهب البريطاني ما بين 1886 – 1948. وهناك ضرب إعصار " نرجس " منطقة الدلتا التي تعادل مساحتها مساحة النمسا، وأدى لمقتل وفقدان أكثر من ربع مليون إنسان، وشرد مليوني ونصف يهيمون باحثين عن طعام ودواء في سهل ساحلي معزول عن العالم .

وقد فكرت في حينه لماذا لا يقوم وفد من كبار المثقفين والأدباء بالتوجه إلي سفارة بورما أو المركز الثقافي التابع لها لتقديم العزاء في مأساة ثلاثة ملايين إنسان ومعهم حقيبة دواء رمزية؟ أم أن التفكير في " الآخرين " في ظل ظروفنا القاسية ترف؟. نحن نعاني من الغلاء والازدحام والتلوث والفوضى الفكرية وأزمة المساكن والطرق وغير ذلك ، لكن متى عشنا من دون مشاكل؟ .

ثم لم يمر وقت قليل إلا وضرب الزلزال إقليم " سيشوان" في الصين ودمر ثمانين بالمئة من المباني وعدة مصانع كيماوية، وأجلي نحو ستة آلاف إنسان عن مساكنهم، وأدى إلي انهيار مدارس على تلاميذها، وسقوط الضحايا في أقاليم مجاورة، وقطع الطرق وخطوط الهاتف، ووصفت الصين الزلزال بأنه " كارثة " توفي فيها ما لا يقل عن عشرين ألف شخص، بينما ما يزال عشرات الآلاف مدفونين تحت الأنقاض، وفي في إقليم سيشوان وحده أدى الزلزال إلي تشريد خمسة ملايين إنسان ! ولهذا نقلت وسائل الإعلام أن ذلك الزلزال الأخير كان " الأشد تدميرا " في تاريخ الصين، وأنه أسفر عن دمار يفوق كل ما نجم عن الهزات الأرضية التي وقعت في الصين منذ عام 1949 ! وهكذا تشرد وتوفي في " ميانمار " وفي الصين – خلال أسبوعين- نحو ثمانية مليون إنسان أي شعب بأكمله ! ومرة أخرى أجدني أفكر هل كان تقديم الدعم ولو الأدبي منه ترفا في ظروفنا ؟ ولا أقصد هنا برقيات العزاء الرسمية والدعم الحكومي، لأن هناك فارقا كبيرا بالنسبة للمواطن المصري البسيط بين إجراءات حكومية وبين وفد من كبار الأدباء الذين يحبهم ويقرأ لهم ويثق فيهم يتحرك ليعرب عن تعاطفه مع ضحايا الكارثة في البلدين. لماذا لا يتشكل وفد من بهاء طاهر وجمال الغيطاني ومحمد المخزنجي ومحمد البساطي ومحمد ناجي وصنع الله إبراهيم وعبد الوهاب الأسواني وغيرهم من أدبائنا لتقديم العزاء للشعبين بشكل أو بآخر؟ .

أسأل : أم أن هذا ترف ؟ لا تحتمله ظروفنا القاسية والفظة التي تشغلنا عن كل شيء ؟ أم أن ذلك على العكس ضرورة ثقافية وعمل أشبه ما يكون بتأليف كتاب مفتوح يقرأه الجميع ويفهم به ومنه أن متابعة ما يدور شيء و المشاركة الواجبة شيء آخر؟. ترف أم ضرورة ؟ يعرف من خلالها المواطن البسيط أن كل مأساة في العالم هي مأساته بغض النظر عن فروق اللون والدين والحضارة والثقافة ؟ ثم ألا تثير مثل تلك المشاركة اهتمام الشعب في الصين وفي ميانمار بثقافة وحضارة من وجدوا حتى في ظل ظروفهم السيئة أهمية للإعراب عن تعاطفهم؟ . إننا غالبا ما نسأل العالم اهتماما بنا، لكن هل نهتم نحن بالعالم ؟

لقد أكد أحد المعاهد اليابانية التي رصدت الزلزال الصيني الأخير أن الذبذبات التي ولدها الزلزال دارت حول الكرة الأرضية مرتين. على الأقل من هذه الزاوية فإن الكارثة تمسنا، فقد عبر الموت علينا مرتين ، ثم واصل طريقه إلي ملايين من البشر أبعد قليلا .


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى