الاثنين ٢٢ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠١٠
بقلم ماهين شيخاني

لتقفز إلى حضني..؟

استلطفتني أو لنقل صادتني لدى ولوجها إحدى المحلات المجاورة لمحلي، طلبتْ منهم كمثيلاتها اللواتي تطلبن الحسنة، فلم يساعدوها بل تحرشوا بها كغيرها وأصبحوا يسمعونها كلاماً يخدشُ طبلة الحياء، لم يحترموا حتى من هم حولهم، لذا تهيأت لمغادرة المكان، استدارت نحوي وقالت: أيه...وأنت يا أفندي... إلى أين
تذهب؟.

أنا لست صاحب المحل، مجرد ضيف هنا؟.حالاً سأغادر المكان, سأنسحب كما ترين؟ إذا دخلت (......) ذهبت الملائكة.

لست نجسة كما تظن ولكن للتاريخ وأمام هؤلاء الناس أشهد بأنك ملاك يا سيدي بكل تأكيد، أنت صاحب ذاك المحل الواقع في الجهة الثانية من الشارع، أعرفك جيداً ولن أنساك طالما لي قلب ينبض في هذه الحياة، لقد سبق وساعدتني ذات مرة، خلصتني من ثلة مراهقين هنا في هذه الحارة؟!. ومع ذلك لا تهرب ولا تتمسكن عليًَ، مُدَّ يدك إلى جيبك...؟.

لا أتذكر ماتقولينه، و لا أعرفك، اكشفي عن غطائك، حتى أراك؟. كلكم بنفس اللباس ((نينجا التسول)).

انتبهت لقهقهات الجالسين وقالت: لن أكشف أمام هؤلاء الأبالسة، سيهجمون علي كالوحوش, سأذهب إلى محلك....

وهل نعيش في غابة، إياك والذهاب، لا أحد في المحل؟.

سأنتظرك، لا تخف لست بسارقة، وخرجت دون أن تحصل منهم على شيء.
قالوا لي اذهب إلى محلك قبل أن تسرقك هذه الملعونة، لحقتها بارتباك، سبقتني إلى المحل، دخلت وجلست على الكرسي بدلع وغنج وقالت: أجلس يا رجل لم أنت مرتبك بهذا الشكل؟. وكأني عفريتة جلبت الصقيع إلى محلك، أنت رجل يبدو عليك الهيبة والوقار.

أجبتُ بثقة: ولِمَ أرتبك من امرأة متسولة مثلك ولكن لا أريد أن يلاحظ أحداً بأنك بقيت لفترة طويلة عندي، ماشاء الله رائحتكم تفوح قبل وصولكم البلد، احترم المرأة التي تحترم نفسها ولكن الخوف لا يخطر ببالي، كوني اعرف ذاتي جيداً.

انظر إلى حالك كيف تتمسك بالطاولة. تكاد أن تهوي؟.

لا أبدا عادي، ها أنا ذا أرفع يدي عن الطاولة..؟!.

وها أنا ذا أرفع الحجاب!.

يا سبحان الله، يالجمالها الأخاذ وعينها المكحلتين بكحل الخالق. آية في الحسن والإبداع بريشة صانعها الباري. سبحانك ربي, أشهد بأنك خلقتها في أحست تقويم.
هه ما رأيك..؟. ألا أستحق منك حسنة وحسنة دسمة أيضاً. ثم تفرست وجهي وقالت: عندما أكشف وجهي لأحدهم يرتسم علامات الغبطة والانشراح على وجوههم، وكأني وهبتهم حبة فياغرا، أما أنت عابس وكظيم؟. لم يتغير أو يتحرك فيك شيئاً؟؟؟. لم هذه الكآبة و هذا الحزن في عينيك؟. هل أحد من أقرباءك أنتقل إلى دار الآخرة؟.

ما شاء الله وتقرئين العيون أيضاً. حسبتك تقرئين الجيوب فقط.

والكف أيضاً...بصارة وحياة شواربك، لا أحد يفوقني مهارة بذلك، هات كفك إذا لم تصدق؟ من خطوطه أعلم طريق مستقبلك كما أرى ومتأكد بأن ذاك الخمسمائة ليرة من نصيبي.

الله يرضى عليكِ، لا تذكرينني بالبصارات, فقط شبعنا ضربا حينما كنا أغراراً في الجيش بسبب البصارات مثلك..ثم عن أي خمسمائة تتحدثين يا....؟

تلك التي تكاد أذنها تخرج من جيب قميصك لتقفز إلى حضني – أقصد تحت ثدياني -.
لا تحلمي كثيرا يا بنت....الناس، لم أدفع لأمثالك سوى عشر ليرات فقط.

أحلفك بالله، أصدقني القول، أليست لهذه النقود حكاية.

وما أدراك بذلك..؟

حدسي يقول بأنك دفعتها لإحداهن ثم رجعت إلى جيبك ومن ثم.....

ومن ثم ماذا؟

سيكون حتما لي، من نصيبي؟!..

لن أخفيكم سراً، كان حدسها صادق وبالفعل لهذه الفئة النقدية حكاية مؤلمة، تمالكت وسيطرت على ذاتي، حاولت أن لا أسر لها بالحقيقة، كي أتخلص من ثرثرتها فالحكاية طويلة وقلت لها:

لا أعتقد ذلك، حدسك في غير محله..؟. – مددت يدي إلى جيبي – تفضلي عشر ليرات واغربي عن وجهي لقد أثرت غيظي وأصبحت أعصابي كالأفاعي تخرج من أوكارها, اذهبي إلى جولتك المعتادة ولا تتأخري عن بيتك، زوجك وأولادك بانتظارك وهم بحاجة إليك؟.

مازال الوقت باكراً الآن ؟.دوامي لم ينتهِ بعد، ألا تحتاجني لخدمة ما يخطر ببالك, علي جمع مبلغاً (أبو طربوش ) يا عزيزي، حتى يستقبلني الأفندي وإلا سيكون الضرب من نصيبي. هل أكشف مكان الضرب؟. كدمات زرقاء وحمراء على كل أجزاء جسدي البض.

لا..لا..لن أسمح بذلك، كفي بلاك وشرك عني، لا ترينني شيئاً، لست بحاجة لخدماتك، استغفر الله لقد نزعت صباحي اليوم،كم من المبلغ حصلت عليه إلى الآن.؟.

 أخرجت كل ما في جيبها من النقود المعدنية ووضعتها على الطاولة، ها هي الغلة كلها أمامك.

حسناً، حسناً، خذي منهم خمسين ليرة أجرة النقل وهذا مني أبو طربوش نصيبك وأمري لله. إياك ثم إياك الدخول لهذا المكان ثانية. اتفقنا؟.

رمقتني بنظرة وقالت: حسبتك مثلهم، حاولت أن أرضيك بطريقة تفكير البعض منهم، ولكن أعتذر منك، نزاهتك وإنسانيتك غيرت مفاهيمي الخاطئة.أشكرك وبارك الله بك أخي. ليتهم مثلك، ليرزقك الله من حيث لا تدري , اعذرني على تصرفي معك.
لا داعي للشكر ولا للاعتذار، أريد فقط منك وعداً بأن تعملي عملاً نظيفاً، أي عمل شريف، لتكن عاملة تنظيف في المنازل خير لكِ من التسول هذه وكلام الناس.

 ودعتني بابتسامة وهي تمضغ العلكة مدندنة أغنية كلام الناس..لمطرب معروف وخرجت.وأنا بدوري تذكرت حكمة معروفة ((من شب على شيء شاب عليه))، ثم لاحقتني الذاكرة بمقولة أخرى: أعمل الخير وأرميه بالبحر، نظرت لساعتي و حملت جهاز التحكم لأقلب قنوات التلفاز لأنتقل إلى الأخبار العاشرة (صباحاً طبعاً).

 بعد مرور نصف ساعة تقريباً، دخلت أليَّ ثانية وسُرت في أذني قصتها ووضعت ورقة ملفوفة في كفي وهي تتوسل وتعتذر، هدأت من روعها ووعدتها بحل الموضوع، أجلستها وطلبت كأس من الشاي وتركتها في المحل.

دخلت محل الصياغة وطلبت من الصائغ خاتم جميلاً، ابتسم وقال: مبروك، هل ستتزوج ثانية؟.

ابتسمت وقلت: كل شيْ قسمة ونصيب..؟.

وعندما فرش علبة الخواتم أمامي تغير نبرة صوته، ابتلع ريقه وقال: لقد سُرق مني خاتماً.

أخرجتُ الورقة التي في جيبي وقلت أهذا هو الخاتم.


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى