الأربعاء ١٦ آذار (مارس) ٢٠١١
بقلم سمية البوغافرية

لكل ربيعه

في قفص كبير أحكم إغلاقه وعلق بين السماء والأرض في مكان مظلم.. تعيش فيه، تحت طقس الأزرار، أعداد من الطيور من أصناف وسلالات وأعمار مختلفة..

تضج العصافير احتجاجا على وضعها الخانق وتضطرب حد انسلاخ أجنحتها عن أجسادها.. ومع ذلك تتوالد وتتزايد.. وكثير منها تلقي نحبها.. وبطريقة إلكترونية، تُفتت الأجساد الخامدة وتسرب عبر القضبان فتشيعها العصافير بنحيب خافت شبيه بأنين متواصل..

وهذا أمر عادي ومألوف ولم يثر دهشة أحد.. ولكن ما أثار الدهشة والانزعاج هو صوت العصافير الذي تغير.. من نحيب خافت قريب من الشدو الحزين إلى نواح يزعج السمع بعدما كان يطربه.. فامتدت الأيادي إلى زر الطقس على يسار بوابة القفص.. أدارت زر الحر إلى أقصاه في النهار وزر القر إلى أقصاه أيضا في الليل.. فتحول الصوت إلى النقر.. نقر خفيف على القضبان استحسنته الآذان ونامت على إيقاعه..

قبيل الفجر كانت المناقير قد فتكت بإحدى القضبان وهجمت الجماجم.. نقرت الأمخاخ وبصقتها من النافذة ثم حلقت بعيدا في شتى الاتجاهات تبحث عن ربيعها..

هذه قصة كتبها قبل شهر وبضعة أسابيع ووسمها بـ " نداء الربيع".. وهو يتذكر جيدا أنه كتبها على الورق.. وأنه كتبها حول العصافير.. وأن ظروفا غير محتملة هاجمته فتسلى عنها بكتابة هذه القصة.. ولكن الذي لم يصدقه بتاتا أن تصير غرفته ذلك القفص ويصير حرفه على الرفوف ومن فوقه وأعلاه ومن حوله تلك العصافير.. وهو الذي طالما غنى للحرية، يصير ذلك السجان.. وبدل أن تنقر حروفُه الورقَ والجدرانَ لتبحث عن ربيعها مثل تلك العصافير، فتحت مناقيرها واندفعت لتهجمه..

حام على جمجمته بيديه وخرج هاربا من مناقير الحروف التي اندفعت إليه كأسراب النحل ضاجة صاخبة.. أحكم إغلاق باب الغرفة وراءه وهرول بعيدا وقلبه يدقه الهلع.. الغرفة المغلقة تهتز والضجيج في رأسه يعلو ويرتفع ودقات قلبه تتسارع ورجلاه مستمرتان تحرثان الهواء...

تطاير سقف غرفته وتداعت جدارنها واحدا تلو الآخر.. ولفحه نار الهجوم من الخلف مع أزيز صاخب يخترق طبلتي أذنيه .. سقط أرضا منبطحا على بطنه يحمي جمجمته بذراعيه.. مرت أسراب الحروف فوق رأسه كطائرات حربية دون أن تلتفت إليه أو تصيبه بأذى..

فقام في مكانه يتعقب أسراب حروفه تخترق الأجواء وعلى فمه بسمة رضا عريضة.. فرح بنجاته من بطشها وسعيد بتحقق حلمه في تحليق حروفه بعيدا عن سجن رفوفه.. ثم صخب يضحك بهستيرية وهو يتعقب أسراب حروفه وهي تجوب الآفاق.. ما فتئ أن اندفع بفرح جنوني يجري وراءها وسط العمارات وينبه إليها العيون المشدودة إليه وحده...

***

فبراير، 2010


أي رسالة أو تعليق؟

مراقبة استباقية

هذا المنتدى مراقب استباقياً: لن تظهر مشاركتك إلا بعد التصديق عليها من قبل أحد المدراء.

من أنت؟
مشاركتك

لإنشاء فقرات يكفي ترك سطور فارغة.

الأعلى