لماذا نبصق على النصر؟
لم تكن الحرب الدموية الحاقدة التي شنها الكيان الصهيوني على لبنان حرباً سريَّة ولا بعيدة عن تناول الناس، وخاصَّة ما كان على الأرض اللبنانيَّة. الصورة ليست بحاجة أَو الشرح أَو التفصيل ولا حَتَّى التأويل؛ الكل يعرف أن الكيان الصهيوني شن حرباً لا يفسرها إلا الحقد على لبنان أرضاً وشعباً، ودمَّر كلَّ شيء. نعم هذه حقيقة لا يستطيع أحد إنكارها.
في المقابل نجد أنَّ الجيش الصهيوني الجبار هذا الذي قصف لبنان من أقاصي السماء عجز عن تحقيق أيِّ نصر على الأرض، وخسر من العتاد والجند ما لم يخسره رُبَّمَا في كلِّ حروبه ضد العرب على مدار وجوده، باستثناء حرب رمضان 1973م. ومني الجيش الصهيوني في هذا العدوان على لبنان بهزيمة لم يسبق لها مثيل على الإطلاق طيلة حروبه مع العرب.
انتهت الحرب، ولا نضيف إلى معلومات أي باحث موضوعي شيئاً إذا قلنا إنَّهُ بموازين القوى ومعايير الربح والخسارة في الحروب فإنَّ الكيان الصهيوني قد انهزم، بل انهزم هزيمة نكراء، ويبدو ذلك من خلال ثلاثة معايير على الأقل أولها بادئ الحرب، ثانيها هدف الحرب، ثالثها موازين القوى.
أولاً: من الناحية الأولى لا شكَّ في أنَّ الكيان الصهيوني هو الذي بدأ الحرب لأن له أهدافاً يريد تحقيقها، وإن حاول بعضهم عكس هذه. والذي يبدأ الحرب غالباً هو الذي يصل إلى ما يريد،و هو الذي يحدد أهداف الحرب، أما المدافع فهدفه الدفاع عن نفسه ضد العدوان. وقد تبين واضحاً أن إسرائيل كانت تخطط لهذا العدوان منذ زمن.
ثانياً: الأهداف التي أعلنها الكيان الصهيوني منذ الساعات الأولى لشنه الحرب العدوانية الحاقدة هي القضاء على حزب الله قضاءً مبرماً، ثُمَّ تنازل قليلاً إلى تجريد حزب الله من السلاح، ثُمَّ تنازل قليلاً فحاول الاجتياح لإخراج حزب الله من الجنوب... ولكن الكيان الصهيوني أخفق في كلِّ ذلك إخفاقاً ذريعاً ومني بخسائر أذهلت القيادة الصهيونيَّة. حَتَّى قالت وزيرة الخارجية الصهيونية: «لا تستطيع قوة في العالم أن تجرد حزب الله من سلاحه».
ثالثاً: أما من ناحية موازين القوى فلا مجال للمقارنة بَيْنَ سلاح الكيان الصهيوني الذي يعد أحد أقوى أربع جيوش في العالم تسلحاً وتطوراً وقوة، وبَيْنَ سلاح حزب الله البسيط الذي لا يتجاوز السلاح الفردي والصواريخ العادية، ومع ذلك استطاع حزب الله أن يسد كلَّ منافذ التحرك ويحد من قدرته على الفعل ومنعه من تحقيق أي غرض على أرض الواقع.
من خلال هذه المعايير القابلة للزيادة والتوسع والمناقشة وصل العالم كله إلى حقيقة واحد هي أنَّ أن حزب الله هو الذي خرج منتصراً في هذه المعركة. وبدوافع المرواغة السياسية وحفظ ماء الوجه للكيان الصهيوني خرج فريق هو الذي راح يزداد زعم أنَّه لا يوجد منتصر ولا منهزم في هذه الحرب. وهذه حقيقة نعرفها في أخلاق العنجهية؛ إذا غلب الضعيف القوي قيل لا غالب ولا مغلوب، وإذا كاد القوي أَو الجبار يغلب قيل سحقه، وإن سحق القويُّ أَو الجبارُ الضعيفَ قيل: يستحق ذلك.
حزب الله لم يبدأ الحرب ليعلن أهدافاً نحاسبه عليها، حزب الله أسر جنديين ليبادلهما بالأسرى اللبنانيين والعرب، هذه أهداف حزب الله، وهو لم يخسر شيئاً من شروطه ولا مطالبه ولم يفرج عن الأسيرين، إذن هو حَتَّى الآن بكل المعايير منتصر.
لو كان الكيان الصهيوني هو الذي انتصر هل كانت تجري الأمور على نحو ما تجري عليه، هل بقي الأسيران لدى حزب الله، هل استطاع حزب الله أن يبقى واقفاً قادراً على فرض شروطه؟
لم ينكر انتصار حزب الله الصريح إلا رجل واحد هو جورج بوش والصهاينة العرب في لبنان خاصَّة وفي أكثر من بلد عربي. جورج بوش وحده في العالم الذي خصص خطاباً لنصر الكيان الصهيوني على حزب الله ووجه التحية والتقدير للجيش الصهيوني والكيان الصهيوني على النصر المبين الذي انتصر على الإرهاب في لبنان، هذا في الوقت الذي لم يجرؤ الكيان الصهيوني أبداً على القول بأنه انتصر، بل الكيان الصهيوني منذ نهاية الحرب وهو في حالة هيجان لتصفية الحسابات ومحاسبة المسؤولين عن الهزيمة، وكل وسائل الإعلام الصهيونية أقرَّت بالهزيمة ولكن حفظاً لماء الوجه وصورة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر راح هذا الإعلام يتحدث أحيانا عن اللاغالب واللامغلوب.
الكيان الصهيوني ذاته أقر بالهزيمة وجورج بوش الصغير يعلن أَنَّهُ يعرف أكثر من الجيش الذي انهزم، ويقدر تقديرا أصح منه. وسار مع بوش الصغير الصهاينة اللبنانيون والصهاينة العرب عامَّة الذي عزَّ عليهم أن تنهزم إسرائيل، هزيمة إسرائيل تؤذي شعورهم، تربك أمعاهم، تسبب لهم المغص والإسهال، ولذلك رفضوا الاعتراف بهزيمة الكيان الصهيوني، ورفضوا استيعاب أن حزب الله انتصر، لم يتقبلوا أن ينتصر عرب على الكيان الصهيوني.
شعور بوش الصغير نفهمه ونلتمس له فيه العذر، ولكن كيف لعربيٍّ أن يكون له مثل هذا الشعور؟
إذا عدنا إلى الحروب السابقة التي شنها الكيان الصهيوني على العرب كان العرب في حرب يخسرون الأرض الكرامة والأرواح ويخرج علينا المنظرون والجماهير ذاتها رافضين الاعتراف بالهزيمة، كانت الهزيمة كلَّ مرَّةٍ واضحة ومع ذلك نرفض الاعتراف بالهزيمة ونقول على الأقل: انتظرونا في الحرب القادمة، لقد أُخذنا هنا غدراً...
فلماذا انقلبنا أَو انقلب بعضنا هذا الانقلاب الفظيع؛ النصر واضح صريح ومع ذلك يرفضون الاعتراف بالنصر ويصرون على أن الكيان الصهيوني هو الذي انتصر؟ ولماذا يبصقون بهذه الصفاقة على النصر؟
إن قلنا إنهم لا ينتمون إلى العروبة أبداً يقولون: إننا نعتمد لغة التخوين!!
إن قلنا إنهم خونة قالوا: إننا نتهم بلا دليل حَتَّى مع وجوده صريحاً.
من فضلكم إذن: أنجدونا بتسمية تفسر الحدث.